رأت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أن أعمال الشغب والعنف الناشبة في لندن الآن أظهرت مدى تنامي تأثير وسائل الإعلام الإجتماعية وقدرتها على تحريض مجموعات كبيرة من الناس للتحرك في اتجاه معين للمطالبة ببعض الحقوق، وقالت الصحيفة أن وسائل التكنولوجيا الحديثة تلك من شأنها أن تشكل نوع المظاهرة أو أعمال الشغب وتؤثر في كيفية انتهائها، غير أن التفريط في تعميم دورها أغلب الظن سينتهي بإلحاق ضررا للثورة وليس بنفعها. ومضت الصحيفة الأمريكية تقول إن الموقف في لندن يتطور، ولكنه ليس مشابها ل"الربيع العربي"، وذلك نظرا لاختلاف البيئة السياسية والثقافية عن تلك في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. ورغم أن وسائل الإعلام الإجتماعية لعبت دورا محوريا في الثورة المصرية التي اندلعت في 25 يناير وانتهت بالإطاحة بحكم الرئيس السابق حسني مبارك، إلا أنها لم تكن المحرك الرئيسي للجموع الغفيرة التي خرجت إلى الشوارع في عدد من المدن، فالثورات وأعمال الشغب أطول عمرا من وسائل الإعلام الإجتماعية. وأضافت "واشنطن بوست" أن الإضطرابات، وتاريخ حركات المعارضة، وتدهور الوضع الإقتصادي، والفساد وموقف الجيش المحايد نسبيا كانت جميعها عوامل أثرت على مصر، وهذه العوامل أثرت بشكل كبير على واقع يعيشه أكثر من 85 مليون مواطن، لا يستطيع منهم سوى 5% من استخدام الفيس بوك، و 1% من استخدام تويتر. ورغم أن النشطاء والمواطنين الشباب من الأغنياء والمتعلمين يستطيعون التواصل مع بعضهم البعض وبناء علاقات قوية بواسطة هذه التكنولوجيا، فإن المظالم التي يشعر بها المجتمع لعبت دورا أكثر أهمية في تعبئة الجموع. وأضافت أن مواجهة هذه المظالم بقطع وسائل الإتصال، مثلما يريد بعض النواب البريطانيين أن يتم قطع الإتصال عن هواتف ال"بلاك بيري"، ستفشل في مواجهة الشعور العميق بعدم الرضا، ذلك الشعور الذي دفع المتظاهرين في المقام الأول للنزول للشوارع. وتفيد التجربة المصرية بأن قطع النظام للأنترنت أو البث التليفزيوني، أو شبكات التليفونات المحمولة، لا يسفر سوى عن زيادة أعداد المتظاهرين. فيما وجهت صحيفة "الجارديان" البريطانية نداء لحكومة ديفيد كاميرون ترجوه فيه ألا ستلهم من الرئيس السابق حسني مبارك سياسته في قمع المحتجين وأعمال الشغب التي اندلعت في مصر أثناء ثورة 25 يناير، لأن فارقا كبيرا بين البلدين، في شكل الشغب وأسبابه وحجمه، بما لا يستقيم معه الرد بنفس سياسة مبارك. واستطردت الصحيفة: "يا لسخرية القدر، لندن تشهد الآن خراطيم المياه واستدعاء الجيش وتعطيل خدمات الرسائل عن طريق الهاتف المحمول والشبكات الإجتماعية، هو بالضبط ما شهدته مصر في ظل حكم الديكتاتور مبارك قبل 8 شهور، ولمزيد من السخرية، كان رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون أول من زار مصر بعد تنحي مبارك، فضلا عن إدانته في وقت سابق لممارسات مبارك القمعية لشعبه". وأكدت الصحيفة أن المقارنات لا معنى لها الآن بين ما حدث في مصر من شغب، والسلب والنهب في لندن، بعد أن ضربت مصر مثالا نموذجيا للتظاهرات السلمية في العالم كله، عكس ما تشهده لندن من شغب ونهب وسلب، غير مبرر على الإطلاق، الأمر الذي يجعل اللحظة الحالية مثالية للسخرية مما يحدث في أكثر الدول الديمقراطية في العالم بتأمل النموذج المصري. وأشارت الصحيفة إلى أنه بالرغم من الجرم الذي ارتكبه النظام المصري السابق في حق المصريين قبل الثورة وأثناءها إلا أن حالة من ضبط النفس، والسلمية سادت الإحتجاجات المصرية حتى في مواجهة قمع النظام لها، ومرت ثورة 25 يناير حاملة لشعار "لا نهب، لا حرق، مؤكدة ما وصف به المدون وائل عباس الثورة المصرية على تويتر: "التحرير ليست مكانا، إنها حالة ذهنية". ووجهت الصحيفة نداءً أخيرا للبريطانيين قائلة: "بهذه الروح المصرية، وبعقل الفرعون الكبير، خذوا أدواتكم، ونظفوا توتنهام، كما نظف المصريين ميدان التحرير".