من المقرر أن يعقد مجلس النواب صباح يومه الاثنين جلسة عمومية تخصص للدراسة والتصويت على مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا تطبيقا لاحكام الفصلين 49 و 92 من الدستور، هذا المشروع الذي عرف نقاشا واسعا وعميقا بمناسبة دراسته على مستوى لجنة العدل والتشريع وحقوق الانسان قبل التصويت عليه بعد أن تقدمت مختلف الفرق النيابية بتعديلات بشأنه استهدفت إغناء مضامينه وتحسينها كل من موقعه بما ينسجم مع توجهاته واختياراته. وتأتي أهمية هذا المشروع لكونه يعتبر أول نص مؤسس يرمي إلى تفعيل أحكام الدستور في مجال يرتبط بتوزيع الاختصاصات فيما يتعلق بالتعيين في المناصب العليا المنصوص عليها في الفصلين 49 و 92 من الدستور بين الصلاحيات التي تدخل في مجال المجلس الوزاري وبين تلك التي يتداول بشأنها مجلس الحكومة كما يأتي مشروع القانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا الذي جاء لتحديد كل من لائحة المؤسسات والمقاولات العمومية الاستراتيجية التي تنقسم، حسب المادة الأولى .من المشروع، إلى قسمين، يتعلق أولهما بالمؤسسات العمومية الاستراتيجية التي يتم تعيين المسؤولين عنها بمقتضى ظهير بعد المداولة في المجلس الوزاري بناء على اقتراح من رئيس الحكومة وبمبادرة من الوزير المعني، بينما يهم الجزء الثاني المقاولات العمومية الاستراتيجية التي تتم المصادقة على تعيين المسؤولين عنها في المجلس الوزاري بناء على اقتراح من رئيس الحكومة وبمبادرة من الوزير المعني. .كما جاء هذا المشروع بتحديد لائحة الوظائف التي يتم التداول بشأنها في مجلس الحكومة تطبيقا لأحكام الفصل 92 من الدستور، والتي تهم مديري بعض المؤسسات العمومية غير الاستراتيجية المسؤولين عن المقاولات العمومية غير تلك الواردة في لائحة المقاولات الاستراتيجية، المناصب العليا بالإدارات العمومية. إن قراءة قانونية لمضامين هذا المشروع تستدعي تقديم الملاحظات التالية: - الملاحظة الأولى تهم إغفال المشروع تحديد تصريف واضح لماهية الاستراتيجية والمعايير المعتمدة في تصنيف المؤسسات والمقاولات العمومية بين ماهو استراتيجي وماهو غير استراتيجي . - الملاحظة الثانية تهم عدم تحديد الجهة الموكول إليها أمر تعيين المسؤولين عن المقاولات العمومية الاستراتيجية التي تتم المصادقة عليها في المجلس الوزاري رغم أن القوانين الجاري بها العمل تقتضي أن مثل هذه التعيينات تتم من طرف المجالس الإدارية لهذه المقاولات. - الملاحظة الثالثة: تتعلق بكون المبادئ والمعايير الخاصة بالتعيين في المناصب العليا التي تهم الوظائف التي يتم التداول بشأنها في المجلس الحكومي تطبيقا لأحكام الفصل 92 من الدستور لم تشمل كذلك المناصب العليا في المؤسسات والمقاولات الاستراتيجية تطبيقا لأحكام الفصل 49 من الدستور، مادام الأمر يتعلق بمبادئ الكفاءة والاستحقاق والنزاهة والشفافية وتكافؤ الفرص. - الملاحظة الرابعة تهم مقتضى ختاميا يرى فيه المتتبعون «ثغرة» قانونية من شأنها أن تفرغ النص القانوني من محتواه إذا لم يتم تحصينه بأحكام تضمن التطبيق الشامل لهذا القانون التنظيمي وسريانه على جميع المناصب العليا. إن هذا المشروع الذي يشكل إطارا قانونيا يجسد مبدأ فصل السلط وتوازنها وتعاونها في إطار ملكية، دستورية، ديمقراطية، برلمانية واجتماعية، ولبنة أساسية لتعزيز دعائم دول الحق والقانون والمؤسسات وترسيخ أسس الصرح الديمقراطي وتكريس الاختيار الديمقراطي الذي أصبح إحدى ثوابت الأمة، ومرجعية واضحة لتقوية مؤسسة رئيس الحكومة وتوسيع صلاحيات مجلس الحكومة بما يجعل السلطة التنفيذية قادرة بالفعل على تنفيذ برنامجها الحكومي وتطبيق القوانين وممارسة الإشراف على المؤسسات والمقاولات العمومية كما ينص على ذلك الفصل 89 من الدستور مادام الوزراء مسؤولين على تدبير السياسة الحكومية كل في القطاع المكلف به في إطار التضامن الحكومي وما دام العمل الحكومي خاضعا لمراقبة البرلمان وكذا تقييم السياسات العمومية، إن هذا المشروع، يبقى قابلا للتحسيس والإغناء لما فيه ضمان احترام مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرافق العمومية بكل أصنافها وربط المسؤولية بالمحاسبة بعيدا عن ممارسات الماضي الأليم الذي كانت تشكل فيه المؤسسات والمقاولات العمومية دولة داخل دولة لا تخضع لأي مراقبة أو محاسبة لما يتمتع به المسؤولون عن هذه المؤسسات من سلطة ونفوذ يستغلونها لتحقيق مصالح ذاتية على حساب تنمية البلاد.