تعرف مناقشة مشروع القانون المالي في مجلس المستشارين ارتباكا بسبب الحضور الباهت لأعضاء لجنة المالية حيث سجل في عدد من المرات التي انعقدت فيها اللجنة وجود أعضاء معدودين على رؤوس الأصابع. هذا الارتباك في متابعة مشروع القانون المالي - حيث إنها لا تعدو أن تكون متابعة المواد، عوض المناقشة العميقة والوازنة - هو مقياس للمناخ العام السائد في مجلس المستشارين، فالمقاعد خلال جلسة الأسئلة الشفوية فارغة من أصحابها، والشاشات المخصصة لتصريف المعلومات والمواعيد منطفئة باستمرار، مما يدل على أن أعضاء مجلس المستشارين قد حزموا فعلا حقائبهم وولوا أذهانهم إلى وجهات أخرى لتعبيد أرضية العودة إلى قبة البرلمان من نوافذ أخرى. وفي هذا السياق يصح التساؤل ما جدوى إدراج إحدى الورشات خلال اللقاء الدراسي حول النظام الداخلي للمؤسسة التشريعية المنعقد خلال الدورة الاستثنائية المنقضية والذي عرف دفاعا مستميتا عن الغرفة الثانية ودورها إذا كان المناخ هو البرودة والرتابة والتكرار والاجترار، والتشكي الذي لا يتجاوز صوته قاعة مجلس المستشارين، ولا أدل على ذلك جلسة الثلاثاء الماضي التي عرفت طرح نفس الأسئلة الموجهة سلفا على سبيل المثال لقطاع الاتصال والصحة والطاقة.. هذا في الوقت الذي نجد فيه أن مشروع القانون المالي في مجلس النواب عرف أطوارا من النقاش المستفيض والعميق، وتمت مناقشة المواد بشكل سلس كما اتسمت مداخلات رؤساء الفرق وأعضاء اللجنة وأعضاء من خارج اللجنة بالمنطق والموضوعية والتحليل السياسي والاقتصادي والضريبي حتى، وبلغت التعديلات الخمسين، وعرفت بدورها نقاشات من الحكومة والمعارضة والأغلبية، ودافع كل عن موقفه منها، بل حتى التغطية الإعلامية على مستوى اللجنتين تعكسه ما تعكسه. في ظل هذا التباين الصارخ بين أداء الغرفتين، يظل التساؤل ماذا يحضره مجلس المستشارين ليكون في مستوى التكامل بين المؤسستين، وأساسا أن يعكس وفقا للدستور أنه استمد النيابة من الأمة.