العدل أساس الملك وقاضيان في النار وقاضي في الجنة...موضوع القضاء والسياسة مما يجب أن تكتب فيه الكتب والأطروحات الجامعية، بالنظر إلى أهمية دور القضاء في تثبيت الديمقراطية ودولة المؤسسات التي لا تميز بين الأفراد والمجموعات سوى طبقا لما تقوله النصوص القانونية، التي يعرف المبتدئون في القانون أنها ليست نصوصا جامدة سلبية بل هي تعبير عن وقائع اجتماعية ولميزان قوى داخل المجتمع ...ترانسبارنسي المغرب أوضحت في تقريرها الأخير أن القضاء هو واحد من أبرز القطاعات الأشد هشاشة أمام ظاهرة الرشوة، وعندما نتحدث عن الرشوة في القضاء فإننا نتحدث عن رقاب وأرزاق تقطع ظلما لملئ حسابات بنكية هنا وهناك، وبدل إشاعة العدل يتيم إشاعة اليأس وفقدان الأمل الذي يتحول إلى كفر بالدولة وكل ما يأتي منها...الفرق بين القضاء في بلدي والقضاء في مصر في معالجة القضايا السياسية وخاصة المنازعات الانتخابية، هو أن القضاء المصري راكم الكثير من الممانعة في وجه السلطة التي يسود فيها لسنوات حزب وحيد، ويمكن اعتبارها جدار الصد الأخير المتبقي في أرض الكنانة، ومواقفه الأخيرة من إبطال عدد كبير من الدوائر الانتخابية في الانتخابات التشريعية التي شهدتها مصر وأدخلتها في حسابات كانت في غنى عنها، بل دهب بعض القضاء هناك إلى حد المطالبة بالإبطال الكلي للنتائج والدعوة إلى إنتخابات جديدة...الوضعية المادية للقضاة في مصر تبقى متواضعة بالمقارنة مع نظرائهم المغاربة ...القضاء المغربي كانت له عبر التاريخ لحظات مد وجزر في إقامة العدالة على هذه الأرض الطيبة، فمن محاربة الأحزاب الوطنية والعمل السياسي بمختلف مرجعياته الأيديولوجية إلى محاكمات الرأي والتضييق على حرية الصحافة، لقد كان القضاء في بلادي يمثل رجع الصدى للواقع السياسي الذي كان غارقا في الحكم المطلق، هذا لم يمنع أن تكون في تاريخه فلتات منيرة لا زالت بذورها الطيبة مزروعة في جسده العليل ...الحكم الأخير الذي أصدرته المحكمة الإدارية بالرباط في الدعوة التي رفعها مستشارون من العدالة والتنمية في المجلس الجماعي بطنجة ضد انتخاب عمدتها المنتمي للبام ونوابه والقاضية ببطلان هذا الانتخاب، إنتخاب عمدة طنجة سبق وأن كتبت في هذه الزاوية ما يغنيني عن إضافة شئ جديد من وحي الحكم القضائي الأخيرة، ماذا كتبت؟ كتبت مايلي: «فؤاد العماري كان وصيفا في قائمة امحمد احميدي بمقاطعة امغوغة، احميدي الذي قدم استقالته النهائية من المجلس قام بذلك في إطار سيناريو وضعه حزب الأصالة والمعاصرة لفسح المجال إلى مرشحه فوق العادة [يكفي أنه فؤاد والعماري في نفس الوقت] لمنصب العمدة ، سيناريو الأصالة والمعاصرة شيء والقوانين شيء آخر ..ماذا يقول الميثاق الجماعي في هذه النازلة؟ ..يقول مايلي: تنص المادة السادسة من الفصل الثاني المعنون ب «المكتب»، «...وبالنسبة للجماعات التي ينتخب أعضاء مجلسها باللائحة، يتم انتخاب رئيس المجلس الجماعي بالتصويت السري وفي نفس الجلسة من بين الأعضاء المنتخبين المرتبين على رأس لوائح المترشحين، ويقصد برأس اللائحة المترشح الذي يرد إسمه في المرتبة الأولى على رأس لائحة المترشحين حسب الترتيب التسلسلي في هذه اللائحة.. وفي حالة وفاة المترشح المرتب على رأس اللائحة يرتقي المرشح الذي يليه في المرتبة في نفس اللائحة للترشح لشغل منصب الرئيس...وفي حالة شغور منصب رئيس المجلس الجماعي لأي سبب من الأسباب يترشح لشغل المنصب المرشح الذي يليه مباشرة في نفس اللائحة إلى جانب المنتخبين المرتبين في المرتبة الأولى للوائح الأخرى، مع مراعاة المقتضيات السابقة من هذه المادة» هنا ينتهي القانون ويبدأ العبث، القانون واضح ..لا حق للسيد فؤاد العماري في الترشح لعمادة طنجة في كل السيناريوهات التي تستحضر القانون، لكن عندما يتوارى القانون إلى الخلف يصبح كل شيء ممكن، هذا ما يدفعنا حقيقة إلى الخوف على المستقبل، ونتمنى أن يكون القضاء في الموعد بعد أن تخلفت الداخلية عن القيام بواجبها برفض ترشيح السيد العماري ...أما إذا سار القضاء على نحو ما سبق وأن سار عليه في قضية الترحال، فلابد أن نعلن صراحة عن نهاية مرحلة معلومة وبداية مرحلة مجهولة، اللهم يالطيف...». [email protected]