انعقدت أشغال لجنة العدل وحقوق الإنسان والمجتمع المدني مباشرة بعد انتهاء الجلسة الافتتاحية للمؤتمر السادس عشر لحزب الاستقلال، عشية يوم الجمعة الماضي وواصلت أشغالها يوم أمس السبت بالقاعة المغطاة بمركب المولى عبد الله ، وقام بتأطيرها محمد الزهاري، الذي أوضح في كلمة افتتح بها الإشغال، أن وثيقة لجنة العدل وحقوق الإنسان والمجتمع المدني المقدمة للمؤتمر السادس عشر لحزب الاستقلال، رصدت الاختلالات من خلال تشخيص لواقع العدالة بالمغرب على مستوى الموارد المالية، والبشرية وعلى مستوى التوزيع الجغرافي للخريطة الفضائية، وعلى مستوى الفاعلين. قال الزهاري إن هذه الوثيقة تتوخى تقديم مقترحات أو تصور أولي حول إصلاح العدالة، مشيرا أن المؤتمر السادس عشر لحزب الاستقلال تزامن مع ورش وطني مفتوح حول إصلاح العدالة بالمغرب. وأكد أن المغرب حاليا يولي أهمية كبيرة جدا فيما يتعلق بالمعطيات المتعلقة بمنظومة العدالة. وأشار أن أدبيات حزب الاستقلال التي ساهمت بشكل واضح في تقديم توصيات، وفيما يخص حقوق الإنسان قال الزهاري إنها تنقسم إلى عدة محاور منها الحقوق السياسية والمدنية وهناك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وهناك حقوق المرأة والطفولة والمهاجرين واللاجئين. وقدم تقرير لجنة العدل وحقوق الإنسان والمجتمع المدني الذي اقترح للمناقشة في فعاليات هذا المؤتمر اقتراحات بخصوص مشروع الإصلاح، مؤكدا أن منظور حزب الاستقلال يعتبر أن كل إصلاح حقيقي وعميق للعدالة بالمغرب، لابد أن يمر من بوابة إرجاع الثقة للمواطنين في القضاء بكل مؤسساته وأفراده، باعتبار أن المواطن خصوصا والإنسان عموما هو المستهدف من الخدمات القضائية. وأضاف التقرير أن حزب الاستقلال يؤكد أن التأسيس لسلطة قضائية حقيقية مستقلة عن كل السلط، وعن كل مراكز القوى، يتساوى أمامها الضعيف بالقوي، والفقير بالغني، لمن شأنه تحقيق الأمن القضائي بما يصون حقوق الأفراد والجماعات والدفاع عن كرامتهم. والمؤتمر السادس عشر للحزب هو مناسبة لفتح نقاش حزبي حول الإصلاح الحقيقي للقضاء وتجاوز ما يعرفه من خلل وفساد، إذ يجب أن يرتكز على فلسفة جديدة تنبني على أسس الدمقرطة التي تعتمد فصل السلط والتسيير الذاتي والديمقراطي لشؤون القضاء، وعلى اعتماد مقومات المحاكمة العادلة التي تُعطي للمواطنين الثقة في عدالة بلدهم. وأشار التقرير ذاته أن كل هذه الآفاق، لن يُكتب لها التحقق بدون التوفر على إرادة سياسية تهدف إلى بناء دولة القانون والمؤسسات وإلى إرساء دعائم حقوق الإنسان، عبر تحديث وعقلنة الهيئات الضامنة لهذه الحقوق بتحسين الإطار القانوني المنظم لها، وتجميع المهن القضائية والقانونية المساعدة للعدالة، بما يضمن الأمن القانوني والقضائي. وانطلاقا من مقارنة الوضعية العامة للخريطة القضائية ودورها في مشروع الإصلاح، اقترح التقرير ضرورة تحقيق الانسجام بين التقسيم الإداري للمملكة والتنظيم القضائي، والتركيز على الجهة كوحدة تشكل مجموعة مندمجة وحية وحريصة على تكامل مكوناتها، عاملة على استثمار الصلاحيات المخولة لها، والإمكانيات الموضوعة رهن إشارتها، فهي تجسد خيارا استراتيجيا للمغرب ليس فقط من أجل دعم الديمقراطية المحلية أو تحقيق التنمية الجهوية المندمجة، ولكن أيضا يجعل الجهة فضاء للتفكير والتخطيط في إطار واسع لمستقبل أفضل. إن اعتماد الجهة كإطار مرجعي لتحديد دوائر اختصاص المحاكم من شأنه أن يحقق عدة مزايا، في مقدمتها ضمان تقارب أكثر بين القضاء والواقع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي المحلي بكل خصوصياته ومميزاته، وتحقيق ملاءمة مندمجة للخريطة القضائية مع التقسيم الإداري للمملكة، هدفها الأساس تقريب القضاء من المتقاضين بانسجام تام مع تقريب الإدارة من المواطن وغايتها المثلى تكريس سياسة القرب. وأكد التقرير الاعتناء بالعنصر البشري، لاسيما مع الخصاص المسجل على مستوى الموارد البشرية بقطاع العدل (قضاة، موظفون) مما يتطلب العمل على إعادة الانتشار بشكل موضوعي يراعي حجم القضايا وطبيعة حاجيات المواطنين في كل محكمة، حرصا على سلامة حقيقية لكل الإجراءات والعمليات التي تدخل بشكل مباشر أو غير مباشر في ضمان المحاكمة العادلة. ولعل من بين المرجعيات التي يمكن الاسترشاد بها في هذا الصدد، الإعلانات الدولية الهامة المتعلقة بالعدالة، ولعل أهمها في هذا الإطار إعلان مونتريال لسنة 1983 المعروف بالإعلان العالمي لاستقلال القضاء الذي حدد العديد من مقومات المحاكمة العادلة، من مثل، استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التشريعية والتنفيذية؛ وتطبيق السلطة القضائية للقانون بكل نزاهة بين المواطنين من جهة، وبين المواطنين والإدارة من جهة ثانية، عملا علي احترام حقوق الإنسان، وضمانا للعيش الآمن في ظل سيادة القانون. ودعا إلى توفر حرية القاضي وحياده في المسائل المعروضة عليه حسب تقييمه للواقع وفهمه للقانون، دون قيود أو ضغوطات أو تهديدات أو تدخلات مباشرة أو غير مباشرة من أي جهة كانت، ولأي سبب كان؛ وتوفر الولاية الكاملة للسلطة القضائية للنظر في جميع القضايا ذات النظر القضائي، مباشرة أو عن طريق الطعن، وعدم ممارسة أي سلطة من شأنها التدخل في العمل القضائي. وأوضح أن حزب الاستقلال اعتبر دائما أن تحقيق العدالة نتيجة مرتبطة بوجود قضاء عادل ونزيه، ومؤهل لتحمل مسؤولية ضمان حقوق الناس، سواء كانوا مواطنين أو أجانب، وحرياتهم، وضمان رقيهم الاقتصادي، واستقرارهم السياسي وأمنهم الاجتماعي والقضائي على حد سواء، وهذه الغاية تبقى مرتبطة بوجود مناخ قانون متحرر ومنفتح يؤمن للمحاكمة العادلة آليات تمثلها وفلسفة تعاطيها مع حقوق المواطنين بصفتهم هذه. إن ثقة المواطنين في العدالة لها عنوان واحد هو المحاكمة العادلة، التي لا تتحقق شروط قيامها القانونية، إلا في وسط متشبع بثقافة حقوق الإنسان، حيث يعيش المواطنون أحرارا في بلد حر، بسلط حامية لإرادته، وعلى رأسها سلطة قضائية ساهرة على أمنه، رقيبة على رفاهه، حريصة على استقراره، مدافعة عن حقوقه، وضامنة لحرياته وفق مبادئ الشرعية القانونية. وذكر أن المحاكمة العادلة هي ذلك المعيار الرفيع الذي تقاس به درجة الدمقراطية والانفتاح، وأيضا المدخل الأساس للانخراط الفاعل في المنتظم الدولي، ومؤشر جدي لقياس مدى إصلاح قطاع العدالة، وذلك عبر الوقوف عند تطبيق القانون المنصف، والتأسيس الصلب للمحاكم العادلة عبر احترام الإجراءات المسطرية، وإنزالها موض التنفيذ. إن إرساء دعائم المحاكم العادلة لا يتم إلا عبر احترام آلياتها كما تم التنصيص علي ذلك في نصوص الشرعة الدولية، »لكل إنسان الحق، على قدم المساواة مع الآخرين، في أن تنظر قضيته أمام محكمة مستقلة نزيهة نظرا منصفا علنيا للفصل في حقوقه والتزاماته، وفي أي تهمة جنائية توجه إليه« الفصل 10 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. مما لا جدال فيه أن الدولة هي التي تكفل الأمن العمومي من خلال التصدي لظاهرة الجريمة، وبالتالي توفير السكنية والطمأنينة والصحة العامة لرعاياها، وتكلف الأمن القانوني والقضائي من خلال حماية الحقوق وان استقرار المعاملات، كل ذلك من أجل خلق مناخ صحي وسليم اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، يمكن المراهنة عليه من أجل جلب الاستثمار واستقطابه لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. واعتبر الأمن القانوني والقضائي يشكل بهذا المعنى إحدى الوظائف الأساسية للدولة، بحيث تمارس الأول أساسا من خلال السلطة التشريعية واستثناءا من خلال السلطة التنفيذية، والثاني من خلال السلطة القضائية، ذلك أن الاعتداء على الحقوق إذا كان يشكل مسا بالأمن القضائي، فإن تهديد الآمال المشروعة وإحباطها لا يقل إخلالا بالأمن القانوني، باعتبار فكرة التوقع المشروع تقتضي ألا تصدر أي قوانين فجائية ومباغتة تصطدم مع التوقعات المشروعة للمواطنين. وبغض النظر عن النقاش الفقهي حول مفهومي الأمن القانوني والقضائي، أكد أن تخوف المواطنين من ضعف الحماية القانونية والقضائية، نابع من إحساسهم بانعدام الثقة في النص التشريعي، بسبب عدم ملاءمته لمستجدات التي يعرفها الواقع المتطور باستمرار، وصعوبة عملية التحيين أو على الأقل بطئها، وأيضا عدم وضوح القاعدة القانونية، وعدم معياريتها أي مرفقة بالعديد من المرفقات والمراسيم التطبيقية، وهو الأمر الذي ينعكس لا محالة على درجة الأمن القضائي لارتباط المفهومين بعضهما البعض، ذلك أن النص القانوني أو القاعدة القانونية هي إحدى آليات أو أدوات عمل القاضي باعتباره المصدر الأول للأمن القضائي من حيث المبدأ. وأضاف أن الأمن القضائي كان ولا يزال ضرورة لحماية الحقوق واستقرار المعاملات، ومن تم إحدى مؤشرات الثقة من أجل جلب وحفز الاستثمار واستقطابه، باعتباره أحد أسس تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ولا تكتمل هذه الثقة إلا بتوفر مقومات تضمن حسن سير المرفق القضائي من استقلال، وجودة في الأحكام وسرعة في البت في النزاعات. ولقد كشفت الدراسات التي أنجزت من قبل بعض المؤسسات الدولية من قبيل البنك الدولي والبنك العالمي خلال العقد الثامن من القرن الماضي، أن المغرب لئن كان يعرف شح في تدفق الاستثمار الأجنبي، فإن ذلك يرجع بالأساس لانعدام الأمن القانوني، ومن تم يشكل الأمن القانوني مجالا خصبا للتنافسية بين الدول من أجل جلب الاستثمار. وفي هذا الإطار أولى حزب الاستقلال في العديد من أدبياته، لمبدأ استقلال القضاء أهمية خاصة، باعتبار أن دولة القانون تفترض وجود جهة قضائية مستقلة ومختصة للبت في النزاعات، عبر تطبيق مبدأ الشرعية المستمد من وجود تسلسل في المعايير ومساواة بين المتقاضين، وبهذا المعنى فإن استقلال القضاء ليس ترفا للقاضي وليس لمصلحته لوحده، بل هو معمول للمتقاضي أيضا، غير أننا لا نعني باستقلال القضاء، استقلاله فقط عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل أيضا استقلاله عن جميع العلاقات الشخصية المؤثرة، وعن جميع العلاقات الشخصية المؤثرة، وعن جميع مجموعات الضغط بجميع أشكالها وأنواعها، وكذلك عن كل التجاذبات السياسية والانتماءات الفكرية، فلا انتماء للقاضي إلا لمهنته. وذكر التقرير أن وضعية السجون تحتاج إلى مبادرات متعددة ترفع من أنسنة الأوضاع، وصون كرامة السجين، واتخاذ كل المبادرات الكفيلة بادماجه، وإعادة هذا الإدماج، وفق مقاربة مضبوطة. وحزب الاستقلال الذي اهتم كثيرا بملف السجناء والسجون، ومراكز الإصلاح والتهذيب، وإعادة الإدماج، يعتبر أن معالجة هذا الملف يتطلب بالضرورة تعاون وحوار دائم، واتباع الدولة لسياسة الشراكة الواسعة المبنية على الثقة لتدبير المؤسسات السجنية ما بين مختلف الفاعلين والإدارة الصوية، المنظمات الحقوقية، الهيئات المنتخبة. وهذا الأمر مرتبط بتفعيل حقيقي للقانون، والقواعد النموذجية المتعارف عليها في هذا الجانب، وهذا لن يتم تحقيقه إلا بتبني سياسة عمومية تعمل على نشر ثقافة حقوق الإنسان لتكون معيارا موضوعيا وحقيقيا للتغلب على المشاكل التي أصبحت تتراكم، ويتم حلها مع كامل الأسف بالتضرع بالهاجس الأمني. وأوضح أن حزب الاستقلال الذي ساهم فريقاه البرلمانيان في مجلس النواب ومجلس المستشارين بجدية في مناقشة القانون 23 / 98 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف ليوم 25 غشت 1999، يعتبر ما تضمنه من مقتضيات تبقى مهمة ومتقدمة مقارنة مع النصوص القديمة خاصة منها قانوني 1930، و 1942. وقد اتجهت نية القانون نحو تفعيل عدد من القواعد المستوحاة من المواثيق والإعلانات المتعلقة بحقوق الإنسان، ومن بينها بالخصوص الحقوق المتعلقة بالقضاء على التمييز، و الحقوق المدنية، ومنع العنف ومنع التعذيب وما يدخل في حكمه من سوء المعاملة، والحط من الكرامة؛ وحقوق السجناء وخصوصا القواعد النموذجية الدنيا والمبادئ الأساسية لمعاملة السجناء، ومعاملة الأحداث؛ وسلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القوانين؛ ووقف ذلك جاء القانون بمقتضيات مهمة منها تقسيم المؤسسات السجينة بحسب نوعية السجناء؛ وحق المعتقل في المعلومة المتعلقة بحقوقه وواجباته وبالمعلومات المتعلقة بالعفو والإخراج المفيد؛ وتوزيع المعتقلين حسب طبيعة المؤسسة السجينة، وحدد أسباب الوضع في العزلة ومدتها ومراقبة مشروعيتها؛ ومنع التمييز بين السجناء؛ وحق الزيارة وحق الاتصال بمحامي؛ وحق الاتصال بأعضاء المنظمات الحقوقية وأعضاء الهيئات المدنية؛ ومنع الموظفين باستعمال القوة اتجاه المعتقلين؛ وحق المعتقل برفع تظلمه إلى المدير العام، والسلطات القضائية، ولجنة المراقبة الإقليمية.