الأحداث التي عرفتها كل من تونس ومصر ربما كانت مفاجئة بالنسبة للبعض خاصة ممن كانوا يحتكرون السلطة ويعتقدون أنهم أغلقوا كل المنافذ التي يمكن أن تهب منها رياح التغيير حتى جاءهم الخبر اليقين من الشارع الذي كشف إفلاس سياساتهم وهتف بإسقاطها وفتح باب التغيير الجذري على مصراعيه. وخاطئ من يعتقد أن الأمر يعني تونس ومصر دون غيرهما، لأنه على الرغم من وجود بعض الاختلافات في الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فإن هناك عددا من القواسم المشتركة بين دول المنطقة، ومن المفروض استخلاص الدروس والعبر الضرورية لأن الشعوب في سعيها لتحسين أوضاعها بقدر ما تميل للوسائل السلمية فإنها لا تقبل احتقار إرادتها وتقييد حريتها والاستهانة بطموحاتها ومصادرة حقها في تدبير شؤونها بنفسها. ويمكن الإشارة بإيجاز إلى أهم الدروس التي يجب استخلاصها في المنطقة العربية من انفجار الثورة في تونس ومصر فيما يلي: - فشل تجربة الحزب الموالي للسلطة والمدعوم من طرفها أو الحزب الأغلبي المصطنع الذي ثبت أنه يكون بمثابة مركز جذب لذوي المصالح الخاصة والوصوليين والانتهازيين، ويحلق حوله الفاسدون الذين يراكمون الثروات بوسائل ملتوية أو غير مشروعة ويرغبون في المزيد مع الحماية السياسية التي لا يمكن أن يضمنها سوى حزب السلطة. - فشل الاعتماد على الفاسدين من الأعيان في تكوين جدار لتحصين مواقع السلطة، وخطورة ترك الأعيان "يتنافسون" على المؤسسات التي تمنحهم الحصانة في مقابل إقصاء النخب السياسية. - إفلاس التوجه الهادف لتحجيم أو استئصال قوى سياسية نابعة من المجتمع وذات تمثيلية داخله في محاولة لإبعاد تيارات معارضة والتحكم في الحياة السياسية، وخطورة إقصاء أو تهميش أو تمييع الهيئات التي يعهد إليها في الدول الديمقراطية بتأطير وتمثيل الفئات الشعبية المختلفة من أحزاب سياسية ومنظمات نقابية وجمعيات مدنية. -خطورة احتكار السلطة من طرف جهة واحدة وتغييب أو تمييع الآليات الديمقراطية للتداول، ويزداد الأمر خطورة حينما يقترن احتكار السلطة بالهيمنة على الثروة في غياب شروط التكافؤ وانعدام آليات التوزيع العادل للخيرات. -عدم الجدوى من مؤسسات تمثيلية شكلية لا تستطيع من حيث تركيبتها ولا من حيث الصلاحيات المخولة لها أن تستجيب لرغبات الشعب. - نهاية الوهم الذي كان لدى البعض بأن الشباب لا يهتم بالسياسة لأن عدم الإقبال على الانخراط في الأحزاب بسبب تمييع المشهد الحزبي لا يعني تخلي الشباب عن حقه في التعبير عن رغباته وحقه في الشغل والحياة الكريمة في ظل مؤسسات ديمقراطية تتجاوب مع طموحاته وتطلعه الدائم للتغيير نحو الأفضل -عدم الجدوى من تقييد الحريات بما فيها حرية التجمع والتظاهر السلمي والتعبير عن الرأي ولا فائدة من مصادرة الرأي المخالف خاصة بعد التطور الذي عرفته وسائل الاتصال. - لا يمكن ضمان الاستقرار والاطمئنان إلا بإقرارالديمقراطية الحقيقية التي تتيح لكل المواطنين، رجالا ونساء على قدم المساواة، حق المشاركة في تدبير الشأن العام، عن طريق ترشحهم للانتخابات العامة، أو انتخابهم لمن ينوب عنهم في تنفيذ الخيارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي يرتضونها، بعد الاطلاع على البرامج والتدابير التي تقترحها الهيئات السياسية في إطار تعددية حزبية تلقائية يُتاح لها التنافس على أساس التكافؤ، وتبقى كلمة الفصل للشعب في انتخابات حرة ونزيهة، تجري بكيفية دورية، وتكون بمثابة سلطة للناخبين، يتمكنون بواسطتها من الاختيار بين الموافقة على استمرار نفس التوجهات والبرامج، أو تغييرها إذا اعتبروا أن مصلحتهم العامة تقتضي ذلك، ولا تنتظم الحياة الديمقراطية إلا بدستور ديمقراطي يخول للمؤسسات المنبثقة من إرادة الشعب الصلاحيات الكافية لتنفيذ البرامج التي تحظى بتزكية أغلبية الناخبين، ويضمن مراقبة ومساءلة الساهرين على تدبير الشأن العام. إن شعوب المنطقة العربية تتطلع إلى التغيير ومن حقها أن تعيش في ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية أفضل مما هي عليه، ومن الممكن تحقيق ذلك بالنظر لما تتوفر عليه هذه المنطقة من كفاءات وطاقات وخيرات، وقد فتحت ثورة تونس ومصر ثغرة واسعة في الجدار السميك الذي طالما حجب صوت الجماهير المتطلعة للحرية والديمقراطية الحقة والكرامة الإنسانية والتقدم، إنه الصوت الذي لم يعد بالإمكان مصادرته أو قمعه.