الكثير من المحللين يتفقون اليوم على أن ما عرفته منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط، انطلق كربيع للشعوب ركبته القوى السياسية المعارضة من ليبراليين وعلمانيين وإسلاميين، وانتهى إلى كونه ربيعا إسلاميا، حيث حملت الانتخابات تيار الإسلام السياسي إلى مواقع السلطة في أكثر من بلد، ومايروج اليوم من استثناء في ليبيا فهو في اعتقادي يتعسف على الحقيقة، على اعتبار أن الانتخابات جرت هناك على أساس قبلي وفي خلفية هذا البعد القبلي هناك خطاب ديني محافظ، بحيث أن بنية المجتمع الليبي المحافظة أصلا لم تكن لتستوعب صراع مشاريع سياسية بخلفية إيديولوجية شديدة التقاطب، ولم يكن من الممكن الدخول في صراع تصور الدولة الجديدة بنفس الخلفية التي توجد في تونس ومصر لأسباب سياسية تاريخية وثقافية. لماذا استثمر الإسلام السياسي انتفاضات الشعوب بطريقة جيدة أكثر من التيارات السياسية المعارضة الأخرى؟ وهل انتصار الإسلام السياسي، يعتبر مرحلة على طريق بناء الدولة الحديثة في المنطقة أم مقدمة للدخول في دوامة جديدة من الصراع على السلطة تعيد المنطقة إلى نقطة البداية؟الجواب على السؤال الأول يرتبط بقوة تنظيم تيار الإسلام السياسي، لقد ظهر جليا أن المحاكمات والاعتقالات والمنافي وطبور الشهداء وقوة المشروع الفكري والمجتمعي وحدها غيركافية لربح معركة الانتخابات في مجتمعات أدمنت الخطابات الشمولية لسنوات، من النوع الذي يحجب العقل ويفسح المجال واسعا أمام الإنطباعات والعواطف، لذلك فإن القوى التي صنعت الفارق هي التي حافظت على بنية تنظيمية قوية وتلك التي كانت توصف في الأدبيات الشيوعية ببناء الحزب تحت نيران العدو، هكذا استطاع الإخوان في مصر أن يفرضوا أنفسهم كقوة انتخابية، وكذلك فعلت النهضة في تونس، هل هذا الوضع دائم ؟ لا يبدوا الأمر كذلك، فالإخوان فقدوا في ثلاثة أشهر 6 ملايين صوت، والنهضة تعاني اليوم من تدبير تحالف سياسي مع وسط اليسار ومع صعود التيارات السفلية التي تأكل جزءا من خطابه..كل هذه المعطيات تتزامن مع تحديات إقتصادية وإجتماعية تشكل خلفية غائبة عن تحليل الانتفاضات التي حركت المنطقة، وبالتالي فإن المزاج العام قابل للتغيير في أية لحظة. بالتأكيد لسنا اليوم سوى في مرحلة إنتقالية وفي مفترق طرق، من الصعب الجزم في المسار الذي ستأخده المنطقة في المستقبل، بحيث أن إرساء ركائز الإنتقال الديمقراطي لا تخضع لوصفة جاهزة أو صفات يمكن تطبيقها بمعزل عن سياقات تطورها، وبالتالي فإن المنطقة مرشحة لكل الإحتمالات، وأن بناء الدولة الحديثة في حاجة إلى وقت طويل يرتبط بمتغيرات معقدة خاصة على المستوى الدولي. هنا في المغرب نملك أكثر فرص النجاح، وعندما نقول أن المنطقة لاتزال في مخاض، فإننا ننطلق من حقيقة أن الإنتخابات لوحدها لتصنع دولة جديدة ونظاما ديمقراطيا , لأننا في المغرب نصوت منذ 1962، ولازلنا نتخبط في وصف طبيعة المرحلة التي نمر بها هل هي مرحلة الإنتقال الديمقراطي؟ أم أننا في مرحلة الحد الأدنى من الديمقراطية، وهذا الارتباك في الوصف يكفي لعكس المخاوف بصدد المنطقة.