ليس غريبا أن يتعامل البرلمان الأوربي بخجل مع انتفاضة الخبز والزيت والسكر التي قادها الشباب الجزائري ضد قادته مؤخرا، والتي توقفت مباشرة بعد تحولها إلى انتفاضة سياسية حامية الوطيس، تدعو إلى محاكمة أعضاء الحكومة و استقالة الرئيس بوتفليقة و طرد البوليساريو من على التراب الجزائري، لتتلوها انتفاضة الشباب التونسي والليبي والمصري كأقرب جار للمنطقة المغاربية، فتدخل الاحتجاجات بالجزائر في مسلسل متقطع الوصلات، بين مكر ومفر اتجاه إنزال أمني يفوق في كل مرة عدد المحتجين، إنزال تعده القيادة لإخماد صوت شعب مسروق الحقوق وثروات الوطن، بعدما اسكت النظام العسكري الحاكم للجزائر منذ زمن صوت المعارضة بالتهديد أو شراء الذمم. فالبرلمان الأوربي الذي "يحترم كثيرا" مواقف الحزب الشعبي الإسباني، جعله هذا الاحترام يؤمن بديمقراطية نسبية تتغير بتغير اسم البلد والحدود، مما جعل المواقف الأوربية الرسمية تتقاطر من كل الأفواه لتدعم انتفاضات الشعوب المقهورة بتصريحات تدعم احترام اختيارات هذه الشعوب لإرساء ديمقراطية تستثني فيها طبعا الإسلاميين. مفارقات تحيلنا للتساؤل، لماذا تلاشت هذه المواقف الرسمية الرنانة التي تتوالى على مسامعنا اليوم، خلال ثورة الخبز والسكر، ولم تدعم موقف الشعب الجزائري الذي ينتمي لنفس الرقعة المغاربية؟. وتلاشت أيضا هذه المباركات خلال أحداث "إكديم إيزيك"، حين حاول المغرب بكل شرعية المحافظة على استقراره وأمنه بطرق سلمية، و مخافة أن ينطبق على المجتمع الدولي مقولة "الساكت عن الحق شيطان أخرس"، جاءت مؤازرة الشعب الليبي نوعا ما متأخرة. رجل واحد في سيدي بوزيد أحرق نفسه فأشعل فتيل التغيير، في حين لم تكلل انتفاضة أحفاد المليون شهيد وإضرام النار لسبعة منهم في أنفسهم بنجاح يخرجهم من عهد الأنظمة البائدة، لكنهم أبانوا عن وعيهم التام بما يجري ويدور داخل كواليس مجالس الطغمة الحاكمة باسم الجيش، حيث تمرر صفقات بالملايير تسرق من كدهم وعرقهم ومن ثروات وطنهم، لتخدم طموحات نظام مهووس بالعظمة والتسلط والتسابق إلى شراء الأسلحة، نظام وصفته تقارير السفير الأمريكي السابق بالجزائر روبرت فورد التي نشرها موقع ويكيلكس، ب" نظام مريض ورئيس مريض". علقت انتفاضة الخبز والسكر الجزائرية بعدما علق النظام الحاكم أسبابها على عاتق التجار، وعلقت محاولات متتالية بعدها، لهذا الشعب الذي أفسدت سياسة قادته صلة رحمه مع مغرب عربي موحد من ليبيا إلى موريتانيا، متى ستظل هذه الرزمة العتيقة من الجنرالات وأتباعهم يعلقون تداعيات نظامهم الفاسد على رقاب الآخرين، فبالأمس أخفوا حقيقة انتحار الكولونيل عبيد قبل أن يفشي بأسرار انقلاب الزبيري الفاشل، و جعلوا مقتل بوضياف إسلامويا رغم كونه يحمل بصمات نفس أصدقاء الأمس، حقائق من ضمن أخرى رددها العديد من المفكرين والسياسيين الجزائريين خارج الحدود الجزائرية كي لا يطالهم رصاص النظام. و ليس غريبا أيضا على هذه الرزمة العالقة بمراكز القرار تزوير الحقائق و تاريخ شعبهم كما تحاول مرارا تزوير جزء من تاريخ جيرانهم، فقبل 35 سنة عمل حكام الجزائر إلى إبادة فكر وطني جماعي لصحراويين مغاربة "الأصل والمفصل"، رحلوا غدرا من جنوب المغرب إلى تندوف بحجة حمايتهم من الجيش المغربي، واليوم تدعم الديكتاتور معمر القذافي، شريكها في تبني و رعاية الجمهورية المزعومة بوليساريو، وتؤمن السماح بمرور قوافل من ميليشيات عسكرية من البوليساريو للانضمام إلى مرتزقة سيف الإسلام لقتل وذبح الشعب الليبي الأبي المناضل من أجل حريته وحقوقه، والأكثر من ذلك أن عناصر هؤلاء المليشيات سخروا أيضا لشن حرب إعلامية مزورة ضد المغرب، حين صرح بعضهم لقناة الجزيرة أنهم مغاربة ولم يعترفوا أنهم من البوليساريو، و جاؤوا لرد الجميل للقذافي الذي علمهم فنون الحرب لقتل إخوانهم المغاربة ليحكم القدر عكس ذلك بقدرة قادر وتفتضح اللعبة. لقد ظلت ليبيا تستقبل منذ سنة 1976 بعثات عسكرية وتعليمية لشباب من البوليساريو، ليوقفها القذافي في سنة 1984 ويعلق تواجد السفارة المزعومة بليبيا، بعدما عرفت العلاقات الليبية المغربية منحى جديدا من التعاون، ويستأنف في سنة 1995 استقبال هذه البعثات خاصة منها التعليمية و يسمح للسفارة الجمهورية المزعومة بممارسة نشاطها الديبلوماسي فوق التراب الليبي، بعدما عرفت العلاقات "القذافية" مع المغرب منحى آخر من التوتر، في السنة الماضية شارك فيلق من الناحية العسكرية الخامسة للجبهة البوليساريو في الاستعراضات العسكرية لاحتفالات فاتح شتنبر للثورة الليبية، مع حضور الرئيس المزعوم عبد العزيز المراكشي(احمتو خليلي) للجمهورية الوهمية، وجاءت هذه المشاركة في إطار اعتراف القذافي بالجمهورية الوهمية كدولة إفريقية، فليس غريبا إذن أن ترد هذه المليشيات الجميل لمن علمها حملهم السلاح ضد إخوانهم وأبناء عمومتهم بتنسيق ومباركة الجزائر. هذا ما نسجت الجزائر خيوطه بخيوط عنكبوتية واهية، للتآمر ضد المغرب واستغلال أي حدث إقليمي لشن حرب إعلامية مزورة، رغبة في توريط المغرب في المشاركة في سفك دماء شهداء ليبيا، ومدارات حقيقة أكثر ضياءا من الشمس هي أن المغرب بريء مما ينسبون، لكن لمن سيقلدون المسؤولية في استقرار وتدني أجور الموظفين والعمال الجزائريين طيلة حقب من الزمن؟ ومن المتسبب في ارتفاع البطالة بين شباب الجزائر من المجازين والدكاترة؟ ومن يوظف قبائل أولاد سلام ويعطيهم الإعانات بمخيمات حمادة تندوف؟ ومن يدعم قبائل موريتانية ويرسل لهم الإعانات والمؤن على حساب المحتجزين من أهل المخيمات وعلى حساب الشعب الجزائري؟ فهل تستطيع قيادة بوتفليقة والجنرالات الواقفين خلفه أن يصارحوا الشعب الجزائري المكلوم في خيرات بلده، أن الجزائر تقدم تمويلا ماليا سنويا قدره 60 مليون دولار لقيادة البوليساريو خلال مؤتمراتها الشعبية، كما تهلل بذلك الجمهورية المزعومة من خلال مواقعها الإليكترونية، دون الحديث طبعا عن أجور عساكر ومليشيات البوليساريو التي تدفعها الجزائر من خزينة المال العام، والإعانات العينية التي تقدمها لتدعم النزاع المفتعل بالمنطقة، كالبنزين وتعويضات تنقل رئيس الجمهورية المزعومة صاحب الاسم المستعار عبد العزيز المراكشي( احمتو خليلي)، وقادته. لقد تغير العالم من حول هؤلاء دون أن تتغير نواياهم في دعم الانفصال والتسابق لشراء الأسلحة، وتهريب خيرات البلاد، وعرقلة وحدة المغرب العربي ونهب حقوق الشعب الجزائري وتزوير تاريخ بلد قال عنه أحد أبنائه، وهو ابن تلمسان و الروائي الكبير والأستاذ الجامعي بجامعة السوربون بباريس "واسيني الأعرج " في كتابه ألم الكتابة عن أحزان المنفى: " متى يكتب تاريخنا بيد الذين صنعوه وبالصدق نفسه، قبل أن يكتبه الآخرون بقسوة، إن لم يكن قد شرع في ذلك؟ .