ليبيا تنتخب..هذا هو عنوان ليبيا نهاية الأسبوع الماضي، فمن شعار من تحزب خان الذي رفعه نظام العقيد المخلوع معمر القذافي طيلة 40 سنة، وصلنا اليوم إلى مشاركة حوالي 60 % من الليبيين بما يقرب من 1,7 مليون نسمة في أول إنتخابات في البلاد، هذه الصورة ترسم ليبيا جديدة تنخرط في العصر وتدخل نادي الديمقراطية من بابه الواسع، قد لا تكون الإنتخابات حلا لكل مشاكل ليبيا، لكن بلا شك فإنها تعتبر الخطوة الأولى في طريق طويل كله تحديات. ليبيا عانت طويلا من حكم مجنون، قضى فيه القذافي على كل مكونات الدولة الحديثة وساهم في إثقال البلاد بالصراعات القبلية، ووزع كفاءات البلد على شتات العالم كلاجئين ومنفيين معارضين لدولة كانت تخضع لحكم عائلته ومجموعة من الأجهزة الأمنية والاستخباراتية، في غياب كل مظاهر الدولة الحديثة والعصرية وفي غياب تام لمفهوم المؤسسة. أن يجري الليبيون انتخابات للمجلس الوطني هو في حد ذاته انتصار، فالجميع كان متخوفا من الوضع الليبي بصفة خاصة، حيث أن غياب مؤسسات الدولة والإنتشار الكثيف للأسلحة وطريقة إسقاط النظام السابق وتعقد الوضع القبلي تاريخيا، وشساعة مساحة البلد مع حدود غير آمنة وفي قلب منطقة الساحل والصحراء حيث عدم الإستقرار الأمني والسياسي والحضور الكثيف لتنظيم القاعدة، كلها عوامل كانت تطرح تحديات على إستقرار ليبيا وقدرة القوى التي توحدت حول إسقاط القذافي، على أن تترك السلاح جانبا وتمضي إلى صناديق الإقتراع لفرز الخريطة السياسية في البلاد، بدل أخد البلاد رهينة للسلاح والقوى وذلك لتحقيق مكاسب توازي ما بدله كل طرف في معركة إسقاط القذافي، وهي مظاهر إستمرت كسلوك وممارسة إلى أسابيع قليلة قبل إجراء الإنتخابات. لذلك كان خبر تصويت الليبيين لوحده خبرا سارا، وعنوانا لبداية مرحلة جديدة في تاريخ بلاد تنام على ثروات هائلة، تشكل صمام الأمان بالنسبة لمستقبل الثورة التي عرفتها، حيث أن ليبيا تعتبر حالة خاصة من بين دول الربيع على مستوى المقدرات الإقتصادية، فإذا كانت دول مثل مصر وتونس واليمن تعاني من صعوبات إقتصادية وتباطؤ كبير في النمو والإستثمارات الخارجية، مما يشكل خطرا على عملية التحول الديمقراطي نظرا للصعوبات التي تواجهها الأنظمة الجديدة في تلبية الطلب الإجتماعي على الشغل والحماية الإجتماعية والأجور والسكن والتعليم، فإن ليبيا وبالنظر إلى الإقتصاد السياسي لعملية التحول الديمقراطي تبرز كتجربة واعدة إذا استطاعت التخلص من إشكالية التسلح والبنيات المليشياتية التي أفرزتها الحرب ضد القذافي وخاصة من قبل القوى ذات الحساسية الاسلامية. النتائج تقول إن الليبراليين يحققون تقدما كبيرا بقيادة محمدو جبريل زعيم تحالف القوى الوطنية ، بينما حزب الإخوان المسلمين العدالة والبناء، لم يحقق ما كان المراقبون ينتظرونه، وهذا الانتظار إنما هو يستند على منطق الموجة التي ضربت بلدان شمال إفريقيا في آخر إنتخابات والتي حملت الإسلاميين إلى مواقع الحكم والسلطة بإستثناء الجزائر وتلك حكاية أخرى حيث لا يمكن إدراج الإنتخابات الجزائرية في موجة الإنتخابات التي جاءت في سياق ونتيجة الربيع الديمقراطي، ومحدودية نتائج الإسلاميين في ليبيا يعود لعدة إعتبارت، منها أن محمود جبريل زعيم تحالف القوى الوطنية عرف كيف يوظف عدة عوامل حاسمة منها: 1 - تجميع القوى الليبرالية في تحالف، جنبها الدخول متشرذمة لمواجهة الإسلاميين، وهذا التوحيد حافظ لليبراليين على أصواتهم ككتلة سياسية واضحة. 2 - نجاح محمود جبريل كشخص في تسويق نفسه كقائد وزعيم كاريزمي وقادر على الذهاب بليبيا إلى الأفضل , مستثمرا في ذلك ما زال مستقرا في لاوعي الليبيين من حاجة إلى قائد وزعيم، نتيجة غسيل دماغ إستمر 41 سنة. 3 - تجنب بناء مواجهة بين الخطاب الليبرالي والإسلامي، واستثمار بنية المجتمع الليبي المتدين أصلا تدينا نسبيا محافظا، بحيث أن الإسلاميين افتقدوا تلك المواجهات التي كانت تمنحهم تفوقا وتعفيهم من تقديم برامج وتصورات قابلة للإنجار. 4 - استثمار البعد القبلي لمواجهة أي خطاب إيديولوجي أو إسلامي. 5 - تشتت القوى الإسلامية وقلة خبرتها بالتجربة الإنتخابية واتكالها على الحالة العامة في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. كيف ستؤثر الخريطة السياسية الجديدة في بناء المرحلة المقبلة لبناء الدولة في ليبيا؟