في منتصف شهر مارس، أثار رئيس الحكومة، عبدالإله بنكيران، موضوع الزيادة في المنح المخصصة للطلبة،والتي بقيت مجمدة منذ ثلاثين سنة .وكان نبأ سارا للذين لا منفذ لهم سوى الجامعة .لكن وفي غضون شهر يوليوز، يأتي لحسن الداودي،في عز الحر ليعلن بأنه حان الوقت لوضع حد لمجانية التعليم العالي. وكسياسي جيد لم يخرق الوزير قاعدة اللعبة بحيث وضع الملطف في حريرته المرة ليقدمها في أحسن تغليف إلى المواطنين،فالحكومة التي ينتمي إليها ستتكفل بالمعوزين والطلبة المنحدرين من الأسر الأكثر فقراً،لكن حان الوقت، على حد تعبير الوزير،لكي تساهم الأسر الميسورة في المجهود الجماعي، وهو توجه في حد ذاته جدير مبدئيا بالثناء . ليست الفكرة جديدة،فقد راودت المغفور له الملك الحسن الثاني،لكنه سرعان ما تخلى عنها،لأن كلفتها الاجتماعية،بالمعنى السياسي للمصطلح، كانت تفوق مردوديتها المالية. وبوضع يده على حمة بركانية، فإن لحسن الداودي لايلعب بالنار فقط، بل يتلاعب بالنيتروغليسيرين، وهي مادة قابلة للانفجار عند أدنى احتكاك . لقد وعت الحكومة خطورة الموضوع وسارعت عن طريق ناطقها الرسمي إلى تقليصه إلى مجرد رأي شخصي للوزير قابل للنقاش مفتوح في نفس الوقت على القبول وعلى الرفض. مما دفع لحسن الداودي للدخول من جديد على الخط ليوضح بان الأمر يقتصر على كلية الطب ومدارس الهندسة التي هي في نظره قلعة «لذوي السيارات الفارهة». الطرح مغلوط بطبيعة الحال ويحتاج لوحده إلى مقال أخر. إن مقاربة وزير التعليم العالي تفرض سؤالا أساسيا: من هو الفقير ومن هو الميسور في المغرب؟ لقد سبق للمندوبية السامية للتخطيط أن انشغلت بالموضوع. وإلى اليوم لازلت أتساءل كيف لرجل فكر وثقافة من عيار أحمد لحليمي، رئيس هذه المؤسسة، أن ينساق مع هذه اللعبة. ودون الخوض في الكثير من التفاصيل، فحسب دراسة المندوبية السامية للتخطيط حول المداخيل ومستوى المعيشة، يمكن الحديث عن الطبقة المتوسطة عندما يكون الدخل الشهري يتراوح ما بين 2800 و6763 درهم . وهي الطبقة التي تعتبر أوسع قاعدة ضريبية، وتشكل53 % من السكان،وما فوق ذلك فإن الأمر يتعلق بالطبقة المتوسطة العليا. وفي هذا السياق،فإطار خارج السلم، يناهز دخله 10 آلاف درهم، ثري لا يعرف نفسه. ولنتصوره بهده المقاييس مالكا لشقته يعيش في مدينة جامعية،متعلما وملتزما ببرنامج تنظيم الأسرة وليس لديه بالتالي سوى طفلين، يستخلص من أجره مصاريف رسم السكن والخدمات الاجتماعية ويؤدي تكلفة الهاتف وكذا الماء والكهرباء ويلبي حاجيات عائلته (التغذية والصحة والملبس والنقل والمصاريف غيرالمتوقعة والأدوات المدرسية...). فماذا سيتبقى له؟ هنا تطرح الحقيقة نفسها على طاولة النقاش بعنف . فالأغلبية العظمى لهذه الفئات،رغم احتياجاتها الكبرى، تبقى خارج منظومة التعليم العمومي. فهي تشقى وتكد وتكدح وتتصبب دما وعرقا لتحصيل مصاريف القطاع الخاص،من الحضانة إلى الجامعة. فالجامعة العمومية، ومهما بلغ مستوى مدارسها العليا، تبقى الملجأ للذين لا حول ولا قوة لهم. أما أولاد «المرفحين» فقد حركوا إلى مدارس الغرب في رغد «البزنيس كلاس». قد لا يعلم الوزير و الأستاذ الداودي ذلك، أما لحسن المواطن والمناضل فلا عذر له.