... كثيرون لا يدركون حجم خطورة الأحداث التي شهدتها مدينة مراكش في أعقاب مباراة الكوكب والوداد البيضاوي ، وفي نفس الوقت كثيرون هم الذين استغربوا العقوبة التي قررتها المجموعة الوطنية في حق أولمبيك آسفي والكوكب المراكشي ، نظرا ، أولا لقساوتها خصوصا في حق الكوكب ، وثانيا لعدم استنادها الى المنطق ... وأعتقد أن المجموعة الوطنية ما كانت لتفرض سرعتها المفرطة في إصدار هذه العقوبة وبتلك القساوة ، لو لم تهرول وزارة الشبيبة والرياضة والوزيرة نوال لتقفز مباشرة إلى الموضوع من خلال بلاغها عن الأحداث ، في الوقت الذي لم تستطع فيه المجموعة أن تتعامل بنفس السرعة مع موضوع اعتراض أولمبيك خريبكة فيما يصطلح عليه بقضية أجانب الوداد الثلاثة ... ومع أحداث أخرى مشابهة لأحداث مدينة مراكش .... فحتى وإن كنا ضد ما بدر من أولئك الصبيان ونطالب بزجر كل المتسببين فيه ، فإننا ضد أن تكون الفرق هي الضحية الكبرى لأفعال ليست مسؤولة عنها مباشرة .... لأنها خارجة عن سيطرتها خصوصا فيما يتعلق بما أعقب المباراة خارج أسوار الملعب ورقعته ... بل إن كل ما تم داخل الملعب في فترة من الفترات لم تكن لها يد فيه اللهم إلا اذا تعلق الأمر بعدم توفير العدد الكافي من رجال الأمن ، والحال أننا شاهدنا كيف أن هذا الجانب كان في الموعد بهراواته وخوذاته وكلابه المدربة وما إلى ذلك من الضروريات الكفيلة بحفظ النظام وسط الملعب وحماية المتبارين والحكام ... فلماذا إذن عوقبت الكوكب بكل تلك القساوة ، هل لأن الوزيرة دخلت في "المعمعة " وكان لا بد من "تعليق" الكوكب غرار ذلك الحجام مع أنها لم تكن مسؤولة كما قلنا عن الأحداث؟ إننا ندرك حجم الخطورة التي يمكن أن تتسبب فيها حالات الشغب التي بدأت تتنامى في مدرجات ملاعبنا وخارجها، ولعل ما شهدناه يوم السبت الماضي ليؤكد أن كرة اللهيب المتدحرجة لهذه الآفة لم يتوقف منذ الموسمين الماضيين ، ولم تنفع معه عقوبات نقل المباريات ولا إقامتها بدون جمهور؛ لأن مثل هذه العقوبات وإن بدت حلولا لكنها لا تتعدى كونها اختباء وراء حقيقة ظاهرة مشينة أبطالها صبيان يندسون وسط جماهير الكرة لتفيجير سلوكاتهم المتدنية وإتيان النهب والسرقة والتخريب والإعتداء على متاع الغير ، ولا نظن أن متفرجا عاديا على الكرة سيقوم بكل تلك الأعمال الجنحية لو لم يكن من الصنف "الجديد" لقطاع الطرق الذي بدأ يترعرع بيننا ... إنني أعرف ان كثيرين لا يروقهم مثل هذا التصوير ويعتبرونه طرحا مجانبا للحقيقة ، لكن مجرد وقفة تأملية أمام أبواب أحد ملاعبنا يوم أية مباراة تعطينا الصورة المثلى عن سن الذين يرتادون الملاعب وعن شكلهم وتصرفاتهم التي لاشك أنها تكشف وجها قبيحا لكرتنا الوطنية ، بالتأكيد سيزداد قبحا إذا لم نتعامل معه بما يلزم من حيطة وحذر ، وإذا لم ينتبه أولياء كثير من الشبان إلى أبنائهم وتربيتهم ، وإذا لم تتعامل الجهات الأمنية بما يلزم من الحزم مع هذا الخطر المتصاعد وتقديم من يخرج عن الصف إلى مراكز إعادة التربية التي تسهر عليها وزارة الشباب والرياضة ، فهي إذا لم تساهم في هذا الجانب فلماذا تصلح إذن، فكما تسهر على إعادة تربية المجرمين الأحداث بإمكانها أن تقوم بنفس الدور مع جمهور الكرة الذي يخرج عن القانون ، ويعبث بها في كل مناسبة رياضية... ولسنا في حاجة للتذكير بأن ظاهرة العنف والشغب أصبحت ظاهرة واسعة الإنتشار في الملاعب الرياضية، وهذه الظاهرة ليست حديثة في المجال الرياضي وإنما هي ظاهرة قديمة قدم الرياضة التنافسية، ولكن الجديد هنا هو تعدد مظاهر العنف والشغب وتغير طبيعته، حيث أصبحت هذه الظاهرة تتعدى حدود الملاعب الرياضية. فالكثير من الجماهير الرياضية أخذت تحتفل أو تغضب بطريق غير حضارية عن طريق الإعتداء على الآخرين وإلحاق الأذى والضرر بهم أو بممتلكاتهم. وقد عرّف السلوك العدواني على أنه "السلوك الموجه بهدف إيذاء كائن حي يحاول تفادي الأذى". وقد يكون السلوك العدواني بدنيًّا أو لفظيًّا يهدف إلى إلحاق الأذى الجسدي أو الضرر النفسي بالآخرين. ويفرق المتخصصون في علم النفس الرياضي بين نوعين من أنواع العنف وهما: العدوان كغاية، والعدوان كوسيلة. فعندما يكون الهدف من السلوك العدواني هو إيذاء الآخرين وإصابتهم بضرر والتمتع بمشاهدة الألم أو الأذى الذي يلحق بهم من جراء ذلك، يعتبر العدوان غاية بحد ذاتة. أعود للعقوبة المفروضة على الكوكب لأؤكد على الفائدة التي سنجنيها من وراء ذلك ، في الوقت الذي راح فيه كل من تسببوا في الأحداث إلى حال سبيلهم ، وهل توقيف ملعب الحارثي هو القرار الذي لا مفر منه للقضاء على آفة الشغب ، وهل بتوقيفه سنربي جماهيرنا ؟ لا أظن ذلك ... لأن ما صدر لن يصدر من جمهور كروي عاد...ثم هل إذا تكرر نفس المظهر بعد انتهاء مدة العقوبة وبمراكش سنعود مرة أخرى لمعاقبة الكوكب؟