مقدمة المترجمة حينما كنت أشارك في لقاءات دولية وأتكلم عن الواقع السياسي في المغرب وأتطرق لانتمائي السياسي لحزب الاستقلال وللفكر العلالي، كنت ألمس جهلا وغرابة لدى جزء غير هين من المستمعين والمشاركين الأجانب. حينما كنت أكلمهم عن الفكر العلالي كان بعضهم يتصور أنني أتكلم عن غاندي، فحينما كنت أحدثهم عن المعلمة العظيمة الخالدة كتاب النقد الذاتي، كنت أرى شوقا وحب استطلاع عميق في عيون باحثين كثيرين يريدون أن يعرفوا عمق التاريخ الإنساني بدون مزايدة ويعرفوا عن كثب هذا الرجل وفكره، وسألني عدد كبير ومهم من الذين التقيتهم في اسبانيا وأمريكا اللاتينية أو الناطقين بالاسبانية في الولاياتالمتحدة وكندا إذا كانت هناك ترجمة لهذا الكتاب الذي شوقتهم لمحتواه بوصفه أمامهم كلما سنحت لي الفرصة. كنت في الواقع اشعر بالخجل والارتباك، فإذا كان فكر اقل وأدنى بكثير من الفكر العلالي قد عبر الحدود وغزا عالم التنوع اللغوي فكيف بالفكر العلالي وبالنهر الخالد للنقد الذاتي أن يبقى حبيس حدود لغوية وجغرافية ضيقة؟ ففكرت في نقله إلى اللغتين الإسبانية والفرنسية. انتهيت من الترجمة الاسبانية للكتاب والتي أضعها بين يدي القارئ الناطق بالاسبانية على أن أكمل في نهاية شتنبر القادم إن شاء الله النسخة الفرنسية من النقد الذاتي، وبهذا أكون قد ساهمت قدر المستطاع في التعريف بالقلب النابض لحزب الاستقلال وفكره المتقد المتوهج وزعيمه العظيم علال الفاسي. حينما كنت أفكر في ترجمة هذا الفكر المعلمة إلى الاسبانية منذ أزيد من 4 سنوات اتصلت بالسيد العربي المساري آنذاك وعرضت عليه الفكرة، استحسنها كثيرا ولكنه قال لي: "كنزة، انتبهي، الفكر العلالي ليس هينا، أشجعك، هذا عمل قيم جدا، لكن المغامرة ليست سهلة". كل الشكر والتقدير للأخ محمد العربي المساري الذي كنت أراجعه كلما تعسر علي آمر في الترجمة لأخذ رأيه واستشارته واستفساره. أخبرت كذلك الأخ عبد الواحد الفاسي الذي قال لي بهدوئه المعتاد وابتسامته الطيبة التي لا تخلو من استغراب: "تبارك الله عليك، الله يعاونك" وكلمت بدوري السيد هاني الفاسي في الهاتف وبجانبه السيد عمر الشريفي، الذي بدا متحمسا للفكرة وقال لي مترددا: هذا عمل مهم وسيأخذ منك بالتأكيد الجهد والوقت، أرجو أن تقومي بتقييم للتكلفة المالية التي يمكن أن تتطلبها الترجمة"، اختنقت العبارات في بلعمي وقلت وأنا أدافع دموعي المنهمرة:" سيدي هاني، فكر سيدي علال بالنسبة لي لا يباع ولا يشترى، وبصفتي مناضلة في حزب الاستقلال سأعمل على نقل هذا الفكر القوي والخالد إلى لغات أخرى لكي يبقى شاهدا على العصر، وأظن إذا كانت مليكة الفاسي من الموقعات على وثيقة المطالبة بالاستقلال وتحدت الظروف فأنا بدوري سأتحدى الصعاب وسأثابر وأجتهد للقيام بهذا العمل الذي أرجو به وجه الله تعالى و أن يكون صدقة جارية ومن العلم الذي ينتفع به". وبعد الانتهاء من ترجمة الكتاب كلمت أستاذين اسبانيين، صديقين ومهتمين بتاريخ المغرب ومستعربين كبيرين، أحدهما الدكتورة ماريا روسا دي مادارياغا والآخر الدكتور برنابي لوبيز غارسيا. أجابتني ماريا روسا أنها قد لا تستطيع أن تقوم بتقديم الكتاب لجهلها التام، كمؤرخة بالفكر العلالي، وأنها لا تعرف عنه إلا علاقته بمحمد بن عبد الكريم الخطابي وما حصل بينها في القاهرة. بينما الدكتور برنابي لوبيز غارسيا بدا جد متحمس للفكرة وطلب مني أن أبعث له النسخة الاسبانية، بعد أسبوع بعث لي إيميلا يطلب مني بعض التوضيحات عن حياة علال الفاسي وكتاباته، وبعد عشرة أيام أجده يقول لي في إيميل ثاني أنه لم يجد شيئا في اسبانيا مكتوب عن الفكر العلالي وعن كتاب النقد الذاتي وأنه في إجازة شهر ابريل سيسافر إلى مرسيليا حيث بيت صهره وأب زوجته سيسيليا ليبحث في مكتبته -لأنه يتوفر على مكتبة كبيرة مختصة في المغرب- لعله يجد شيئا عن الفكر العلالي أو النقد الذاتي. قال لي: " لقد أكبرت كثيرا هذا الرجل من خلال الترجمة التي قدمتها ولكني لا أريد أن أبخسه حقه، مفكر مثل هذا يجب أن يحضا بالاهتمام اللائق، أعطيني بعض الوقت لكي أتعرف عليه أكثر". بعد أيام كلمني قائلا: " أنا فعلا لم أجد شيئا يساعدني على الكتابة والتعرف أكثر على هذا المفكر الفذ، وأتصور أن كتابه كان يجب أن يترجم منذ 30 سنة على الأقل، ولكن عملك القيم والجبار بترجمته سيجعل الناطقين بالاسبانية يتعرفون أكثر على المغرب والمغاربة وفكر الحركة الوطنية في المغرب والفكر العلالي بالخصوص، فهنيئا لك وسيستفيد منه كثيرا طلابنا في المعاهد والجامعات". وقد قم للكتاب مشكورا الدكتور الأرجنتيني الاسباني، المقيم في الولاياتالمتحدةالأمريكية كريستيان ريتشي، الذي سأعرض تقديمه أيضا ضمن الكتابات التي صيغت بالشأن. أستغل الفرصة والمناسبة لكي أتقدم بالشكر الجزيل كذلك للأخ عباس الفاسي، الأمين العام لحزب الاستقلال الذي قدم للكتاب وكذلك سيدي محمد بوستة والسيد محمد العربي المساري والسيد محمد السوسي، الذين أعتبر تقديمهم تتويجا لترجمتي وتشريفا لها وشاهد عصر على تقديرهم ودعمهم لنضال الاستقلاليات و الاستقلاليين على ممر الأجيال. فلهم جميعا أصدق تقديري ومشاعر محبتي، ولكل المناضلات والمناضلين الاستقلاليين أهدي هذا العمل المتواضع وأسال الله أن يصل ثوابه إلى روحي أستاذي الجليلين المجاهد سيدي بوبكر القادري وسيدي عبد الجبار السحيمي. وفي الختام أتوجه لسيدي علال الفاسي قائلة: " هذه ابنتك البارة كنزة الغالي ترجو أن تكون قد اجتهدت وأصابت حتى تنال الأجرين ومباركتك بعد الله. لم تمت سيدي علال، ففكرك حي خالد ما حيي الكون وحزب الاستقلال عريق شامخ من أجل تقدم واستقرار الوطن والاستقلاليون الأفذاذ على دربك سائرون. اللهم تقبل مني عملي هذا، آمين". ومباشرة بعد صدور نسخة الترجمة الورقية سأحمله على موقعي الالكتروني حتى يطلع عليه كل باحث ناطق بالاسبانية لن تصل النسخة الورقية سوقه في موطنه سواء كان في اسبانيا أو أمريكا اللاتينية أو الولاياتالمتحدة أو إفريقيا، مساهمة بذلك قدر المستطاع في خدمة وطني وحزبي، والله ولي التوفيق. أردت أن أقتسم فرحتي بإنهاء الترجمة وأشرك معي المناضلات والمناضلين الاستقلاليين وأطلع غير الناطقين بالاسبانية منهم على التقديم الذي شرفني به وترجمتي زعماء الحزب ورجال فكره، فعلى التوالي أقدم لكم إسهاماتهم: -1- تقديم الأخ عباس الفاسي: INCLUDEPICTURE "https://mail.google.com/mail/?ui=2&ik=4058a0b181&view=att&th=137e75ba90a37931&attid=0.4&disp=thd&realattid=f_h3ev3a203&zw" * MERGEFORMATINET INCLUDEPICTURE "https://mail.google.com/mail/?ui=2&ik=4058a0b181&view=att&th=137e75ba90a37931&attid=0.4&disp=thd&realattid=f_h3ev3a203&zw" * MERGEFORMATINET " قبل كل شيء أتوجه بالشكر الجزيل للدكتورة كنزة الغالي على عملها القيم والجبار وعلى مجهودها الذي قامت به وهي تنقل الكتاب المرجعي النقد الذاتي من العربية إلى الاسبانية. فعلال الفاسي يعتبر من الكتاب المنظرين والمجاهدين القلائل الذين استطاعوا أن يتركوا تصورا مجتمعيا شاملا ومتكاملا خلال القرن المنصرم . عبر صفحات ملحمته العظيمة كتاب النقد الذاتي، استطاع أن يوجه الحركة الوطنية بالمغرب ويؤطر مرجعا ومنهجا وبناء متكاملا على مستويات الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع في ظل الدولة المغربية المستقلة، حيث سيتحمل فيها الشعب المغربي مسؤولية بناء مغرب الاستقلال الحر. لم يترك علال الفاسي تصوراته حبرا على ورق، بل ضمنها كتابا مرجعيا ضخما زاخرا، جند له كل جهوده وطاقته وفكره ليجعل منه مشروعا مجتمعيا قابلا للاستيعاب و التطبيق. كان فكره الاقتصادي استباقيا يعالج قضايا الحاضر لتصمد كنسق متماسك في وجه عواصف التقلبات المالية على المستويات القصيرة، المتوسطة والبعيدة المدى. انصب انشغاله، بالموازاة، على بناء الذات لكي تستوعب التغيير وتثري المحيط. نال الفرد والمجتمع الحيز الأوفر في كتابه إذ اهتم بخلية الأسرة وتماسكها لأنها عماد استقرار الوطن، وجعل القيم والأخلاق المرجع الأساس الذي يرتكز عليه توازن المرء وقدرته على البذل والعطاء والمساءلة، فرهنه بالحق والواجب وربطه بالمسؤولية والمحاسبة. فساوى بذلك بين المرأة والرجل في الفعالية اتجاه مسؤوليات المجتمع، بل لم تجل في خاطره قط بادرة التفرقة بينهما، حتى أنه رحمة الله عليه كان يعارض إنشاء التنظيمات النسائية الموازية لاعتباره أن المرأة جزء لا يتجزأ من المجتمع ومنظومته التنموية الشمولية، بل هي الركيزة والأساس ولا يستقيم أمر بدون مساهمتها الفعالة وتواجدها العادل في المجتمع بأسره، وتمتعها بكل حقوقها دون حيف أو تضييق. تعامل مع المسألة على أسس أنها قضية حقوق إنسان وكرامة لا مجال للعبث والتمييز فيها. خاطب المجتمع كفرد واحد وجسد متكامل متراص من أجل قضية الوطن الأولى، وجعل من التربية والتعليم نقطة انطلاق كل تقدم ومن التنظيم النقابي والحزبي وجهين أساسيين لعملة التنمية والكرامة من أجل تحقيق المساواة بين جميع أفراد المجتمع وتكافؤ الفرص والتعادلية الحقيقية. عباس الفاسي- الأمين العام لحزب الاستقلال الرباط في 5 يونيو 2012 -2- تقديم سيدي محمد بوستة لابد من البداية بكلمة شكر وامتنان إلى الأستاذة الجليلة، الدكتورة كنزة الغالي، على مبادرتها بترجمة كتاب مرجعي بالنسبة للفكر الوطني المغربي، هو " النقد الذاتي " وعلى المجهود الذي بذلته في إنجازهذا العمل حيث نقلت إلى الإسبانية هذا الفكرالنفيس للمرحوم علال الفاسي. لقد أحسنت صنعا إذ بادرت إلى التعريف بهذا المؤلف، ونقله إلى القراء الناطقين بالإسبانية، ليطلع عليه كل قراء هذه اللغة، في مختلف أنحاء العالم، ليزدادوا تعرفا بكيفية مباشرة على أحد أهم تجليات ثقافتنا المعاصرة. وهذا الكتاب يحمل في طياته المشروع المجتمعي المغربي المعاصر، والبرنامج المسطر لبناء الدولة المغربية الحديثة، وكان قد أنجز فيما بين 1948 و1950 وطبع في القاهرة في شكل كتاب لأول مرة سنة 1952. ورغم مرور الوقت فإنه ما زال إلى اليوم مرجعا أساسيا. وفي الخلاصات التي ختم بها الأستاذ محمد الموضي بحثه عن كتاب " النقد الذاتي " قال: إنه من خلال دراسة أعمال شخصية وطنية فذة مثل علال الفاسي، يبرز بكيفية واضحة أن الرجل لعب دورا رياديا في تحقيق استقلال المغرب، وأن كتابه " النقد الذاتي " كان وسيلة لذلك الإنجاز، وهي حقيقة لابد من إقرارها. أكيد أن ثمة صعوبات في التسليم بهذه الخلاصة برمتها، دون اعتبار مؤلفات أخرى لعلال الفاسي، التي لها تأثير على مجرى التاريخ المغربي المعاصر، وخاصة من الجانب الفكري، غير أن هذا المؤلف بالذات، " النقد الذاتي " يعتبر واسطة العقد في المتن الذي خلفه. فشكرا جزيلا للدكتورة الفاضلة كنزة الغالي على عملها القيم والموفق الذي أغنت به المكتبة المغربية، ورصيد مؤسسة علال الفاسي. وبالمناسبة يسرني أن أبلغ للقراء الإسبان، أن هذه المؤسسة رأت النور عقب وفاة زعيمنا، بمبادرة من المغفور له الملك الحسن الثاني لمواصلة نشر تراثه والتعريف بفكره. ولبلوغ هذه الغاية تنظم المؤسسة محاضرات وندوات عن القضايا التي كرس لها علال الفاسي حياته وجهده. وعلى سبيل المثال فإن برنامج هذا الموسم يشتمل على ندوة حول السينما والذاكرة، والمدرسة العمومية في المغرب: واقع وآفاق، والدستور المغربي الجديد: رهانات التنزيل، قضية الصحراء المغربية: المسار الراهن. ومن هذه الأنشطة ما يتم في شكل يوم دراسي، أو في شكل ندوة استمرت ستة أسابيع، في شكل حلقات مناقشة ضمت الخبراء، وهو حال الندوة الوطنية حول المدرسة العمومية، التي نظمناها هذا العام. كما تعمل المؤسسة على إعادة طبع كتب الزعيم كلما أنست أن تلك الكتب نفذت من المكتبات. وهي تنظم أيضا مباراة فكرية مرة كل سنتين، يكون موضوعها مرتبطا بما يشغل المثقفين المغاربة، وتمنح تلك الجائزة للفائزين بقرار للجنة علمية ذات مستوى رفيع. وتوجد " جائزة علال الفاسي " في دورتها العاشرة، وأعلن عن موضوعها كالتالي: الديموقراطيا بالمغرب، تصورا وممارسة. والمؤسسة مفتوحة أمام الباحثين طيلة أيام الأسبوع أثناء ساعات العمل، وهي تضم الخزانة التي خلفها الزعيم، وكان أساسها ما ورثه عن والده، وأضيفت إليها مع السنين مكتبات أهداها أصحابها إلى المؤسسة. كما تضم الخزانة ذخائر نفيسة من المخطوطات التي كان علال الفاسي ولوعا باقتنائها. وقد قدرها فريق من المختصين بنحو 2400 مخطوط من النوادر. ويقع فهرسها في 4 مجلدات وهو مطبوع. وإلى جانب المخطوطات هناك 141 من الكتب التي طبعت بالمطبعة الحجرية. كما تضم المكتبة ما لا يقل عن 7000 كتاب مطبوع بالطريقة الحديثة، و200 مجلة ودورية، وكم هائل من الوثائق، التي لم يتم بعد الفراغ تماما من تصنيفها، ومجموعة هامة من الصور. وبلغ ما طبعته المؤسسة من كتب الزعيم 57 كتابا. ويسرني أن أنوه من جديد بعمل الدكتورة الغالي الذي سبق أن قلت إنه جاء ليغني المكتبة الوطنية ورصيد المؤسسة. الرباط في 30 مايو 2012 محمد بوستة رئيس مؤسسة علال الفاسي. -3- تقديم الأخ محمد العربي المساري: يعتبر علال الفاسي، أحد أبناء الأندلس، المنحدرين من إشبيلية ومالقة والذين استقروا بفاس خلال منتصف القرن 17 معلمة فكرية مغربية معاصرة عظيمة الشأن وبالغة الشأو. كان ممثلا للحركة الوطنية بالمغرب منذ نشأتها، كحركة تصحيحية إلى غاية نضجها كتيار تحريري. كان هدف التوجهين هو إقامة دولة حرة مستقلة، قادرة على تعويض حكم المستعمر وعصرنة المغرب التقليدي، الذي سقط بسهولة في براثن الحماية الأجنبية نظرا لعدم قدرته على نهج ومسايرة التيارات الإصلاحية العصرية. خلال مساره الطويل، منذ فترة " شاعر الشباب" إلى أوجه في فترة كفاحه " زعيم التحرير" ، عمل علال الفاسي على إيجاد تركيبة ديناميكية وذكية من أجل خلق توازن وتوافق بين الحداثة و "الأنسية المغربية"، الاسم الذي استعمله لاحقا بدوره من أجل تحديد روح الحركة الوطنية، في عمل دؤوب من أجل إرساء المغرب الحديث والوفي لذاته ومبادئه. يعتبر النقد الذاتي الذي نقلته الدكتورة كنزة الغالي إلى الاسبانية التجسيد الفكري الحقيقي للعمل الجبار الذي قام به زعيم التحرير، حيث يصعب في كتابه التفرقة بين الفكر والسياسة، إذ شكل أحدهما مسار حياته والثاني بوصلته التي تنير له طريقه وتوجهه. كما سيرى القارئ، جعل علال الفاسي من كتابه النقد الذاتي خارطة الطريق التي يجب على الحركة الوطنية أن تتبعها وتنهجها وأرضية يمكن الانطلاق منها لبناء مغرب ما بعد الاستعمار. بين 1949 و 1952، ألف علال الفاسي كتاب النقد الذاتي لكي يقول لإخوته المغاربة ولرفاق دربه في الكفاح أن المعركة الحقيقية تبدأ بعد الاستقلال لبناء مغرب الغد، كدولة وكمجتمع. من أجل ذلك أدلى بآرائه حول مواضيع متعددة مثل الأسرة، والتربية، والتاريخ، والصراع الطبقي، ونظام الدولة، والتعددية ودور الأحزاب، ألخ. انكب بالتحليل العميق على مشاكل المغرب الدقيقة الخاصة والتجارب العالمية التي عرفها المعمور بعد الحرب العالمية الكبرى، معطيا فكرا استباقيا ومستشرفا لقراءة تاريخية موضوعية ورزينة لتقييم الدور الطلائعي الذي تقوم به الشعوب. لقد أراد أن يسلح الحركة الوطنية بالفكر والمعرفة النظرية، أو كما قال عنه بوعبيد: " كان علال الفاسي هو من رفع الحركة الوطنية على قدميها ليمكنها من السير في العالم المعاصر". لازال الدارسون والباحثون في وقتنا الحاضر يواصلون البحث في كنه هذا الكتاب العظيم ويعترفون أنهم لم يسبروا بعد كل أغواره ولا استطاعوا فك كل ألغازه، يعتبر النقد الذاتي مرجعا وبوصلة حقيقية لتنوير مسارهم، كتاب يزخر بالعلم وغني بالتوجيهات والاقتراحات والحلول والبدائل للقضايا والإشكاليات المعاصرة. لقد حان الوقت وهو فعلا جد مناسب لنقل هذا الكتاب إلى القارئ الاسباني و الناطق بالاسبانية، لكي يتعرف على مجريات الفكر المغربي المعاصر، خصوصا إذا تعلق الأمر بزعيم و قائد سياسي ومفكر فذ، كان مقتنعا في أعماقه بعلاقة الصداقة بين المغرب وإسبانيا. أريد أن أستشهد بحدث متفرد عايشته في القرن المنصرم، ويعتبر متفردا في التاريخ المغربي المعاصر، وذلك حينما استقبل الزعيم علال الفاسي في بيته بالرباط آخر مقيم عام اسباني بالمغرب، حيث أقام على شرفه حفل عشاء حضره زعماء و أفراد آخرون من المقاومة الوطنية. لم أتصور، في أي حالة من الحالات، أن زعيما للتحرير والمقاومة كان سيقوم بذلك العمل اتجاه ممثل للسلطة العليا التي تمثل الاستعمار في فترة الاحتلال. لقد حدث ذلك فعلا ووقع الرجلان اتفاقية تعاون لمواجهة غطرسة المحتل الفرنسي الذي قام بتنحية سلطان البلاد عن العرش، محمد الخامس في 20 غشت سنة 1953. أحيل هنا على موقف دون رافائيل غارسيا بالينيو، الذي رفض الموقف الفرنسي، وعلى إثر ذلك قام الرجلان، علال الفاسي وبالينيو، بمبادرة سياسية مشتركة لن ينساها الشعب المغربي، لأنها كانت في الحقيقة حجر الأساس لتوطيد علاقة صداقة في ظروف عصيبة وصعبة. وحينما كان يبدي فرانكو تحفظاته، خاطئا، اتجاه الأزمة المغربية في خريف 1955 ولم يكن متفقا مع منح المغرب استقلاله، كانت لعلال الفاسي قنواته الخاصة والفعالة في مدريد من أجل إيجاد حلول إيجابية. وهكذا توجه نحو مدريد للتفاوض مع أرتاخو، وزير الشؤون الخارجية من أجل تنقية الأجواء والتخفيف من حدة الوتر وسوء التفاهم. وفي هذه الفترة التي كانت تتسم بالسواد والحلكة اقترح الزعيم علال الفاسي أن يقوم السلطان المغربي بزيارة لمدريد، على غرار ما قام في باريس، من أجل مفاوضات سياسية لحل الأزمة المغربية. وفعلا قام محمد الخامس بزيارة رسمية لاسبانيا، دون أي وصاية أو تدخل وسيط آخر. لم يتوقف علال الفاسي عن التحرك من أجل تقارب الشعبين والتفاهم مع الأسبان لصالح التعاون المشترك بين الشعبين الصديقين والبلدين الشقيقين، جارين منذ الأزل وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. من أجل هذا كله أتصور أن الترجمة التي قامت بها الدكتورة كنزة الغالي إلى الاسبانية لهذا الكتاب العظيم الذي يعتبر مفتاح الفكر المغربي، إسهاما مهما جدا وضروريا في تقريب وتوطيد العلاقة بين البلدين والشعبين. ليس هناك أفضل من الثقافة في تقريب الشعوب وخلق سبل التفاهم والتعاون بينها. يبدو الأمر طبيعيا في المجال السياسي أن تكون هناك حسابات وفي الاقتصاد والتجارة أن يوجد رابح وخاسر، لكن في المجال الثقافي الكل يربح والكل يتعلم ويحصل على المعلومة التي كان لا يعرفها ويحاول بعث وتعميم الصورة التي كان الآخر يجهلها عنه للتعرف عليه أحسن وأكثر. لم تتوقف كنزة الغالي عن مد هذه الجسور. ويعتبر هذا العمل مواصلة للعمل الجبار الذي تقوم به منذ سنوات كباحثة أكاديمية وكنقابية وسياسية. يشرفني فعلا أن أخصها في هذا الموقف بتحية خاصة وتقدير أخوي، أحيي فيها نضالها المستميت والمستمر من أجل الصداقة المغربية الاسبانية. الرباط 10 يونيو 2012 محمد العربي المساري- سفير سابق للملكة المغربية في البرازيل ووزير سابق للاتصال وخبير في العلاقات المغربية الاسبانية والأمريكو لاتينية. : -4- تقديم الأخ محمد الموساوي السوسي كتاب النقد الذاتي لمؤلفه الأستاذ الزعيم علال الفاسي كتاب فريد ومتميز بين المؤلفات المعاصرة في العالم العربي والإسلامي، لأسباب متعددة، فهو كتاب وضع في السنوات الأخيرة من أربعينيات القرن الماضي، ولكنه يتضمن خلاصة ما وصل إليه الفكر الإنساني حتى تلك المرحلة، من أفكار ونظريات في مجالات مختلفة، فهو عالج قضايا مجتمعية وفكرية وعامة، حيث خصص أبوابا وفصولا لأنواع التفكير عند الإنسان وخصائص هذا التفكير كما عالج قضية أساسية في هذا المجال وهي اختيار الأفكار، وطريقة التعامل مع الأفكار، وعالج الآفات التي تصيب الأفكار وتميتها، وما يصيب الإنسان من اعتداد بالنفس حتى يصبح هذا الاعتداد أنانية قاتلة وميز بين الأفكار التي تصب في المحافظة والقديم، رغم أنها معاصرة ولكن هناك أفكارا قديمة ولكنها عصرية لأنها تعالج قضايا الناس وفق منظور العصر وبشكل تقدمي. ويمتاز كتاب النقد الذاتي بروح الإبداع والابتكار بجانب نَفَس نقدي قوي، فهو من جهة إبداع وبناء، ومن جهة ثانية كتاب نقدي لكثير من المظاهر السلبية في التفكير لدى الإنسان. ومن هنا كان اختيار عنوان الكتاب، فهو أول كتاب في اللغة العربية يحمل هذا العنوان «النقد الذاتي» والعنوان مستمد من الآية القرآنية التي افتتح بها الكتاب «قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا الله مثنى وثلاث وفرادى ثم تتفكروا» ومن الأثر المذكور في افتتاح الكتاب «حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم» ومن هنا كان العنوان له أساس وتأصيل في القرآن وفي الأثر الوارد في هذا الموضوع، وشأن الكتاب في التأصيل للأفكار هو هذا الأساس، فعلال الفاسي المتمكن من الفكر الإسلامي باعتباره من العلماء خريجي جامعة القرويين وهي أقدم جامعة في العالم الإسلامي منفتح على ثقافة العصر ومختلف نظريات الاجتماع والمذاهب الفلسفية والفكرية. وهذا ما يؤكده في بداية التصدير الذي كتبه في الطبعة الأولى للكتاب حيث يقول: «لا أقصد من هذا الكتاب الذي أضعه اليوم بين يدي القراء غير تنبيه الرأي العام المغربي، وخاصة النخبة العاملة لضرورة الإيمان بالنظر والحوار، وتحديد المثل العليا، واختيار أحسن السبل للوصول إليها، مع امتحان الضمير في كل المراحل، ومحاسبة النفس على أغلاطها. ولقد بذلت فيه علم الله جهد المخلص الذي يريد البناء، ويسعى في التجديد، ويعز عليه أن يترك الحيرة تعبث بعقل شباب الأمة وقلبه، وقرأت لكل فصل منه قبل أن أكتبه عشرات المؤلفات العربية والمعربة والفرنسية والمنقولة للغة الفرنسية من لغات أوربا الشرقيةوالغربية وأمريكا وآسيا، ودرست وجهات النظر المتباينة، وقارنت بينها بقدر الاستطاعة، ثم عرضتها على تجاربي في الكفاح وتقلباتي بين الكادحين في أقطار عديدة طيلة خمسة وعشرين عاما، وحاولت أن أستخلص من كل ذلك التوجيهات التي أضعها بين يدي إخواني لينظروا فيها ويستفيدوا منها.» فالكتاب كما نرى ليس وليد خواطر عفوية ولكنه مبني على الدراسة المتأنية لمختلف وجهات النظر شرقا وغربا، ومعتمدا على تجارب الرجل لمدة ربع قرن من المعاناة والكفاح، لأن المؤلف أراد من الكتاب أن يؤصل للمشروع المجتمعي لمغرب ما بعد الاستقلال، وذلك بأسلوب متميز ومنهاج واضح، وهو في هذا السياق يستعرض الحلول الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي باشرتها مختلف أنظمة الحكم والمناهج التي على أساسها اشتغل القادة والزعماء والمفكرون، وما أفضى إليه ذلك سواء من قلاقل وثورات وكذا الحروب التي تجرعت الإنسانية ويلاتها وآخرها الحرب العالمية الثانية. ومن القضايا الأساس التي عالجها قضية شغلت بال المفكرين والساسة وهي قضية علاقة الدين بالسياسة. أو علاقة الدين بالدولة ليحدد موقف الإسلام منها، وهو في هذا الموضوع يرى أن الإسلام ليس معنيا بما يتحدث به الناس في موضوع فصل الدين عن الدولة لأن الإسلام ليس فيه كنيسة ولا اكليروس حتى يتم الفصل بينهما وفي هذا يقول: «على أننا إذا بحثنا في الثورات العظيمة التي قامت في مختلف العالم والتي هدمت الكنائس واعتقلت رجال الدين وقضت على أملاك الطوائف وخرجت بفكرة التحرر اللاييكي لم نجد أصولها ولا بواعثها إلا في الثورة على الاكليروس، أي على الأنظمة الكهنوتية التي كونتها ظروف المسيحية في تجاربها التاريخية، وهذه الثورة علي الرهبانية بما آلت إليه في العصور الوسطى ليست منافية للدين الخالص بقدر ما هي موافقة له. والإسلام بصفة خاصة لا يمكنه إلا أن يحبذ كل ثورة تقضي على التحكم في العقول والأشخاص باسم الدين أو تمنح طائفة من البشر مكان التشريع الديني والقداسة الروحية التي تجعلهم آلهة أو إنصاف آلهة، لأن أول ما منعه الإسلام هو تعبيد النفوس والأرواح لأي طغيان من طغيانات الإنس والجن، ولذلك فلا يمكننا إلا أن نكون في مقدمة الثائرين على كل نظام كهنوتي من شأنه أن يتدخل بين الأفراد وبين الله. وفكرنا الديني يجب أن يكون مبنيا على هذا الأساس الذي يجعل الناس أمام الله وأمام الدين سواء.» (ص:115 من طبعة عام 1999) وإذا كان الناس يتحدثون عن علاقة الدين بالعقل ويرى بعض المفكرين أن بين العقلانية والدين تضاد فهو بالعكس يؤكد بالنسبة للإسلام العلاقة القوية والارتباط بينه وبين العقل فيقول: «وقد رفع الإسلام قيمة العقل وحث القرآن على النظر والتبصر والاحتكام إلى الفكر الصحيح والعقل الرجيح في عشرات الآيات، وجعله رسول الإسلام معجزته الكبرى ومناط دعوته، وهذا ما يجعلنا نؤمن بالعقل من غير تحفظ، ونعتد به في تفكيرنا الديني الذي يجب أن يسير معه جنبا لجنب في كامل الاتفاق وغاية الانسجام، وإذا كان اتصالنا بآداب الغرب وثقافته سيكشف لنا هذا الصراع العظيم الذي قام منذ القرن الثامن عشر بين العلم وبين الدين فيجب أن لا نذهل عن الحقائق وأن لا ندخل في كفاح من أجل قضية غير قضيتنا، فالدين في نظر الإسلام لا يمكن إلا أن يكون عونا للعلم، وكيف يمكن أن يعتبر منافيا للعقيدة أو معاكسا لها ورسوله يقول:«فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم»؟ !. (ص: 116 نفس المرجع) وعالج الكتاب بهذه الروح روح الانفتاح والاجتهاد قضايا الأسرة وقدم حلولا جذرية لكثير من مشاكل الأسرة في المغرب وربما في العالم الإسلامي وخصص في الكتاب كما يلاحظ القارئ فصولا وأبوابا مهمة لقضايا لم يعتد الفكر العربي والإسلامي معالجتها بنفس المنهج والطريقة التي عالجها بها كتاب النقد الذاتي. ولاسيما في تلك المرحلة المبكرة من القرن العشرين، فقد عالج مشاكل: التعليم- أوقات الفراغ - التنظيمات الاجتماعية والجماهيرية.. وغير ذلك مما يجده القارئ مفصلا في الباب الرابع من الكتاب. ومن هنا كان عمل الأخت الأستاذة الدكتورة كنزة الغالي مهما ورائدا في هذا العمل الذي قامت به وأنجزت ترجمة هذا الكتاب الفريد والمؤصل والمبني على الاجتهاد والإبداع إلى اللغة الاسبانية وهذا العمل بجانب الأعمال الأخرى التي قامت بها من ترجمة من الاسبانية إلى العربية ومن العربية إلى الاسبانية عمل ايجابي في تقوية أواصر التواصل بين الشعبين المغربي والعربي بصفة عامة والشعب الاسباني، بل والشعوب الأخرى الناطقة باللغة الاسبانية، وهذه العلاقات والأواصر هي في الواقع انسجها الجوار والتاريخ المشترك بين المغرب واسبانيا رغم كل ما عرفه هذا التاريخ من تجاذبات وصراعات في بعض الأحيان، ولكن مع هذا فالدماء المشتركة التي تجري في العروق هنا وهناك وكذلك المشاعر والعواطف المتبادلة يجعل ما يقرب ويجمع أكثر من غيره وقد يجد القارئ في هذا الكتاب جوابا على كثير من الأسئلة التي يطرحها لكثير من القضايا بقطع النظر عن الزاوية التي ينظر منها ومن هنا تستحق المترجمة الدكتورة كنزة الغالي خالص التقدير والشكر على هذا المجهود العلمي والفكري إذ الترجمة كما هو معروف إبداع ولعل ان يكون إبداع الأستاذة المترجمة مواكبا لإبداع الأصل. ومرة أخرى شكر لها والله الموفق. الرباط في 13 يونيو 2012 محمد الموساوي السوسي- المفتش العام لحزب الاستقلال -5- تقديم الدكتور كريستيان ريتشي ( بتصرف لأن مقدمته طويلة): لا يسعني إلا أن أجزم بأن العمل الذي قامت به الدكتورة كنزة الغالي هو مشروع جبار و تيطانيكي وذلك بترجمتها لكتاب النقد الذاتي لعلال الفاسي. أشكر جزيل الشكر الدكتورة كنزة الغالي التي شرفتني بالتقديم لهذا الكتاب العظيم، والذي مكنني بدوره من النهل من زخم هائل من العلم والمعرفة، كما تصورها زعيم التحرير ومؤسس حزب الاستقلال علال الفاسي. لقد تمكنت فعلا من الاطلاع على كم هائل من المعرفة الإنسانية و الأفكار لقيادة رشيدة لزعيم سياسي يندر تواجدها حتى في عالمنا الغربي. ولا يسعني إلا أن أعبر عن إعجابي وتقديري للنسخة الاسبانية من كتاب النقد الذاتي الذي ترجمته الزميلة كنزة الغالي، والذي لم أجد في الحقيقة أي شيء عنه منقولا إلى هذه اللغة إلا العمل الذي أنجزته الدكتورة كنزة. خلال قراءتي لهذا الكتاب باللغة الاسبانية التي قامت بها كنزة الغالي لم أتوقف عن التفكير في الضرورة الملحة التي يجب أن يقوم بها المدرسون، وهي تلقين جزء من هذا الكتاب أو بعض فصوله للنشء المغربي في المدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية واستغلال الفرصة في المعاهد والمدرجات الجامعية للقيام بأبحاث معمقة حول الأعمال الكاملة لعلال الفاسي. لقد قلت للدكتورة كنزة الغالي خلال حديثي معها في مؤتمر حول الاستشراق بجامعة فاس: " إذا عرف التحالف الحكومي الحالي بالمغرب وخصوصا، حزبي الاستقلال و حزب العدالة والتنمية، كيف يستفيد من فكر علال الفاسي ويطبق فقط ثلث أو نصف نظرياته الواردة في كتاب النقد الذاتي لاستطاع أن يحقق أعلى نسبة نمو اقتصادي في المغرب الأقصى ويرسي النموذج الأمثل للديمقراطية والعدالة الاجتماعية في العالم العربي والإسلامي وكذلك في جزء مهم من الدول الغربية لأن أغلب المؤسسات الغربية اليوم توجد في وضع أزمة واندحار عاجزة عن مواجهة مشاكلها ومتجاهلة الأوضاع الإنسانية للأشخاص والشعوب ". لقد وضع علال الفاسي أبناء شعبه أمام مسؤولية بناء مغرب ما بعد الاستقلال بكل تحد في حين أن الدول الغربية المستعمرة آنذاك كانت تنظر إلى دول شمال إفريقيا على أنها خاضعة وتابعة لنفوذها وإديلوجياتها. كان عدد مهم من المسؤولين في الغرب يرون بأن المتعاقبين على الحكم آنذاك لم يعملوا إلا على تكريس تبعية الأغلبية للأقلية لخدمة مصالح هذه الأخيرة. لقد طرح النقد الذاتي بدائل للحكم والتدبير الرشيد تمكن كل فئات الشعب من العيش في رخاء ومساواة. يشكل النقد الذاتي مرجعا في التربية الوطنية وعلى المواطنة، وانطلق من الشريعة الإسلامية لاستكمال رؤيته، ونجد علال الفاسي يكرر في مواطن متعددة بأنه يجب على المرء أن يسمو بفكره وتطلعاته وروحه. كما أن تطور المغرب يفرض على أبنائه أن يتجاوزوا عقبات القرون الوسطى التي لازالت سائدة في بعض المناطق النائية المهمشة وأن يتصدوا لمفهوم الظهير البربري الذي اعتمدته فرنسا بخبث للتفرقة بين المغاربة، لكن هذا لا يعني طغيان جانب على آخر فالمغرب قوي بكل تشكلاته وتلوناته الثقافية و الفكرية واللغوية. وفي النهاية أريد أن أشترك في هذه العبارات، عبارات المثقف والسياسي المغربي: يتسم تاريخ الحضارة العربية بمجهودات جبارة قام بها العلماء من اجل خلق التوافق والتوازن بين العلم والدين، لقد استعمل أولئك الرجال العقل لسبر كنه الكون وأسراره. يجب على البعض أن يتجاوز عقبة الإحساس بالنقص اتجاه الغرب، لذلك حث علال الفاسي على التسلح بالعلم والفكر الحر من أجل التقدم وتخطي كل العقبات والمثبطات. كل هذا وأفكار رفيعة أخرى طرحها علال الفاسي في خمسينيات القرن الماضي وضمنها كتابه القيم النقد الذاتي ، والتاريخ وحده كفيل بأن يبين إلى أي مدى استطاع الاستقلاليون وحزب الاستقلال تحقيق برنامج وحلم قائدهم خلال هذه النهضة الجديدة التي يفرضها التاريخ السوسيو سياسي لمغرب القرن الحادي والعشرين. الولاياتالمتحدةالأمريكية 5 مايو 2021 الدكتور كريستيان ريتشي، جامعة كاليفورنيا، مرسيد.