مثّل تهجير ثمان أسر قبطية من قرية "شربات" في محافظة "الإسكندرية" بعد إشاعات عن علاقة جنسية بين شاب قبطي وفتاة مسلمة إحراجاً بالغاً للحكومة ومجلس الشعب إذ أن اتفاق إنهاء الخصومة الذي تضمن بنداً يتم بموجبه تهجير الأسر القبطية من القرية، أشرف عليه مسئولون حكوميون وتم تضمينه في محضر حرر في قسم للشرطة، وعرضت القضية على لجنة حقوق الإنسان في المجلس التي اكتفت برفض مصطلح تهجير وطلب استبداله بتفريق بدل نسف الإتفاق من الأساس على اعتبار أنه يتضمن بنوداً تمس حقوق هذه الأسر التي لا ترتبط غالبيتها بالشاب موضع الإتهام. وتعود وقائع القضية إلى تفجر صدامات بين مسلمين في قرية "شربات" التابعة لمركز "العامرية" في "الإسكندرية" في نهاية الشهر الماضي بعدما تردد أن شاباً قبطياً وزع فيديو مخل لإحدى نساء القرية المسلمات، وتجمع أهالي القرية وقرى مجاورة أمام منزل هذا الشاب وسعوا إلى اقتحامه وحرقوا متاجر عدة يملكها أقباط، قبل أن يتدخل رجال دين وأعيان القرية للتهدئة والسيطرة على المواجهات التي تطورت إلى حد تبادل إطلاق النار واتفق على عقد جلسة عرفية رعاها أعضاء في المجلس وقيادات تنفيذية وشعبية في المنطقة تم بموجبها الإتفاق على تهجير ثمان أسر قبطية من القرية والتصالح في الشكاوى المتبادلة بين الطرفين التي حررت في مقر الشرطة، وهو اتفاق وصفته المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بأنه معيب وأدانت فشل قوات الشرطة والجيش في حماية منازل وممتلكات أقباط القرية التي تعرضت للحرق والنهب الجماعي ورغم أن السلطات دأبت منذ سنوات على حل النزاعات الطائفية من خلال اتفاقات عرفية، إلا أن القضية أثارت ضجة هذه المرة لزيادة عدد الأسر التي هُجرت من منازلها لمجرد ارتباطها بصلة جيرة أو قربى مع الشاب الذي اتهم بإثارة الفتنة، فعادة ما كان يُهجر طرف النزاع فقط لصعوبة استمراره في الإقامة وسط شحن طائفي ضده. وزاد من ردود الفعل المنتقدة للتعامل مع القضية أن الإتفاق على تهجير الأسر القبطية وبيع ممتلكاتها في القرية رعاه نواب وقيادات أمنية. وقالت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية في بيان: عار على مسئولين تنفيذيين وتشريعيين، أن يوفروا الغطاء الشرعي لجرائم جنائية في صلح مزعوم ينتهي بمعاقبة الضحايا وبراءة الجناة، وما لم يتدخل القضاء المصري ومجلس الشعب المنتخب لرفع هذا الظلم وإعادة الإعتبار لسيادة القانون فإنهم سيكونون شركاء في الجرائم نفسها وإزاء تصاعد ردود الفعل على القضية، عقدت لجنة حقوق الإنسان في مجلس الشعب أمس جلسة لمناقشة القضية شددت خلاها على "أنه لا يجوز أبداً في كل الأحوال إهدار أي حق من حقوق الإنسان، وهو حقه في اختيار مكان مسكنه لكنها لم تصل إلى حل من شأنه الحفاظ على هذا الحق واكتفت اللجنة بتأكيد ضرورة استبدال كلمة التهجير الواردة في محضر الصلح بين العائلات المتنازعة بكلمة التفريق، منعاً لتصاعد المشكلة وحقناً للدماء، على أن يكون خروج الأسر القبطية من القرية برغبتها الشخصية وليس إجباراً"، وهو الأمر الذي لم تشر اللجنة إلى كيفية تحقيقه، ما مثّل إحراجاً لها، خصوصاً أنها أقرت بحق هذه الأسر في الإستمرار في الإقامة في القرية لكنها أجبرتها ضمناً في الوقت نفسه على هجرها طواعية. فيما تصاعدت ردود الفعل على قرارات المجلس العرفي بطرد عدد من الأسر القبطية.. لكن المفاجأة أن قرار الطرد طبقا لما قال به أسرة مسلمة، حيث نظم "اتحاد شباب ماسبيرو" الأقباط، مسيرة إلى البرلمان رفضا للحلول العرفية للمشكلات الطائفية. وكانت الأزمة قد اشتعلت بعد أنباء عن انتشار فيديو لخياط مسيحي يدعى "مراد سامي جرجس" وسيدة مسلمة متزوجة، قام الأهالي على إثره بالتجمهر وإحراق منزل الخياط وعائلته ومهاجمة المحلات التجارية التي يملكها الأقباط، مما دفع أبناء تاجر مسيحي يدعى "أبو سليمان" لإطلاق النار في الهواء لتفريق المتجمهرين إلا أنه لم تحدث إصابات جراء إطلاق النار. لكن أحد المسلمين أراد أيضا إطلاق أعيرة نارية لتفريق التجمهر أصابت ثلاثة مسلمين بالخطأ. وقادت الأجهزة الأمنية ونواب مجلس الشعب مبادرة لتشكيل مجلس عرفي لوضع حلول لهذه الأزمة، خاصة بعد إلقاء القبض على الخياط المسيحي وتحويل ملف القضية للنيابة، وتكون المجلس العرفي من نائب الإخوان المسلمين "أحمد جاد" و"خالد شلبي" رئيس المباحث الجنائية ب"الإسكندرية"، و "أحمد الشريف" نائب "حزب النور" والقس "بقطر" الكاهن المسئول عن كنائس العامرية وعضو بالمجلس الملي و"عصام موسوليني" عضو سابق بالمجلس المحلي واثنين من شيوخ الدعوة السلفية وهما الشيخ "أبو بكر محمد" والشيخ "شريف الهواري". وفي أولى جلساته اتخذ المجلس العرفي قرارا بطرد أسرة السيدة المسلمة وطرد عائلة الخياط المسيحي والتي تشمل أسرة شقيقه "نبيل سامي" ووالده ووالدته وأسر قبطية أخرى، ثم طالب "عصام موسوليني" وبعض المقربين منه طرد عائلة التاجر القبطي "أبو سليمان" الذي أطلق أبنائه النار في الهواء.. وهدد إذا لم يستجب المجلس العرفي لطلبه أن يطرده بنفسه، وقال "محمود أبو النور" أحد أهالي القرية، أن قرار المجلس العرفي بطرد أسرة الخياط المسيحي والسيدة المسلمة استطاع أن يهدئ الأمور والمشاحنات، بينما رفض غالبية الأهالي طرد عائلة التاجر "أبو سليمان" كبير أقباط القرية لأنه لم يصب أحدا منهم بضرر. وقال "نبيل سامي" أحد المهجرين من القرية وشقيق "مراد سامي" الذي أتهم بإقامة علاقة غير شرعية مع السيدة المسلمة أن "عصام موسوليني" على خصومة مع التاجر القبطي ويشعل نيران الفتنة لأنه يرغب في تحقيق مصالح تجارية بعد خروج الرجل من القرية حيث كان يسيطر التاجر القبطي على سوق البيع بالتقسيط لأهالي القرية ويريد الأخير أن يحل محله -على حد قوله-.. ورغم اتفاق أغلب الأطراف على بقاء أسرة التاجر المسيحي "أبو سليمان" إلا أن المجلس العرفي استجاب لطلب "موسوليني" وأمر بطرد أسرته، مما أثار استياء أهالي القرية. من ناحية أخرى، قال الناشط الحقوقي القبطي "ألسكندري شمعي أسعد" أن ما تردد عن وجود علاقة بين الشاب المسيحي وسيدة مسلمة غير صحيح، منتقدا تجاهل الإعلام لأسرة الشاب وعدم تقصي الحقيقة منهم، فالخياط صاحب محل الملابس المسيحي تعرض لابتزاز من شاب مسلم طلب منه مبلغ 50 ألف جنيه وهدده بنشر شائعة عن قيامه بتصوير فتيات مسلمات إذا لم يدفع له، وبعد انتشار الشائعة تحفظت قوات الشرطة على "مراد سامي جرجس" والشاب الذي اتهمه بذلك ويدعى "محمود طعيمة". وأضاف أن هناك خطة لدى مجموعة من السلفيين ووزارة الداخلية للقيام بتهجير الأقباط من القرية، وتساءل "شمعي أسعد" لماذا لا يقولون لنا إسم السيدة المتهمة بممارسة الجنس مع الشاب المسيحي، ولماذا لا تظهر وتتحدث أو يتم استدعائها في التحقيقات، وأكد أن القضية وهمية وهى تخفي مخطط كبير لتهجير الأقباط. وأكد مصدر أن "اتحاد شباب ماسبيرو" وعدد من القوى السياسية بصدد التوافق حول تحركات للتصدي لتهجير الأقباط من القرية بمشاركة شخصيات عامة ونواب بمجلس الشعب، وأضاف المصدر أن الحلول العرفية لم تعد ممكنة في ظل ثورة 25 يناير وفى ظل وجود قانون يحكم بين المواطنين، وانتقد موافقة الكنيسة على الحلول العرفية وتفريطها في حقوق الأقباط. بينما رفض المحامي الحقوقي "أحمد ممدوح" قرارات الجلسة العرفية وقال أن الأحكام العرفية التي يريدون تطبيقها في منطقة "العامرية" لا يجوز تطبيقها لأننا في دولة القانون وأن هذه الأحكام تطبق لدى القبائل البدوية التي لا يحكمها القانون وإنما العرف، ووصف "ممدوحط الأمر بأنه هدم لفكرة القانون في الدولة المصرية ويتعامل مع القانون وكأنه غير موجود مما يعد التفافا على القانون في "مصر" وتمييزا ضد الأقباط. جدير بالذكر أن اثنين من المصابين في الأحداث في حالة حرجة، أحدهم مصاب برصاصة في النخاع الشوكي والآخر 4 رصاصات في الكلى والكبد والطحال، ولم تتطرق الجلسة العرفية لأوضاع المصابين والقبض على المتهم الهارب "نجيب أبو زيد" المسلم الذي أطلق الرصاص الجمعة الماضية من سلاحه الآلي على 3 مسلمين بالخطأ ثم انسحب من أمام المنزل. وقال النائب "أحمد جاد" عضو مجلس الشعب عن دائرة غرب "الإسكندرية" وعضو اللجنة العرفية التي أصدرت قرارات بالتهجير أنه لا يرتضي هذا القرار، وأنه ضد فكرة التهجير بشكل عام. وأضاف أن المجرم يجب أن يحاكم وفقاً للقانون، مشيراً إلى أن سائر الأسر ممن طبق عليهم قرار التهجير ليس لديهم أي ذنب في القضية لكي يتم تهجيرهم، وأن الفاعل وحده هو الذي يجب أن يخضع للعقوبة ولكن بالقانون الذي لا يوجد به نص يحكم بالتهجير. وأضاف "جاد" أنه اضطر إلى قبول القرار بالتهجير لدرء الفتنة التي أراد بعض الشباب إشعالها بعد أن هدأت وإعلاء سقف المطالب بتهجير الأسرة، وذلك حتى تحقن الدماء بشكل سريع وقاطع -على حد قوله-. وفي نفس السياق قدمت مجموعة من "ائتلاف أقباط مصر" المتواجدين بقرية "شربات" بلاغاً للمحامي العام لنيابات "الإسكندرية" والنائب العام، ضد أعضاء لجنة التحكيم العرفي، التي قضت بتهجير الأسر القبطية من القرية. واتهم الإئتلاف في بلاغه: المحامي "عصام موسليني" و"رأفت موسليني" والمهندس "أحمد جلال" والمدرس "خالد الرقاص" و"عبد الحليم حميدة" و"حسن أحمد صالح" و"خالد فاروق" ب"تهجير أسر قبطية" من القرية. وقدمت المجموعة بلاغاً آخر ضد اللواء "خالد غرابة" مدير أمن "الإسكندرية" واللواء "فيصل دويدار" مدير المباحث بالمحافظة، و"خالد شلبي" رئيس مباحث "الإسكندرية" و"شريف راضي" رئيس مباحث "العامرية" ومعاونية، واتهم البلاغ الضباط ب"التواطؤ والسماح للشيخ "شريف الهواري" بعقد جلسة عرفية داخل قسم شرطة "العامرية" وتهجير المواطنين من القرية". من ناحية أخرى دعا الإئتلاف لتنظيم وقفة احتجاجية في الثانية عشر من ظهر اليوم الخميس احتجاجا على "التهجير في الإسكندرية" و"فتنة ميت بشار في الشرقية". وشدد "فادي يوسف" المنسق العام للإئتلاف على ضرورة "وقف الإعتداءات المتكررة ضد الأقباط"، مطالباً قوات الأمن بتكثيف تواجدها في المناطق التي تشهد توتراً طائفيا، وداعياً لإصدار قانون يجرم التمييز.