تحرك شعب مصر ليبدع ملحمة جديدة من ملاحم الكرامة والحرية بعد عقود من القهر..تحرك شعب مصر ليدون فصلا جديدا رائعا من فصول التاريخ.. عندما يتحرك الشعب يتحسس نبضه الشرفاء والعقلاء، إن لم يستطيعوا أن يكون قادة فليكونوا من جنوده..ويظل طلاب الشهوات يتمسحون بأعتاب الطغاة، ويمسحون أحذيتهم. الشعب ينتفض ثائرا، أو يثور منتفضا، وسفينة الطغاة توشك أن تغرق... فيستجير ربانها العنيد بالأشباح التي لا تزال تتسقط الفتات من مائدته..هل عاد يملك شيئا بعدما قال الشعب كلمته؟ الشعب قد أفتى وقال: ارحلْ والشعب إن ينطقْ هو الفيصلْ والله قد يمْلي لطاغية لكن، تعالى الله، لا يهمل في هذه اللحظة التاريخية تشتعل نار تميز الخبيث من الطيب، ويتبين من هو حقا في صف الشعب، ومنحاز للشعب، ومن كان يتاجر بجروحه كاذبا.. وينقسم المثقفون أزوجا ثلاثة: طائفة تنحاز إلى الشعب، وترفع صوتها عاليا.. وطائفة تتمجد متمسحة بالأصنام الآفلة، وطائفة تدركها الحيرة، فهي لا إلى هؤلاء وإلى هؤلاء.. فأما الذين نذروا حياتهم للفجر الجديد فينحازون للشعب وآماله، ويتحملون معه آلامه وعقبى آلامه، يرفعون صوتهم عاليا ليمتزج مع الأصوات المنادية بسقوط الأصنام.. يظهر من هؤلاء العلماء والمفكرون والأدباء والفنانون والصحافيون.. يظهر الدكتور محمد سليم العوا، مجلجلا بصوته، والأستاذ فهمي هويدي، مبصرا العالم بحقيقة ما يجري، ويظهر الشاعر الشعبي محمد فؤاد نجم الذي ما وهن ولا ضعف ولا استكان.. وكما وقف ضد اتفاقية كامب ديفد المشؤومة ورئيسها، منذ أربع وثلاثين سنة، يقف اليوم ضد آلة القمع الجهنمية ويغني للحرية وللشعب.. شاعر كانت كلماته تترقرق على شفتي الشيخ إمام، إيقاعا ثوريا يندد بالتطبيع وبالاستبداد، ويغني (الأرض بتتكلم عربي) فيلتهم السجن الشاعر والمغني وبقية الأحرار.. ذلك عهد مضى.. ولم يمض.. رحل المغني، ورحل الحاكم، وبقي الشاعر يقف الموقف نفسه مع نيرون الجديد.. ومن النساء تبرز حرائر مصر غاضبات، يرفعن أصواتهن في ميدان التحرير، هذا الميدان الذي اكتسب اسمه من حرية كاذبة يصبح اليوم فعلا ميدانا لحرية صادقة مباركة.. ومن حرائر مصر اللواتي صدعن بالحق نوارة نجم.. تدون يوميات الثورة، معلنة أن الثورة لن تتوقف حتى يقف نيرون معلنا في الناس: (أنا فهمتكم)..لتوحد بين تونس ومصر... أحمد فؤاد نجم، ونوارة نجم.. نجمان يسطعان في سماء مصر، لينقلا أحاسيس النيل إلى العالم كله.. تبدأ السفينة في الغرق في بحر الثورة الهادر، ويستجير ربانها بمن لا يجير، ساعيا إلى مغالبة اللحظات الأخيرة..ولكل فرعون هامانه، ويجد الحاكم المستبد بشعبه في بعض المثقفين، ممن زعموا أنهم يحملون راية التنوير والحرية، حبل نجاة، ولكنه حبل واه ضعيف، منسوج من خيوط العنكبوت.. وعلى رأس هؤلاء جابر عصفور الذي اختار أن ينحاز إلى الطغاة ضد الشعب، وليتبين للناس حقيقة الحرية التي كان ينادي بها، كاشفة لذي عينين..كم كان يحدثنا عن التحرر، وعن التنوير، وعن التغيير، وهو يكتب (هوامش على دفتر التنوير)، فإذا هو يكتب اليوم (هوامش على دفتر التزوير).. وكما زورت وزارة الداخلية الانتخابات بشكل فضحته المظاهرات المليونية في أنحاء مصر ومحافظاتها كلها، جاء وزير الثقافة الجديد ليزور دور المثقف العضوي..عن أي حرية كان يتحدث؟ وإلى أي تحرر سيسعى؟ لمن لا يزال في قلبه شك أسوق هذه الحادثة: في معرض الشارقة الدولي للكتاب لهذه السنة، ألقى يوسف زيدان محاضرة عن الأدب والتاريخ، لفق فيها ما شاء له التلفيق على عادته، وقد أثار القاعة عندما راح يشكك في طبيعة عدوان إسرائيل الأخير على غزة، ويشكك في حقيقة المقاومة.. ولكنْ لهذا حديث آخر.. ما يهم هنا هو أنني، أثناء المناقشة، تناولت الخلل الفني والحضاري الوارد في روايته (عزازيل)، فانزعج انزعاجا شديدا وقال لي: (أنت جبار)، وقد حاول أن ينكر بعض الشواهد التي أوردتها من روايته.. هذا الرجل وجد من يدافع عنه بالباطل، وهو جابر عصفور، الذي قام ليقول إننا بحاجة إلى مزيد من التحرر، وإلا وقعنا في التطرف، وحدث لنا ما حدث في الجزائر.. وقد عجبت وعجب غيري أيضا لهذا الربط بين مناقشة عمل فني وبين الحديث عن التطرف..ثم أضاف (إن "هيبا" بطل الرواية هو كل شاب مصري يتجول في أنحاء القاهرة..) ..عجا! كيف جاز له أن يسب شباب مصر بهذه الطريقة؟ من هو "هيبا"؟ وما مواصفاته في رواية يوسف زيدان؟ إنه شاب ينتظم في سلك الرهبنة، ولكنه في سلوكه يجمع كل ألوان الانحطاط.. شهواني، يضحي بمبادئه في سبيل اقتناص لذة عابرة.. جبان، لم يستطع أن يدافع عن "هيباتا" وهي تتعرض للتعذيب، مراوغ، نرجسي، لا يراعي إلا ذاته..مريض نفسيا، يكره أمه وأباه..وهو باختصار يجمع كل المثالب التي قد لا تجتمع في شخص واحد.. هذا هو "هيبا" يوسف زيدان.. فكيف رضي جابر عصفور أن يجعله رديفا لشباب مصر؟ أليست هذه سبة؟ لا، يا معالي الوزير، شباب مصر ليس "هيبا"، شباب مصر هو هذا الشباب الواعي المضحي الثوري الذي يأبى الذل والخنوع، ولا يجعل همه في بطنه وفرجه.. شباب مصر همه أن يموت دون هدفه، وهدفه هو أن يحقق الكرامة لشعبه، والعزة لبلده، والفخر لأمته كلها.. شباب مصر هو هذا الشباب الذي يبيت الليالي ذوات العدد معتصما، لا يبالي بالبرد ولا الجوع..ولا برصاص نيرون وزبانية من (البلطجية) بحسب تعبير إخواننا أهل مصر الحبيبة...يستقبل الرصاص بصدره عاريا، وهو لا يملك ما يدافع به عن نفسه إلا يقينه بأن النصر من عند الله.. وأن الطغاة إلى زوال.. شباب مصر هو الذي زور صورته مثقفو التزوير، فنهض منتفضا ليقدم بنفسه صورته إلى العالم.. شباب مصر ليس هو ما تصوره الروايات الساقطة، مثل: (عزازيل)، و(عمارة يعقوبيان).. شباب مصر هو الذي يبيت الليل كله يحرس مجد مصر من عصابة السوء.. شباب مصر هو هذا الذي يصنع اليوم بدمه فجر مصر الآتي.. فأصيخي يا مصر، واستجيبي لنداء شبابك الحي! وليذهب الطغاة وهاماناتهم إلى الجحيم! الشارقة في 3 فبراير 2011