درج البعض على إطلاق نعوت على الانتفاضات الشعبية التي شهدتها بعض الدول العربية، حيث وصفت في تونس ب «ثورة الياسمين» وفي مصر «بثورة الفل»، بل حتى في اليمن اعتبروا أنها «ثورة القات» مع العلم أن القات مخدر وهو بالضرورة مضر بالصحة، لكن مالعمل عندما تكون ثورات يشارك فيها الجميع ولا فضل لأحد فيها، فإننا نكون مضرين إلى إطلاق أي تسمية عليها حتى نزيل العتب.. قبل سنوات وفي ما أعتقد سنة 2002 كتبت في عمودي بجريدة «الاختيار الجديد» التي كانت تصدرها الشبيبة الاستقلالية، مادة بعنوان «مسيرة للتضامن مع الشعب المغربي «مناسبة ذلك العمود كانت ملاحظتي لعدد المسيرات الكثيرة التي كانت تخرج في المغرب للتضامن مع عدد من الشعوب، وتساءلت حينها أليس حريا بنا أن ننظم مسيرة للتضامن مع الشعب المغربي ...المسيرات السلمية الحاشدة في المغرب شكلت واحدا من أبرز ملامح الخصوصية المغربية، حتى لا أتورط في ترديد العبارة المبتذلة «الاستثناء المغربي»، التي أصبحت على لسان من يسيئون إلى نبلها وقوتها المعنوية ، يقول أهل المنطق «السياق يخلق المعنى»، وهي في هذه الحالة تعبر على أن المسيرات المليونية التي كانت تنظم في مختلف القضايا كانت تبدأ وتنتهي دون أي إشكالات تذكر ، والجميع يقر بأن اللجان التي كنا نجتمع فيها كمنظمين منتمين للأحزاب والنقابات والجمعيات الحقوقية والمنظمات النسائية والشبابية والمدنية ..كان يتم تجاوزها في الدقائق الأولى لبداية المسيرة، ومع ذلك كان الله عز وجل « يخرج الطرح على خير«، وفي كل مرة كانت تسير فيها مسيرة في الرباط أو البيضاء، فإننا لم نكن بحاجة إلى حواجز أمنية تفصل المتظاهرين عن الجمهور العادي، فالجميع كان يشارك ، وكانت المسيرة الواحدة تتحول على مسيرات ، بشعارات مختلفة ولافتات مختلفة غالبا ما كان يتم الاتفاق على عدم حملها إشارات تدل على الهوية التنظيمية للمتظاهرين ، وغالبا ما كان يتم تجاوز هذا الالتزام حيث يلجئ الجميع إلى سباق من أجل إبراز القوة ، وهو ما ننتقده في إجتماعات التقييم وما يتم تكرارها دائما..اليوم نحن أمام دعوات على الانترنت للتظاهر يوم 20 فبراير ، من حيث المبدأ القانوني، تظاهرة مثل هذه هي تجاوز للقانون وللحريات العامة، حيث ليست هناك جهة شرعية تبنت هذه التظاهرة وبالتالي قامت بالإجراءات القانونية اللازمة لتسييرها وفقا لمسار محدد وتوقيت معين ، لكن هل الجواب على مثل هذه التظاهرة في السياق الإقليمي والدولي يكون قانونيا وأمنيا ؟ أم جوابا سياسيا ؟ في اعتقادي أن التعاطي مع هذه التظاهرة يجب أن يكون على قدر كبير من الحكمة والهدوء، وأن الجواب السياسي هو المطلوب، وهنا نتمنى أن لا تكون هناك اجتهادات أمنية عنترية « تحول الحبة إلى قبة «، فالمطلوب اليوم من الدولة أن تبادر لكي تجعل العالم كله شاهدا على الخصوصية المغربية إن جاز التعبير ، وذلك بمنح الإعتمادات للصحافة الدولية بمتابعة التظاهرة، بل دعوة المنظمات الحقوقية الدولية كمنظمة العفو الدولية وهيومن رايتس وتش وغيرها، للمواكبة الحقوقية لكل ما يمكن أن يمس التظاهر السلمي من ممارسات، سواء صادرة من طرف قوات الأمن أو من طرف المتظاهرين اللذين يمكن أن يكون بينهم من يملك أجندات غير معلنة ويبادر إلى الاعتداء على الأملاك العامة والخاصة ، وذلك حتى لا يتحول حدث عادي في تاريخ هذا الشعب إلى « مندبة «كبيرة لخدمة مصالح لا علاقة لها بحلم الغد الأفضل لهذه الأمة. أيضا يمكن القول بأن الإعلام الرسمي يجب أن يتخلى عن عقلية «البرافدا» التي كان الاتحاد السوفياتي يغسل بها دماغ الشعب، التلفزيون الرسمي في هذه الظروف الجدية عليه أن يبتعد ولو قليلا عن «الشيخات « ويفتح نقاشا عميقا بين أبناء هذا الوطن، ليفهموا ما تحقق وما لم يتحقق بدون عقد أو تعنت، نقاش يحصن المواطن العادي من القصف اليومي ومن عملية غسل الدماغ التي تمارسها منابر، آخر شئ يمكن أن توصف به أنها منابر إعلامية مهنية وموضوعية ولسنا بحاجة إلى تقديم نماذج. ما يجري في المنطقة العربية يتم وفقا خصوصية كل بلد على حدا ولكن أيضا وفق أجندت أمريكية واضحة، تريد مسح الطاولة في هذه المنطقة من العالم بسبب عجز الأنظمة الموالية لها عن تسويق حب أمريكا رغم كل الأموال والمساعدات التي قدمتها لهذه الأنظمة المطلقة في المنطقة ، حيث تبين للإدارة الأمريكية أن من يتقوى في هذه البلدان هم الإسلاميون وهي بذلك لا تربح شيئا من الأنظمة الديكتاتورية، هذه الأنظمة التي شاخ رؤسائها وتقارير ويكليكس ، والتي بالصدفة الماكرة... تزامنت مع هذه الأحداث كانت واضحة في التعبير عن وجهة نظر الإدارة الأمريكية في قادة هذه البلدان التي يعتبر من في السبعين من العمر شابا... حيث يعانون من أمراض مزمنة قد تنهي حياتهم بين ليلة وأخرى، وبالتالي كان لا بد من إخراج أفضل لموتهم، فكانت الديمقراطية والحرية حصان طروادة لتحقيق هذا الاختراق والذي لن يتوقف حتى يطيح بإيران..بالعودة إلى وثائق ويكليكس نتساءل ببراءة... هل السفراء الأمريكيين في أمريكا اللاتينية وإفريقيا جنوب الصحراء وأسيا وأوربا الشرقية ، لا يكتبون تقارير للخارجية الأمريكية عما يجري في تلك البلدان ، ولماذا تم التركيز إعلاميا على الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ؟؟؟ أمريكا اليوم وبكل وضوح سئمت من حكام فاسدين تضخمت طموحاتهم في الحكم حتى صارت الشعوب من بين ممتلكاتهم الخاصة ، هذه الأنظمة لم تعمل سوى على» تسمين « الحقد والغضب على أمريكا وربيبتها إسرائيل ، هنا التفت أمريكا لنموذج في المنطقة هو النموذج التركي / السني ، الذي يقوم اليوم بعملية التوازن الفاعل مع إيران في المنطقة، وفي نفس الوقت يحافظ على علاقات جيدة مع إسرائيل، والأهم من ذلك يحقق ديمقراطية وتنمية عادلة بالنسبة للشعب التركي ودورا فاعلا في الحلف الأطلسي مع الحفاظ للجيش على قدرته المستمرة في ضبط الأوضاع في مجتمع يعيش علمانيته في ظل حكومة يقودها حزب إسلامي «لايت». الآن ما هي السياقات الوطنية التي تجري فيها هذه الأحداث: 1. تونس: كانت تونس تعيش منذ الاستقلال في ظل هيمنة الحزب الوحيد منذ بورقيبة ووصولا إلى بنعلي، في فترة بنعلي تطرفت الدولة بشكل أكثر وجعلت من حزبها حزبا فوق الدولة وفوق المؤسسات، حيث تم منع الأحزاب والنقابات والجمعيات التي لاتدخل في فلكه، بل حتى الصحافة التونسية، كانت عبارة عن منشور واحد بعناوين مختلفة، الجديد الذي قاد البلاد إلى الإنفجار هو تحكم عائلة الرئيس في كل مقدرات الدولة ومشاريعها، بشكل يحتقر الشعب بشكل يومي، واللذين زاروا تونس يعرفون، أن التونسي عندما كنت تقول له الحرارة اليوم مرتفعة، يجبك ب «اللا أعلم» من فرط النظام البوليسي القمعي الذي أصبح منهجا في الحكم. 2. مصر: منذ ثورة 1952 والتي شهدت إنقلابا سريعا على الرئيس نجيب، مضت الدولة تحت حكم الجيش الخارج لتوه من الثكنات، وكان الصراع العربي الفلسطيني المشجب الذي تم تعليق كل العجز الاقتصادي والفقر عليه، وتم وعد الناس بشعارات كبيرة كلها مرتبطة بأنه لا صوت يعلو فوق صوت المعركة مع الصهيونية، وتابعنا جميعا كيف ضاعت فلسطين، وضاع حق الشعب المصري الذي سكن في المقابر وأكل الرغيف المدعم الممزوج بالحشرات والجرذان. .وعندما تم توقيع إتفاقيات كامب ديفيد، قيل للشعب إننا إستعدنا سيناء، بدون حرب، وبالتالي فإن ما كانت تستنزفه الحرب من موارد سيتم توجيهه للتمنية والعدالة الاجتماعية، وفي هذا السياق إستمرت حالة الطوارئ وتعزز نفوذ الجيش، وكذلك إستمر التضييق السافر على حرية التجمع والتنظيم، وإستقر الحد الأدنى للأجور في 400 درهم، بل بلغ الأمر في نهاية حكم مجنون إلى الرغبة في توريث مصر وكأنها ضيعة للإبن البكر ..فكان ما كان. 3. اليمن : عندما عدت من اليمن في زيارة إستمرت خمسة عشر يوما سنة 2003 ، زرت فيه اليمن من شمالها إلى جنوبه ، سألني أحد الأصدقا كيف هي اليمن ، أجبته بدون تردد ، إنها التاريخ ...حضرموت وعرش بلقيس وكل المعالم الحضارية العظيمة التي تركها اليمنيون القدامى، أما الواقع فكان عبارة عن شعب تشعر بالفقر والعجز يقفز من عيونهم، شعب يتوفر كل مواطن فيه على ثلاثة قطع من السلاح، ويتم بيع الكلاشينكوف في الأسواق كما تباع ربطات «النعناع والمعدنوس « في الأسواق المغربية ، كل ذلك بجانب واقع قبلي معقد ، حيث زعيم القبيلة يتوفر على سجونه الخاصة وجيشه الخاصة ، أمام عجز كلي للدولة المركزية، إنضاف إلى ذلك أزمة تدبير الوحدة مع الجنوب حيث شعر الجنوبيون أنه تم التغرير بهم ، وتم رميهم من النافذة بعد تحقيق الوحدة ، هكذا هرب سالم البيض رئيس اليمن الجنوبي من البلاد ، وإحتكر الشماليون عددا كبيرا من المناصب المدنية والعسكرية إضافة إلى السيطرة على عدد من المنافع الاقتصادية..وإلى جانب ذلك هناك شعب يستهلك مخدر القات، أكثر مما يستهلك الهواء، هذا القان يستهلك أكثر من 60 في المئة من دخل الأسر اليمينة ، ويستهلك أكثر من 25 في المئة من الموارد المائية في بلد شبه جاف ، وتسيطر زراعته على أزيد من 60 في المئة من الأراضي القابلة للزراعة على قلتها. 4. ليبيا: ليس هناك بلد في العالم يعيش نزعة تجريبية في الحكم كما يجري في ليبيا منذ أكثر من أربيعين سنة وأعتقد أنه لا حاجة للدخول في التفاصيل. 5. البحرين: في البحرين هناك بعد طائفي ينضاف إلى مطالب الاصلاح الديمقراطي، فأغلبية السكان شيعة في حين من يحكمون هم من السنة، مقاربة طائفية مثل هذه تكفي للدلالة على أننا لسنا أمام ثورة بوعي ديمقراطية ،ينتصر للمواطنة قبل الطائفة، بل أمام فكر بدائي يعلي من شأن الطائفة بشكل غير عقلاني إطلاقا. 6. الجزائر: منذ الانقلاب على بنبلةوالجزائر تخضع لحكم الجيش ، الذي يمكن أن نقول بصدده، إذا كانت كل بلدان العالم تتوفر على جيوش، فإن الجيش الجزائري يتوفر على دولته... الجيش في الجزائر إستثمر كل الثروات التي تنام عليها الجزائر لتحقيق ثلاثة أمور : الأول : هو بناء نظام قمعي لم يتردد في ذبح أزيد من 200 ألف جزائري في فترة التسعينات .الثاني : بناء ثروات خاصة مهولة وتقسيم القطاعات الاقتصادية في البلاد بين كبار قادة الجيش .الثالث : تصفية الحساب مع المغرب لفك عقدة حرب الرمال، وذلك بالدعم السخي والتبني المطلق لكركوزة تدعى جبهة البوليساريو، التي كلما ثار الشعب الجزائري، يبدأ بحرق مقراتها. بالتأكيد هناك بلدان عربية أخرى سيأتي عليها الدور ..لكن هل كل ما قلناه أعلاه ينطبق على المغرب، بكل تأكيد لا، هذا هو الاستثناء المغربي بدون تعنت أو مفاخرة أو مبالغة، بل حتى الدعوة الأخيرة للتظاهر يوم 20 فبراير فإنها تحمل بعضا من ملامح هذا الاستثناء تأملوا معي: 1. بعض من الشباب الذي يقدمون على أنهم أصحاب هذه المبادرة، عدد منهم هم من أبناء قادة في الجمعية المغربية لحقوق الإنسان وحزب النهج الديمقراطي إذا كان هناك فرق أصلا بين الإطارين، وكمثال على ذلك إبن رئيسة الجمعية السيدة خديجة الرياضي، إنتبهوا كيف أن شابا لم يقتنع بجمعية ترأسها والدته وحزب تنتمي إليه، فلم يجد بدا من اللجوء إلى حزب « الفيسبوك «... 2. طلعت علينا بعض الجرائد بالسير الذاتية لبعض الشباب الداعين للتظاهر، ومن بين هؤلاء من لم يتجاوز 17 سنة، وهنا في الواقع نكون أمام طفل، أليس هذا «إستثناء مغربيا»...