مباشرة بعد تصويت الشعب المغربي على الدستور الجديد، تحولت المرحلة السياسية الراهنة إلى فترة انتظار وترقب عندما أضحى موعد الاستحقاقات الإنتخابية المقبلة موضوع نقاش واسع في الساحة السياسية التي أصبحت تحت رحمة «الإشاعة السياسية» في غياب قرار سياسي يعطي للممارسة الديمقراطية مدلولها الحقيقي ويضع خارطة طريق للخطوات المقبلة المرتبطة أساسا بالمسلسل الإنتخابي والإجراءات المصاحبة تنسجم مع أجواء التعبئة الشاملة التي مر فيها الاستفتاء الدستوري وتستجيب لمتطلبات المرحلة، بما فيها التدابير المواكبة للتعديل الدستوري بأبعادها السياسية والحقوقية والإقتصادية والإجتماعية، تعزيز أجواء الثقة، توفير الشروط اللازمة لضمان نزاهة الانتخابات وشفافيتها باعتبارها أساس مشروعية التمثيل الديمقراطي، بما فيها مراجعة اللوائح الإنتخابية، إعادة النظر في مدونة الإنتخابات، القانون التنظيمي المتعلق بمجلس النواب، القانون التنظيمي المتعلق بمجلس المستشارين، التقطيع الإنتخابي، إلغاء جميع القوانين والأنظمة المرتبطة بسياسة الريع والامتيازات والإثراء غير المشروع وغيرها من الإجراءات المتعلقة بتوفير المناخ السياسي الملائم والضمانات القانونية الضرورية لنزاهة الإنتخابات ما دامت الاستحقاقات الإنتخابية ليست غاية في حد ذاتها بقدر ماهي وسيلة لبناء الصرح الديمقراطي الحقيقي باعتباره مدخلا أساسيا نحو الانتقال الديمقراطي المنشود، وسيلة لبناء دولة الحق والقانون والمؤسسات، وسيلة لإفراز سلطة تشريعية جديدة وقوية بنخبتها النيابية، قوية بأغلبية برلمانية منسجمة تنبثق عنها حكومة متجانسة، قوية بمعارضة بناءة، قوية بمصداقيتها وثقة الشعب فيها حتى تعكس التفعيل الحقيقي للدستور الجديد وتشكل بالفعل واجهة حقيقية للنموذج الديمقراطي الذي اختاره المغاربة يوم فاتح يوليوز الجاري. إن متطلبات دولة الحق والقانون تفرض ضرورة الخروج من دائرة الصمت وحالة الانتظار انسجاما مع «تعليمات جلالة الملك للحكومة، قصد العمل ، في إطار من التشاور الواسع، والتوافق البناء، على أن تكون مدونة الانتخابات، معتمدة ومعروفة، قبل سنة من موعد الاقتراع». كما جاء في الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية 2005 2006، هذه المدونة التي تنص في مادتها 44 على أن تاريخ الاقتراع والمدة التي تقدم خلالها الترشيحات وتاريخ بدء الحملة الانتخابية ونهايتها يُحَدَّدُ بمرسوم ينشر في الجريدة الرسمية قبل التاريخ المحدد لإجراء الاقتراع. في ظل هذه الوضعية المطبوعة بالانتظارية والسعي الحثيث لتجاوز ما تطرحه المرحلة من صعوبات، طلعت علينا صحيفة وطنية بخبر عقد «دورة استثنائية لمجلس النواب في 15 غشت المقبل من أجل المناقشة والتصويت على مدونة الانتخابات وقانون الأحزاب السياسية والمبادئ العامة المعتمدة في مشروع التقطيع الإنتخابي» ، متجاوزة بذلك الجدل القائم في الأوساط السياسية بشأن موعد الاستحقاقات الإنتخابية والإصلاحات المواكبة. وهذا ما يدفعنا إلى التساؤل: هل يمكن تحديد تاريخ عقد دورة استثنائية للبرلمان ، دون الإعلان عن موعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة التي تعتبر السبب الوحيد للجوء إلى هذه الدورة غير العادية للمناقشة والتصويت على مشاريع القوانين الإنتخابية ما دام المرسوم المتعلق بتاريخ الاقتراع المنصوص عليه في المادة 44 من مدونة الإنتخابات السالفة الذكر لم يخرج بعد إلى حيز الوجود؟ لماذا الإعلان عن دورة استثنائية قبل معرفة مآل النصوص التشريعية التي ستكون موضوع جدول أعمال هذه الدورة الاستثنائية التي تعقد على أساس جدول أعمال محدد إما بمقتضى مرسوم أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب أو بأغلبية أعضاء مجلس المستشارين، بحيث تختم الدورة غير العادية للبرلمان بموجب مرسوم بمجرد ما تتم المناقشة في القضايا التي يتضمنها جدول الأعمال كما تنص على ذلك مقتضيات الفصل 66 من الدستور؟. وهذا يعني أنه إذا كانت الدورة الاستثنائية للبرلمان تشكل حلقة مهمة في المسلسل الإنتخابي السابق لأوانه في ظل المرحلة السياسية الراهنة، فإنه لا يمكن الحديث عنها بمعزل عن بقية أجزاء هذا المسلسل الانتخابي، بما فيها بالأساس النصوص التشريعية المرتبطة بالاستحقاقات الإنتخابية، وفي مقدمتها القوانين الإنتخابية، القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية، القانون القاضي بتحديد شروط الملاحظة المستقلة والمحايدة للانتخابات ، هذه النصوص التي تخضع دستوريا لمسطرة قانونية محددة فيما يخص الدراسة والمصادقة عليها تبتدئ من إحالتها على مجلس الحكومة الذي يتداول فيها بصفة تقريرية بموجب الفصل 92 من الدستور الجديد، باستثناء مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بمجلس النواب ومجلس المستشارين والأحزاب السياسية التي تقتضي عرضها على المجلس الوزاري للتداول فيها طبقا لأحكام الفصل 49 من الدستور الجديد، ثم إيداع هذه المشاريع بعد المصادقة عليها بكل من مجلس الحكومة والمجلس الوزاري لدى مكتب مجلس النواب الذي يحيلها بدوره على اللجان النيابية الدائمة المختصة قصد مناقشتها والتصويت عليها قبل عرضها على الجلسة العمومية لدراستها والمصادقة عليها، ثم إحالتها على مجلس المستشارين الذي يسلك نفس المسطرة المتبعة بمجلس النواب ، مع العلم أن مشاريع القوانين التنظيمية لا يمكن التداول فيها من طرف مجلس النواب إلا بعد مضي 10 أيام على وضعها لدى مكتبه، وتتم المصادقة عليها نهائيا بالأغلبية المطلقة للأعضاء الحاضرين.