عندما أعلن جلالة الملك عن إجراء تعديل دستوري شامل في خطاب 9 مارس الجاري، لم يكتف جلالته بالإعلان عن هذا القرار فقط، بل أراد لهذا التعديل أن يستند على سبع مرتكزات أساسية تمثل توجهات عامة وأرضية عامة لهذا الإصلاح حتى لا يترك الباب أمام أي تأويل من شأنه إفراغ الإصلاح من محتواه وأهدافه الحقيقية من طرف خصوم الديمقراطية وأذنابهم كما كان يحصل من قبل عندما كان هؤلاء الخصوم يتعبأون لمواجهة أي مطالبة للاصلاحات الدستورية والسياسية باعتبارها جريمة في حق البلاد. ومن بين هذه المرتكزات «تعزيز الآليات الدستورية الكفيلة بتأطير المواطنين من خلال تقوية دور الأحزاب السياسية في إطار تعددية حقيقية بعدما أصبحت مقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 3 من الدستور متجاوزة، سواء من حيث دور الأحزاب السياسية في تخليق الحياة السياسية أو من حيث تحصين المشهد السياسي أو من حيث إعطاء التعددية الحزبية بعدها الحقيقي في المنافسة الشريفة على الأفكار والبرامج والاختيارات بعيدا عن كل ما من شأنه أن يساهم في تمييع العمل السياسي وتبخيسه وتحويله من مهامه النبيلة لخدمة أغراض أو توجهات أو أجندة سياسية معينة. إن إعطاء البعد الدستوري للتأطير السياسي يقتضي الارتقاء بالمؤسسة الحزبية إلى مؤسسة دستورية موكول إليها مهام التأطير والتنظيم والتمثيل والتكوين بمقتضى قانون الأحزاب السياسية الذي ينبغي إعادة النظر في مقتضياته حتى يترجم مضامين الخطاب الملكي الواردة في المرتكز الخامس للتعديل الدستوري ويعكس تطلعات وانتظارات المواطنين في تأهيل العمل الحزبي وتحصين المشهد السياسي وتخليق الحياة السياسية. وفي نفس السياق، ينبغي تقوية البعد الدستوري للمؤسسة الحزبية فيما يخص العمل البرلماني على مستوى المؤسسة التشريعية سواء فيما يتعلق بالتشريع، خاصة فيما يخص المبادرات التشريعية المتمثلة في مقترحات القوانين أو فيما يتعلق بمراقبة العمل الحكومي أو فيما يتعلق بالتمثيل في الأجهزة المسيرة للمؤسسة التشريعية، وذلك بإعادة النظر مثلا في الفقرة الرابعة من الفصل 37 من الدستور، والتي بمقتضاها «ينتخب أعضاء مكتب مجلس النواب لمدة سنة على أساس التمثيل النسبي لكل فريق»، الأمر الذي يعطي الشرعية الدستورية للفرق النيابية على حساب الأحزاب السياسية التي تبقى مغيبة دستوريا في كل ما يرتبط بالعمل البرلماني سواء بالنسبة لمجلس النواب أو مجلس المستشارين عندما نصت الفقرة الثالثة من الفصل 38 من الدستور على أن انتخاب أعضاء مكتب هذا الأخير على أساس التمثيل النسبي لكل فريق. الأمر الذي ينطبق بصفة ضمنية على بقية الأجهزة المسيرة لمجلسي البرلمان، بما فيها اللجان النيابية الدائمة. ولقد استغل بعض أعضاء البرلمان هذه الثغرة الدستورية «لتطبيع» الترحال السياسي والاضفاء عليه طابع الشرعية ضد أعلى أحكام المادة 5 من قانون الأحزاب السياسية التي بمقتضاها «لا يمكن لشخص يتوفر على انتداب انتخابي ساري المفعول في إحدى غرفتي البرلمان انتخابه فيها بتزكية من حزب سياسي قائم، أن ينخرط في حزب سياسي آخر إلا بعد انتهاء مدة انتدابه أو في تاريخ المرسوم المحدد، حسب الحالة، لتاريخ الاتخابات التشريعية العامة الخاصة بمجلس النواب أو بمجلس المستشارين بالنسبة لأعضاء البرلمان المؤهلين للترشح لهذه الانتخابات، حيث يتحايل هؤلاء على مقتضيات هذه المادة السياسية بما يضمن الانخراط الجماعي في بناء الصرح الديمقراطي بثقة كاملة في المستقبل انطلاقا من ورش الإصلاحات الدستورية والسياسية الذي أعلن عنه جلالة الملك في خطاب 9 مارس التاريخي.