عاشت أوربا الأسبوع الماضي امتحانا سياسيا وأخلاقيا عصيبا، تمثل في الموقف المرتبك والصادم من قرار رئيس الحكومة اليونانية استفتاء الشعب اليوناني في حزمة الشروط والإجراءات التي يطرحها الإتحاد الأوربي لإخراج اليونان من أزمة الديون السيادية، وكما هو معلوم فإن كل الإجراءات التقشفية الصارمة التي اتخذتها حكومة باباندريو لم تستطع أن تجدي نفعا مع ثقل الأزمة التي يبدو أن الجميع أصبح مقتنعا بأنها أكبر مما كانت تبدو عليه في البداية وأنها تتسم بطابع بنيوي، يصعب الخروج منه دون دعم أوربي كبير، لكن إلى أي حد يمكن للمواطن اليوناني أن يقبل أن يكون الحل عبارة عن آلة حادة تقطع أطرافه؟ أوربا التي مافتئت تساند باقي الشعوب في العالم وخاصة الحراك الشعبي الكبير الذي تعرفه دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وتعتبر أن هذه الشعوب أصبحت أخيرا سيدة نفسها وتملك قراراتها بنفسها، هي نفسها أوربا التي استكترث على الشعب اليوناني أن يقول كلمته في موضوع مصيري، بل إن البعض داخل اليونان اعتبر الأمر غير دستوري بحيث أن الدستور اليوناني لا يؤطر صراحة أي دعوة للإستفتاء في قضايا ترتبط بالقرارات المالية والإقتصادية للدولة، يذكر أن الإستفتاء الذي دعا إليه باباندريو هو ثاني إستفتاء تعرفه اليونان بعد ذلك الذي جرى منتصف السبعينيات، حيث كان على اليونانيين الإختيار بين النظام الملكي والنظام الجمهوري..لكن ربما يبدو أن تجربة الإتحاد الأوربي مع استفتاءات مصيرية بالنسبة لأوربا من هذا النوع ليست على ما يرام وهنا نستحضر رفض الفرنسيين للدستور الأوروبي بنسبة بلغت 58% في استفتاء جرى سنة 2005 على خلفية قضايا اجتماعية وفي مقدمتها البطالة، وكان الإستفتاء في الواقع إستفتاء على الرئيس شيراك، هذا الأخير فضل المغامرة بسماع رأي الفرنسيين بدل تمرير الموافقة عن طريق البرلمان الذي يملك فيه الأغلبية. باباندريو رئيس الحكومة اليونانية يعرف أن ما تطلبه أوربا كلفته الإجتماعية باهظة، وبالتالي فهو غير مستعد لتحمل تبعاته السياسية والإجتماعية، لذا يمكن القول بأنه فضل أن يعالج الأزمة بالصدمة وأن يحد من الضغوط التي تواجهها حكومته سواء داخليا من خلال ردع الإتحادات النقابية والجمعيات المهنية التي لا تنهي إضرابا إلا لتدخل في إضراب جديد أو المعارضة اليمينية التي تعاملت إلى حدود الأسبوع الماضي مع الأزمة بطريقة شعبوية فيها نفس انتخابي، بينما الأزمة بنيوية عميقة قد تدفع اليونان إلى حدود الإفلاس، وعلى المستوى الخارجي أراد باباندريو التعاطي بمنطق علي وعلى أعدائي، فإنهيار اليونان يعتبر بداية مؤكدة لإنهيار منطقة الأورو برمتها، فالإنهيار الكلي لليونان له إنعكاسات مالية وإقتصادية مباشرة على أكبر الإقتصادات الأوربية نظير ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، حيث أن البلدان الثلاثة إذا ما مستها الأزمة بنفس الشاكلة فهذا يعني دخول العالم في حالة كساد لا يمكن توقع نهايته ونتائجه السياسية والأمنية على المستوى العالمي. الدرس اليوناني يوضح مرة أخرى أن الديمقراطية مسألة نسبية، وأنه كما يتصرف فيها في الغرب بالشكل الذي تخدم مصالح معينة، فإنها لن تكون أكثر إستقلالية وحيادية عندما يتعلق الأمر ببلدان الجنوب...هذا الأمر بلا شك يحتاج إلى تعزيز جبهة الديمقراطيين...