محمد المهدي الحجوي الأديب اللطيف الحلو، كنت تعارفت معه بوساطة صاحبه الشاعر حجي السلوي، فإن أنس لا أنس مجالس كنا نعقدها أحيانا في دار الشاعر. فنتناشد فيها أشعارا لنخبة من الشباب، من بينهم الأديب الكبير محمد الحجوي هذا. كنت ألتقي معه فينة بعد فينة، حين كنت في (الرباط) 1347 ه، ثم لما حللت (الحمراء) 1348 ه لم أعد التقي معه، إلى أن وقفت يوما على كتابه في «الوزان» فإذا بي وأنا أطالع ذلك الكتاب المزدان بالبيان العربي، أتذكر ذلك الأخ، فلم أملك أن كتبت إليه رسالة أشكره فيها على ما أسداه لأمثالي من المحرومين من لغة أجنبية، حين تعرفوا بأحد من أبناء هذا (المغرب)، نسج عليه الجهل المطبق منا نسجا كثيفا، وبعد يومين توصلت منه بهذا الجواب: أعز الله جناب الأخ الأجل العلامة الأمثل العبقري سيدي محمد المختار السوسي، السلام عليكم ورحمة الله. أما بعد: فقد تناولت رسالتكم الصافية بيد الإخلاص والتقدير. وما كدت أفتحها، حتى تجسم بين عيني كمال أخلاقكم، وتبسم لي لطف شمائلكم، وتنسم عرف سجاياكم من بين سطورها، فكأني بذلك المحيا البشوش الذي طال عهدي به يحييني، وتلك العبقرية التي تعرفت بها منذ زمن غير قليل، تواجهني بكل ما عهدت فيها من كمال نادر. عرفتك أيها الأخ، فعرفت فيك طهارة الأخلاق، وحسن الصراحة، وصحة الذوق، ومتانة العلم، ولم أنس ذلك ولو بعد المزار، ونأت الدار، وقد علمت بهذه الرسالة أنك كذلك لم تنس أخاك، فجزاك الله خيرا على حسن العهد، وحفظ الود، وهنيئا لك مجالك في حريتك(1) تكب على دروسك، وتقوم بنفع العباد، وأي خدمة تقوم اليوم للإسلام أفضل من الإرشاد، فالمسلمون أحوج الناس إلى علم يحفظ عليهم دينهم، وينبه أفكارهم، وقد ضعف العلم، وقل العلماء، أدام الله النفع بك، وجزاك أحسن ما يجازي به المرشدين. هذا وإني أشكرك على حسن ظنك بكتاب أخيك، وعلى ما أبديته من حسن العواطف، وخالصة الإحساس، وما ذكرتم ذكرت اسم الصومعي في جملة من استمد منهم «الوزان»، فلم أذكر أني سقت ذلك في الكتاب، فراجعوه واقبلوا فائق تحيتي وسلامي. ٭٭٭٭٭ ثم إنه بعد هذا الحين بقليل زارني في محلي ب«الحمراء» زيارة خفيفة، وقد اقترحت عليه أن يتناول عندي غداء الغد فاعتذر، وقد مرت تلك الجلسة على قصرها مفعمة بالأدب، فتناشدنا أشعارا، فكان مما أنشدته لنفسي قصيدتين فوعدته بإرسالهما إليه، لما رأيته من إعجابه بهما، ولذلك ما كاد يصل إلى (الرباط) حتى وصلني منه هذا: الأخ الأجل الفقيه الأستاذ الأمثل سيدي محمد المختار، سلام عليكم ورحمة الله. أما بعد: فما زلت أتلذذ بالسويعة القصيرة التي قضيناها جميعا، أعاد الله أمثالها قريبا على أحسن ما نروم، غير أني لا أتنازل عن حقي في قصيدتيكما اللتين كنتم عازمين على إرسالهما، فلتقبلوا على عزمكم في ذلك، فإني في شوق إلى إعادة النظر في غرر أفكاركم، وبز يراعكم الرقيق، أكثر الله من أمثالكم، تضيئون سماء هذه البلاد بأفكاركم الوضاءة، وأعيد سلامي عليكم وعلى سائر من هو إليكم، وأخي ينهي إليكم سلامه. ٭٭٭٭٭٭٭٭٭٭ هاتان الرسالتان فقط ما عندي لهذا الأديب، وهو من أدباء الشباب النشيطين في قرضه وفي نثره، ففي محاضراته وأقواله في الصحف ما يشهد بذلك، ذكره الله بالخيرات. هوامش: 1- ذلك لأنه هو مكبل بالوظيفة وذلك ما يدل على حياته..