يوم أمس حلت الذكرى الأولى لاستشهاد الصحفي والناشط الإيطالي "فيتوريو آريجوني" وقد أقامت مجموعات شبابية في قطاع "غزة" فعاليات لتكريم ذكراه منها فقرات فنية ورسومات وعرض لفيلم تسجيلي عنه، بالإضافة لتدشين بئر ماء يحمل إسمه. فمن هو هذا الإنسان الرائع؟ لقد تعود "آريجوني" الذهاب لأكثر أماكن العالم مأساوية، وخصوصا التي تشهد حرباً ضارية، وقد يفسر البعض هذا على أنها ضروريات عمل، أما أن يقوم أحد ما بجعل نفسه درع بشري أمام سفن حربية لحماية صياد فقد يعده البعض ضرباً من الجنون.. أو أنه أصبح إنسان بالقول والفعل. لقد كتب الصحفي والناشط الإيطالي "فيتوريو آريجوني" كتابا تحت عنوان "كن إنسانياً"، وهذا الكتاب هو الذي ساعد مجموعة من النشطاء الأجانب في إحياء "حركة التضامن العالمية". وهذه الحركة تناصر القضية الفلسطينية منذ نشأتها في 2001 وذلك من خلال النشطاء الأجانب الذين يقومون بمختلف أنشطة الدعم للفلسطينيين سواء على المستوى الإعلامي أو الضغط السياسي، أو التصدي لأعمال الإحتلال الإسرائيلي، وغيرها، وكان من أبرز أعضائها الناشطة الأمريكية الشهيدة "راشيل كوري" التي تصدت لأحد الجرافات الإسرائيلية وهي تحاول هدم أحد بيوت الفلسطينيين في "غزة"، فقامت الجرافة بدهسها.! لقد جاء "آريجوني" إلى غزه في 2007 ضمن إحدى سفن كسر الحصار، وكان أول عمل يقوم به هو التصدي لسفينة حربية إسرائيلية كانت تمنع الصياديين الفلسطينيين من الصيد، فجعل نفسه درعاً بشرياً لأحد الصيادين، ولم يمنع ذلك السفينة الحربية من إطلاق النار على القارب مما تسبب في إصابته، وبعدها قامت "إسرائيل" باحتجازه وترحيله إلى "إيطاليا"، ولكنه عاد مره أخرى إلى "غزة" عندما قامت "إسرائيل" بشن عدوان جديد على القطاع في 2008، وألف كتاب حمل عنوان "كن إنسانياً" وهو عبارة عن تحقيقات صحفية مجمعة عن الحرب والمعاناة التي تشهدها "غزة"، وهي العبارة التي كان "آريجوني" يرددها كثيراً على مدونته وفي اللقاءات التلفزيونية التي أجريت معه، وقد ترجم الكتاب إلى الفرنسية والألمانية والإنجليزية والإسبانية. "آريجوني" الذي أنهى دراسته في مدينة "ميلان" الإيطالية وأصبح قادراً على السفر، أصبح متطوعاً في عديد من الحركات والمنظمات الإنسانية، وقد تطوع في العمل الإنساني في بلدان أمريكا الجنوبية وأوربا الشرقية وأفريقيا، وأخيراً "فلسطين"، الذي زارها أول مره في 2002، ليوشم بعدها على ذراعه كلمة "مقاومة" بالخط العربي، وقد علقت والدته على هذا الأمر أنها تأكدت وقتها أنه سيقرر البقاء في هذه الأرض ويكمل فيها ما بدأه. هذا الناشط كان يعتبر "إسرائيل" واحدة من أسوء أنظمة التمييز العنصري على مستوى العالم"، وكان يرى أن حصار "غزة" من أبشع الجرائم الذي شهدها تاريخ الإنسانية، وقبل اختطافه بساعات، كتب على موقعة أن مسألة "استخدام الأنفاق لتهريب الغذاء إلى قطاع "غزة" تعتبر جهداً جباراً يبذله الفلسطينيون إنها معركة خفية من أجل البقاء". لقد اختطف "آريجوني" في 14 أبريل 2011 على يد مجموعة سلفية مسلحة في قطاع "غزة" تدعى "التوحيد والجهاد"، وذلك لمبادلته مع معتقلين من الحركة لدى حركة "حماس" المسيطرة على القطاع، والتي كان "آريجوني" لديه علاقات ودية مع قادتها وأعضائها، وأمهلت "التوحيد والجهاد" حركة "حماس" 30 ساعة لإطلاق معتقليها وعلى رأسهم زعيمهم "أبو وليد المقدسي" أو قتل "آريجوني"، وذلك في شريط مصور بث على شبكة الأنترنت، وظهر فيه "آريجوني" معصوب العينين ومصاباً برأسه. ومما لا شك فيه فقد أخلى السلفيين بوعدهم كعادتهم، وتم قتل "آريجوني" قبل انتهاء المدة المحددة، وقد عثر على جثته في أحد المنازل المهجورة في "غزة" وقد وجدوه مقتولا شنقاً، وذلك بعد أن شعر مختطفيه أنهم على وشك القبض عليهم بعد أن تم القبض على أحد معاونيهم ودل على تفاصيل العملية. لقد كان خبر اختطاف وقتل "آريجوني" مساند من لا مساند له بمثابة صدمة لأهالي القطاع العاديين، فالشاب الإيطالي المبتسم دوماً، والذي كان يجالس الأطفال ويمرح معهم، لم يتوقع سكان القطاع أن يموت بأيدي بعض منهم، فخرج الآلاف من "غزة" في مسيرة حاشدة إحتجاجا واعتراضا على استشهاده. عبارة "كن إنسانياً" قد تكون هي المرادف لأسماء مثل "آريجوني" و"راشيل كوري" و"ماري كولفين" المغتالة هي وصديقها المصور الصحفي "ريمي أوشلك" في "سوريا" إثر سقوط قذيفة هاون على مكتب إعلامي وغيرهم من البشر الذين تتجسد فيهم معاني الإنسانية، التي ضاعت على الجانب الآخر بين مشنقة التوحيد والجهاد وجرافة الصهيونية ودكتاتورية "بشار الأسد".