في عتمة إضطراب الواقع السياسي في "تونس" والمنطقة وانعكاسه على الواقع السينمائي تأتي فكرة إحياء مهرجان أيام قرطاج السينمائي مثل ومضة البرق التي يأتي بعدها المطر كي تزهر ورود الثقافة السينمائية العربية وأيضا بالحرية التي نتوقعها بعيدا عن المشاكل التي يختلقها فصيل السلفيين بين الفترة والأخرى، وحرية التعبير بعد أن كان السينمائي العربي مكبلا بالفكر الشمولي والفكر الدكتاتوري. لكن السؤال المهم والصعب الإجابة هو هل ثمة أفلام عربية جديدة تحققت خلال هذين العامين اللذين عقبا الربيع العربي هنا أو هناك؟ لقد عرفنا أن أفلاما أغلبها وثائقية وبعض الأفلام القصيرة قد أنتجت خلال هذه الفترة وحقق بعضها نجاحات فنية ممتازة وقد عرضت هذه الأفلام في بعض المهرجانات ومنها "مهرجان الخليج" و"مهرجان دبي" و"مهرجان أبو ظبي" وأخيرا "مهرجان نابل"، لكن "أيام قرطاج السينمائية" يحتاج إلى مادة سينمائية جديدة في مجال الفيلم الروائي حتى يتحقق له ما يتفاعل جدلا مع التحولات السياسية والفكرية وحرية التعبير العربية. نجد هنا والمهرجان بإدارة جديدة وذات رؤية مختلفة عما هو تقليدي، إدارة الدكتور "محمد المديوني" أن يشكل هذا المهرجان إفتتاحاً لقراءة سينمائية جديدة للواقع، ليس فقط في طريقة برمجة الأفلام، بل بتحويل المهرجان إلى مدرسة تضع نهجا جديداً لمهرجان جديد، فهو إحتفالية بالأفلام الجديدة قصر حجمها أو إستكمل زمن الفيلم السينمائي، بمعنى الفيلم القصير أو الفيلم الروائي، أن لا يجعل المهرجان من فكرة الأفلام المشاركة بمهرجانات سابقة مانعاً لعرضها، بل أن يختار نوع الأفلام الجديدة وذات الأشكال الجديدة والرافضة فكرياً للعهود القسرية والمضنية على شعوبها، مادة منتقاة لتطعيم "أيام قرطاج السينمائية" وعلى سبيل المثال فإن الفيلم اللبناني "مرسيدس" لمخرجه "هادي زكاك" وفيلم المغني للعراقي "قاسم حول" اللذين عرضا في مهرجان "نابل" وحققا نجاحا كبيراً لم يشاهدهما الكثير من محبي السينما بسبب طبيعة المهرجان وجمهور "تونس" يحتاج إلى هكذا أفلام ل"مهرجان قرطاج السينمائي"، لأن الفيلمين الأول في المجال الوثائقي عكس ظروف الحرب اللبنانية، والثاني للمخرج "قاسم حول" الذي قدم من خلال فيلمه غرائبية الدكتاتورية، وهذا الفيلم يعبر عن عموم الدكتاتوريات لأنه لا يتحدث عن دكتاتور معين بمعنى كما قال المخرج أن فيلمه ليس تصفية حسابات شخصية مع دكتاتور بحد ذاته. "أيام قرطاج السينمائية" يحتاج اليوم إلى إعادة العلاقة مع السينما العربية وحتى غير العربية من خلال حملة إعلامية ثقافية تأخذ دورها في ترسيخ العلاقة بين الإحتفالية السينمائية الجديدة والمتلقي. هذه السنة نفوسنا يغمرها الأمل القوي في أننا سنلتقي في شهر نونبر في مهرجان مختلف مع الدكتور "محمد المديوني".