أحفاد ابن بطوطة لم يتركوا بلدا في العالم إلا وحطوا به الرحال، الدوافع تختلف من شخص لآخر لكن الجميع يتوحد في البحث عن أفق جديد وركوب مغامرة قد لا تُعرف نهايتها ..هنا في جنوب إفريقيا تعتبر هجرة المغاربة حديثة العهد، وأولى الموجات كانت مع بداية التسعينات خاصة بعد انهيار نظام الفصل العنصري، في كثير من الحالات كانت جنوب إفريقيا طريقا للعبور نحو الفردوس الأسترالي، فتحولت بحكم الفرص التي تتيحها إلى بلد للاستقرار حيث تشير آخر الأرقام التي تتداولها الجالية هنا إلى أن عددها بلغ ما يقارب 4000 مهاجر ..يشغل المغاربة هنا عددا من الأنشطة الاقتصادية، يغلب عليها التجارة والاستثمار في قطاع المطاعم والأكلات السريعة، وهناك عدد آخر وخاصة في كيب تاون تمكن من دخول عالم المافيا المحلية والدولية واستطاعت مجموعة كيب تاون أن تصنع هيبة للمغاربة هنا، فلا يتعرضون لاعتداءات بحكم طقس الإجرام الذي يغلب على هذا البلد، إذ ارتبطت مجموعة كيب تاون لسنوات بمختلف أنواع الجريمة المنظمة والتجارة في المعادن النفيسة والمخدرات بكل أشكالها، وعرفت بسمعته الخطيرة في الأعمال الإجرامية، غير أن هذه الصورة بدأت تتغير في اتجاه الأعمال المشروعة لكن مع احتفاظ المغاربة بالاحترام اللازم...الهجرة هنا يغلب عليها الطابع الذكوري وتعتبر هجرة الإناث حديثة العهد وغالبا ما ترتبط بالزواج من جنوب إفريقيين ولحد الساعة تعتبر هذه التجربة حسب أفراد من الجالية هنا مؤلمة من خلال عدد من الحالات التي تورطت في زيجات غير محسوبة العواقب، هنا التعدد ليس جريمة يعاقب عليها القانون ورئيس الجمهورية متزوج بأكثر من أربعة نساء، بعض المغربيات صدمنا عندما حضروا إلى هنا واكتشفوا أن الأزواج اللذين ربطوا مستقبلهم بهم هم في الحقيقة لهم أبناء وبنات من زيجات أخرى يفوقونهن عمرا وتبقى السفارة المغربية الوجهة الرئيسية للمتضررات، لكن دون رهان كبير على إيجاد حلول بالنظر إلى طبيعة العلاقات الثنائية وتعقيدات القوانين المنظمة للأسرة .. خالد، حسن، عادل، معاذ...وأسماء أخرى احتضنت الوفد الشبابي المغربي المشارك بدفء كبير، لم يمض يوم واحد لم يكن فيه أحد المغاربة هنا يقدم كل المساعدات لمختلف المشاركين من الوفد المغربي، كنا بالنسبة إليهم ضيوفا من أسرهم الصغيرة، ما أن تلتقي بأحدهم حتى يغرقك في خدمات ومعلومات لول وجودهم لتطلب منا الأمر أياما لمعرفتها، وضعوا الأعلام الوطنية في محلاتهم التي كانت ملتقيات يومية للشباب المغربي، حكاياتهم هنا لا تنتهي، لكنها في أغلب الأحيان حكايات مشرفة عن النجاح الذي عرفوا هنا كيف يحولوه إلى خاصية مرتبطة بالمغاربة ..حسن التوري رافق الوفد المغربي في عدد من المواجهات مع عصابة البوليساريو، بل بلغ به الأمر إلى خوض مواجهة فردية وبطولية لوحده، حيث اقتحم ذات صبيحة جموع الانفصاليين حاملا العلم الوطني صائحا «عاش المغرب، عاش الملك»، الانفصاليون أصيبوا بالصدمة قبل أن يعمد أحدهم إلى مهاجمته بشكل هستيري، ويدخل معه حسن في مواجهة ستنتهي صبيحة اليوم الموالي باعتقال فردين من البوليساريو ودخول حسن التوري إلى المعرض الدولي مرفوقا بعدد من رجال ونساء الشرطة، أفراد البوليساريو لم يفطنوا إلى أن حسن التوري يملك الجنسية الجنوب إفريقيا فما كان منه سوى أن إستغلها أفضل استغلال في مواجهة خصوم الوحدة الترابية. نغادر جنوب إفريقيا ونحن نحمل لهؤلاء الشباب ذكريات لن تنسى وجميلا فوق رؤوسنا ما بقي في العمر من سنوات، كانوا بالنسبة لنا أسرة كبيرة، احتضنوا نقاشاتنا حول الوطن الذي تركوه منذ عشرين سنة والوطن اليوم وخوفنا عليه غدا... درسهم هنا هو كلما بعدت المسافة عن الوطن كلما عوضت بحب كبير، في الأيام الأخيرة كنا نشعر بنبرات حزن في كلامهم ولمعان إضافي في عيونهم، وكنا جميعا نتواطئ في عدم إثارة موضوع قرب مغادرتنا لبريتوريا والعودة إلى الوطن، نحن الآن في الأجواء بين أبوظبي والدار البيضاء ..نتمنى لو غادرنا على متن فاكس...وإلى لقاء ملاحظة: عمود يوم أمس تسببت أسباب تقنية تتعلق بالانترنت في عدم وصوله للجريدة، فمعذرة للقراء الكرام. [email protected]