في أغنية لبنانية طريفة بعد الأحداث التي هزت تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين وغيرها من الدول العربية، يتحدث المؤلف الناظم عن الحاكم ، ويستنتج أن الحاكم لم يعد الرجل الذي يجلس على العرش سواء كان ملكا أو رئيسا أو أميرا أو شيخا ، بل هو الشارع. الشارع إذن هو الحاكم، ومع اكتشاف هذه الحقيقة وهي ليست جديدة إلا عندنا نحن العرب ، سنواجه المستقبل من منظور مختلف ، ونتعرف إلى حكم الشعب. والحاكم هي كلمة منحدرة من فعل حكم، أي تصرف في الأمر ولكنها كتعبير توحي بأن ذلك التصرف يستند إلى الحكمة وحسن التقدير والتدبير. بمعنى أن الحكم في لغتنا العربية لا يعني السلطة فقط بل يعني ما هو أكثر وأنبل من ذلك ، فهو يعني كما رأينا حسن تصريف تلك السلطة، كما إن كلمة السياسة ، تحمل في طياتها معنى أن يسوس المرء الشيء أي أن يقوده ونعود للقول بالحكمة وحسن التدبير والوصول به إلى أفضل النتائج. ولقد طرأ على لغتنا العربية تعبير جديد هو الحكامة ، وهي أفضل ترجمة وجدتها لكلمة LA GOUVERNANCE الفرنسية ، وهي ترجمة اهتدى إليها الإخوة المغاربة وعوضوا بها ما كان دارجا من تعبير الحكم الرشيد، فالحكامة تكتفي بذاتها وهي ليست في حاجة إلى ما يسندها من وصف. وقوام الحكامة هو ما يلي من تعريفات : 1-حسن التدبير 2- الإشراك 3- التشارك 4- التوافق 5-الفعالية و جودة الخدمات و التواصل 6-الرؤية الاستراتيجية . وكلمة الحاكم هي من أسماء الله الحسنى، وقد تكنى بها في الإسلام عدد من الأمراء والخلفاء تيمنا. غير أنها اتخذت منحى ومعان جديدة في عصرنا هذا ، فأصبح الناس يقولون الحاكم عن المسؤول السياسي لبلد ما، والحزب الحاكم للحزب الذي يملك الأغلبية في البرلمان، وأحيانا البرلمان كله. لكن الجديد الجديد، هو أن الحاكم الحقيقي والفعلي في ظل التطورات الأخيرة في عدد من الدول العربية بات الشعب أو الشارع ، ففي تونس وفي مصر وغدا في ليبيا ومن يدري ربما في بلدان عربية أخرى ، لم يفرض الشارع فقط إسقاط من يسمى حاكما واستبعاده، بل انتقل إلى اعتبار نفسه حارسا للثورة التي أطلقها ، وانتصر فيها وفرضها ، فتمسك بالبقاء في الشارع معتصما غير مغادر باقيا ليلا نهارا ، فارضا على الحكومات القائمة توجهات ما كانت تفرضها حتى البرلمانات. ومن هنا جاء القول بأن الشارع أصبح هو الحاكم ، يصرف من لا يرغب فيه من الوزراء وكبار المسؤولين ، بمجرد ما يبدو له من أنهم لا يسيرون وفق ما يرغب ويشتهي. هل سيستمر ذلك، لا أحد يدري ، ولكن حكم الشارع وحكم الشعب هو الأصل في الحكم متى قامت الديمقراطية الحقيقية، حيث يصبح قرار الناخبين في الإنتخابات النزيهة الشفافة ، هو القرار النهائي ولو بصورة غير مباشرة. إن ثورة تونس ومصر وليبيا وغيرها من الثورات بصدد فرض مسار سياسي جديد في بلداننا لعله يكون طريق الخلاص لأمة كم عانت من الإستبداد والديكتاتورية. ** كاتب صحفي رئيس تحرير جريدة الصباح التونسية السابق