عندما يختفي الرجل من حياة المرأة بالموت أو الطلاق أو الهجر.. أو حتى عندما لا يوجد الرجل في حياتها أصلا.. كيف تعيش؟ وماذا تفعل؟ لقد أثبتت التجارب أن التربية التقليدية للبنت المغربية في هذا المنحى هي تربية خاطئة... إذ تُربى الفتاة المغربية على الاعتقاد بأن «الزواج» هو الذي سيجلب لها السعادة الأبدية، وأن الرجل هو الضمانة لها في حياتها المستقبلية... ونسي أولياء الأمر أن هذا الرجل قد يختفي في يوم ما.. فقد يموت الأب أو يتخلى الزوج أو يتبرأ الأخ وقد لا يوجد الإبن... لقد نشأت الفتاة المغربية على التبعية والاتكالية، وربت الأم ابنتها على أن الفوز العظيم هو «الظفر بعريس» وراحت تحضِّرها وتعلمها فنون رمي السنارة، متناسية أن الأهم من هذا كله هو حصول ابنتها على شهادة علمية أو على مهنة تكون لها خير معين وضمان.. لقد ازداد عدد النساء اللواتي يعشن بلا رجال في الآونة الأخيرة وذلك بازدياد نسبة العزوبية والطلاق والترمل والهجر. فمنهن من استطاعت التكيف مع الوضع الجديد، ومنهن من لم تستطع إلا بعد أن وضعت على المحك. استقلالية بكرامة خير من ألف رجل قالت أرملة توفي زوجها وهي في الثالثة والعشرين من عمرها، وترك في حضنها طفلين. تقول: بعد وفاة زوجي جاء أخي ليأخذني للعيش في بيته، ولكني رفضت ذلك رفضا قاطعا، وصممت أن أعيش في بيتي مع طفلي، فأنا أرفض مبدأ الوصاية على امرأة هي أم حاضنة، فقط لأنها امرأة بلا رجل، لي شخصيتي وكياني المستقل، وأعمل مدرسة وأريد أن أربي طفلي تربية سليمة، وأن أحيا حياة كريمة، طبعا غضب أخي واعتبر ذلك خروجا على التقاليد ومروقا قد يدنس اسم العائلة، وقال لي: انسي أن لك أخا.. فأقسمت ألا أطرق بابه يوما لطلب المساعدة، فقد كان أخي قاسيا عليّ قبل زواجي، فكيف سيكون بعد أن ترملت وأنجبت طفلين؟ وهكذا بدأت حياتي الجديدة بلا رجل، لقد عانيت الكثير في البداية، ولم أمد يدي يوما إلى أحد، وقد نجحت في تربية ولدي وفي الحفاظ على بيتي أكثر من أخي الذي كان سيصبح وصيا عليّ. لقد ولى زمن الحجر والحماية.. فهل تفهم الأسر ذلك؟ «أمينة» سيدة مطلقة وهي في غاية الرقة والشفافية، تقول في هذا الشأن: عندما رسبت في امتحان الباكالوريا تقدم لي عريس ووافق أهلي، ووافقت حينها لأهرب من فشلي في الدراسة، ومن العيش تحت كنف أخ متسلط بعد وفاة والدي. ولم أدرك حينها أنني مثل المستجير من الرمضاء بالنار، إذ كان زوجي أشد ظلما وقسوة من أخي، صبرت وتحملت لأنني كنت أعرف بأن أخي لا يمكن أن يرضى بي مطلقة... الأمر الذي قوى شوكة زوجي، فأمسى أشد قسوة وانتهى به الأمر إلى أن طلقني وطردني خارج المنزل في منتصف الليل... لأنه يريد الزواج من أخرى.. فخرجت مطرودة وصوت أطفالي يصرخون يمزق طبلة أذني... وصلت إلى بيت أخي ولم أتجرأ على طرق الباب، بل جلست أمام بيته، وأنا أرتعش كقطة خائفة الدماء تسيل مني.. فهنا نار وهناك نار... عندها فقط فكرت بشكل صحيح، وقلت سأكون أنا ولن أتبع لأحد سواي، رفضت كل من تقدم للزواج مني، قلت.. لا بكل جرأة وقوة، وبدأت الدراسة ورسبت مرة ومرتين ثم في النهاية نجحت وعملت دورات كمبيوتر، وتقدمت إلى أكثر من وظيفة حتى حصلت على العمل. وكم كانت سعادتي كبيرة عندما قبضت راتِبي الأول... أدرك الآن كم أهنت نفسي في سبيل إرضائه لقد تركت كل شيء جانبا ابتداء من شخصيتي وحتى دراستي من أجل أن أرضيه، وفي النهاية تخلى عني.. الآن أنا أعيش من دونه ووضعي أفضل من وضعه وزوجته الجديدة... أما أولادي فأراهم في نهاية كل أسبوع حيث نذهب معا إلى الملاهي والمطاعم وأشتري لهم كل ما يريدونه. خرج ولم يعد «مريم» تضع كل اللوم في تربيتها على أمها... فتقول: لقد ربتني أمي على أن الرجل هو الهدف وهو الضمانة الوحيدة للمستقبل، وأن الزواج سترة للبنت، وأفضل من العمل والدراسة. كانت تتفانى في تزييني لتعرضني كسلعة أمام الراغبين في الزواج، وشاءت الظروف أن أتزوج من رجل عربي يعيش في المهجر.. وبعد أن أنجبت منه ثلاثة أولاد سافر «ذهب ولم يعد»، اتصل مرة واحدة وقال لي: لا أستطيع تحمل المسؤولية، ومضت سنوات، عدت خلالها للعيش في غرفة صغيرة في بيت أهلي، حيث عومل أبنائي معاملة قاسية، فهم أبناء الرجل الغريب المخادع، وكأنهم ليسوا أبناء ابنتهم.. وكانت التعليقات «زوجناها لنخلص من بلاها، رجعت وجابت عشرة وراها». لقد كنت أتألم بصمت وكانت أسئلة الناس تنغرس كالسكاكين في قلبي.. لقد أيقنت متأخرة أنني استندت بكل حملي على كتف الرجل السراب، فكان تحت ركام جدرانه الثقيلة حتفي... الناس يقولون: «ظل راجل ولا ظل حيطة» وبعد تجربتي أقول: إن ظل الحيطة أكثر أماناً من ظل سراب.. لذلك اعتمدت على نفسي وتعلمت مهنة تصفيف الشعر واكتريت منزلا صغيرا ضمني أنا وأولادي الثلاثة... وأقول لكل امرأة: عيشي حياتك وكأنك ستعيشين وحيدة مدى الحياة.. أي لا تعتمدي على أحد... مؤسسة المرأة الوحيدة تتطلب امرأة قوية بشخصية قيادية «وفاء» فتاة في غاية اللطافة والرقة والذكاء، تجاوز عمرها الأربعين وما زالت عازبة، تعيش حياتها بلا رجل، فقد مات الأب وسافر الأخ، ولم يأتِ الزوج... فماذا فعلت وكيف تعيش؟ تقول: أنا في الأربعين من عمري، ولم أتزوج بعد، صديقاتي ينظرن إلي بأسى وإن كان بعضهن في سرهن يحسدن استقلاليتي، تربيت منذ الصغر على الاعتماد على الذات، فكان الضمان لي للمستقبل.. العلم والعمل، لذا نلت أعلى الشهادات، وعملت في وظيفة محترمة تدر عليّ دخلا جيدا... أعيش وحيدة في منزلي، حياتي الاجتماعية رائعة، أصنع سعادتي بنفسي... الحياة جميلة بدون رجل، وقد تكون أجمل بوجوده إذا كان واعيا ومسؤولا ومحبا... لم أكن أرفض الزواج ولكنني رفضت الزواج من أي رجل لا يكون كفؤا؛ لمجرد أن أتخلص من لقب عانس. أن تعيش امرأة جميلة بلا رجل أمرا لايزال غريبا بعض الشيء، ويثير الكثير من الأسئلة... مرة خجلت من زيارة جارة جديدة سكنت حديثا في البناية التي أقطنها... خفت أن تعتقد بأني سأخطف زوجها منها... لأن هذه الحادثة حصلت مرة، إذ قطعت إحدى الصديقات علاقتها بي لمجرد أن زوجها يثني عليّ ويبدي إعجابه بي.. أحب أصدقائي في العمل وهم جميعا يحبونني وهاتفي لا يكف عن الرنين، الكل يعرض خدماته... مازال مجتمعنا بخير، فرغم وحدتي إلا أنني لا أشعر بها... وأعتقد أنه آن الأوان ليدرك الآباء والأمهات أن الزوج ليس هو الضمانة الوحيدة لتعيش ابنتهم بأمان، وأن العلم والعمل هو خير ضمان وخير أمان... لذا وجب عليهم تربية بناتهم على الاعتماد على الذات، على الاستقلالية وعلى حب العمل والانطلاق بمسؤولية. وكل امرأة أو فتاة تعيش بمفردها وبلا رجل أقول لها: لا تبق سجينة ماضيك ولا تنتظري المساعدة من أحد، عليك أن تعتمدي على نفسك، اعملي فالعمل ليس عيبا وهناك الكثير من الأعمال خاصة بالنساء مثل: مربية أطفال، مصففة شعر، خياطة، طباخة... عاملة، وهناك فكرة رائعة قامت بها نساء بلا رجال هي أنهن فتحن مطبخا وطبخن فيه مختلف الأطعمة وأصناف الحلويات والمأكولات، ونجحت الفكرة نجاحا باهرا... وعشن حياتهن بكرامة دون رجال... تذكرن أيتها النسوة أنه صحيح.. قد تكون الحياة جميلة مع الرجال.. ولكن قد تكون أجمل بدونهن إذا استطعتن الاعتماد على أنفسكن... ونحن لا ننكر هنا أن الوضع الأمثل أن تعيش النساء إلى جانب الرجال، ولكن بمودة ومحبة.