سنة انتظام انعقاد اجتماعات قيادات الأحزاب السياسية المشكلة للأغلبية النيابية لايمكن الحكم عليها إلا من منطلق التحبيذ والتشجيع، فالمشاورات بين قيادات الأحزاب السياسية المشكلة للحكومة الحالية ضرورة ملحة في ظروف تتسم بكثير من تجليات التعقيد وحتى الارتباك، والسير بالتجربة السياسية الحالية في ظل هذه الظروف يبدو غير سهل المنال، ولن يكون سيرا مريحا على كل حال، لذلك يتوجب انتظام انعقاد اجتماعات المشاورات لتذويب ما يمكن قد تراكم من جليد وإصلاح ما قد يكون ترتب عن حوادث سير من الطبيعي أن تقع. إننا نؤمن أن صناديق الاقتراع الذي جرى يوم 25 نوفمبر الماضي قررت أن تحظى بلادنا بأغلبية سياسية حقيقية قوية ومنسجمة، معززة بما تخوله مقتضيات الدستور الجديد من صلاحيات واسعة جدا للمؤسسات التشريعية والتنفيذية التي أفرزتها تلك الانتخابات، وليس كما كان في السابق حينما كانت الأغلبية تشبه إلى حد بعيد «بزار» تعرض فيه عينات من نماذج مختلفة شيدتها الضرورة الملحة لبعضها، كأن الأمر يتعلق بأغلبيات تسييرية فقط. انتظام انعقاد المشاورات الحالية التي نصنفها كظاهرة إيجابية ومنهجية فعالة لتعبيد الطريق أمام السير العادي للمؤسسات لايعني في شيء إقصاء باقي مكونات المشهد السياسي، ولقد أكد رئيس الحكومة خلال رده على تدخلات رؤساء الفرق النيابية أثناء مناقشة التصريح الحكومي حرصه على الحوار مع الأغلبية والمعارضة على حد سواء، ولسنا هنا بصدد إعطاء الدروس حينما نؤكد على أهمية انتظام انعقاد اجتماعات الحوار مع مكونات المعارضة السياسية، الأمر الذي يجعلها شريكا رئيسيا في تدبير الشأن العام. ولابد من التأكيد على أن المشاورات بين مكونات الأغلبية يجب أن تطال عمق القضايا والأمور. لأن الشكل وإن اكتسى أهمية بالغة فإنه لن يكون كافيا للإيفاء بالغرض، بل لابد من الاهتمام بالجوهر والمضمون والتسلح بالجدية بالتعامل مع هذا المضمون. وهنا لابد من الدعوة إلى الاهتمام أيضا بالمجال المحيط بهذه المشاورات، وهي دعوة موجهة لقيادات هذه الأغلبية وإلى وزرائها في الحكومة لكي يحرصوا على المساهمة في ضمان شروط إنجاح هذه المشاورات باحترام مكونات الأغلبية بعضها لبعض وتجنب إثارة الخلافات والنزاعات، والتسلح بالنضج والمسؤولية في هذا الشأن، فأكثر مايمكن أن يهدد فعالية هذه المشاورات هو افتقاد تعامل مكوناتها مع بعضها إلى الاحترام، ونعتقد أن الحديث في هذا الصدد واضح جدا. حديثنا عن حرصنا لضمان شروط نجاح الأغلبية الحالية يجرنا إلي التأكيد- وإن كان للمرة الألف ولكن يبدو أن هناك من هم في حاجة إلى هذا التكرار- أن قرار حزب الاستقلال المشاركة في هذه الأغلبية كان قرارا مستقلا اتخذه الجهاز التقريري للحزب، ولم يكن يعتقد هذا الجهاز أنه في حاجة إلى استئذان جهة ما في شأن إتخاذ قراره المستقل، لذلك لن يقبل أي استقلالي أو استقلالية أن تعطاه دروس في هذا الشأن.