سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
تأكيد الموقع المركزي لورش مكافحة الفساد في الانشغالات الوطنية والاستراتيجية الحكومية محاربة الفساد تتطلب تعبئة شمولية وانخراطا جماعيا لبناء تحالف موضوعي لمواجهة الظاهرة
ترأس الوزير الأول، يوم الخميس 2 دجنبر 2010 بالرباط، افتتاح اللقاء الإقليمي حول «الآليات المؤسساتية للوقاية من الفساد. وألقى بالمناسبة كلمة قال فيها: بسم الله الرحمن الرحيم السادة الوزراء ؛ السادة السفراء ؛ السادة النواب والمستشارون ؛ السادة الخبراء وممثلو الدول الشقيقة والصديقة؛ السيد رئيس الهيئة المركزية والسيدات والسادة الأعضاء ؛ حضرات السيدات والسادة ؛ يسعدني أن أعبر لكم عن اعتزاز المملكة المغربية باحتضان فعاليات هذه التظاهرة الإقليمية، مرحبا بشكل خاص بضيوفنا الكرام، مسؤولي منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وممثلي الدول الشقيقة والصديقة، وبأصحاب المعالي والسعادة والحضور الكريم، ومعربا عن متمنياتي لجميع الضيوف بالمقام الطيب في بلدهم المغرب. وأغتنم هذه المناسبة لأعرب لمسؤولي منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية عن تقديرنا الخاص للمجهودات التنموية التي ما فتئت تضطلع بها هذه المنظمة العتيدة، ولمبادرات التعاون ومد جسور التواصل التي عودتنا من خلالها على تفاعلها الموضوعي والإيجابي مع مشاريع التحديث بشكل عام، وبرامج مكافحة الفساد بشكل خاص. كما أجدها فرصة مواتية، ونحن على مشارف الاحتفاء باليوم العالمي لمحاربة الرشوة، ثم بذكرى اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لأؤكد بأن هذا اللقاء يكتسي مغزى دالا يؤكد الموقع المركزي لورش مكافحة الفساد في انشغالاتنا الوطنية واستراتيجيتنا الحكومية. كما يعتبر هذا اللقاء ذا أهمية خاصة بالنسبة لبلادنا، لكونه يأتي في سياق التمهيد لاحتضان المملكة المغربية في أفق 2011، للدورة الرابعة لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد، بالإضافة إلى اختيار بلادنا للاستعراض الخاص بتقييم تنفيذ هذه الاتفاقية من طرف فريق الخبراء الأمميين. وأرى من المناسب في هذا المقام، التذكير بأن المغرب كان سباقا إلى إبداء تجاوب موضوعي مع القرار الأممي المتعلق باعتماد آلية مكونة من فريق من الخبراء الحكوميين الدوليين مكلف بهذا الاستعراض، حيث أكد استعداده التام للتعامل مع الآلية الأممية المذكورة. وهذا موقف ينسجم تماما مع اختيارات المغرب الراسخة والدائمة في إفساح المجال نحو الوصول إلى معلومات موضوعية ودقيقة وشفافة تسمح لكل الأطراف المعنية بإجراء تقييمات موضوعية لكل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وأود في هذا الإطار، الإشارة إلى أن بلادنا ترى في قرار احتضان مؤتمر الدول الأطراف ليس فقط اعترافا من طرف المنتظم الدولي بمجهوداتها المبذولة في مكافحة آفة الفساد، ولكن أيضا حافزا على تحصين مكتسباتنا في هذا المجال بمبادرات وبرامج استراتيجية وهادفة. حضرات السيدات والسادة ؛ يجدر بي بهذه المناسبة، استحضار الموقف الحازم لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله إزاء آفة الرشوة؛ إذ ما فتئ جلالته يدعو في عدة مناسبات إلى ضرورة التصدي لهذه الآفة بالإرادة الحازمة، والصرامة في تطبيق القانون من خلال المراقبة والمساءلة والمحاسبة. وقد تعهدت الحكومة المغربية من جهتها ومنذ تنصيبها، بالتصدي بكل قوة لظاهرة الرشوة، وأكدت التزامها الثابت بمقتضيات اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد. ومن منطلق هذا الوعي، صادقت الحكومة مؤخرا على برنامج عمل لمكافحة الفساد يتضمن تدابير عملية وإجراءات مدققة وملموسة وقابلة للتنفيذ على المدى القريب. وهو البرنامج الذي جاء مؤطرا برؤية تشاركية جَسَّدها على أرض الواقع، التنسيق مع الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، انطلاقا من معاينتها لواقع هذه الآفة ببلادنا، ولكونها فاعلا أساسيا في إعداد هذا البرنامج. كما ترجمتها الاستشارة الموسعة والحثيثة مع كافة القطاعات الوزارية. حضرات السيدات والسادة ؛ إن اختيار موضوع الآليات المؤسساتية للوقاية من الفساد الذي يشكل محور هذا اللقاء الدراسي الهام، يعكس انشغالنا المشترك بضرورة إرساء أطر مؤسساتية قادرة على التجاوب بفعالية مع مختلف القناعات التي يطرحها ورش مكافحة الفساد. وكما تعلمون، أصبح مؤكدا أن مواجهة آفة الفساد تتأسس بالضرورة على قناعات لايمكن تجاهلها أوتجاوزها في الوقت الحالي : فأولا، لا بد من الاعتراف بأن مجال محاربة الفساد، يعتبر شأنا عاما وقضية وطنية ترتبط بتخليق الحياة العامة، وتتطلب بالتالي تعبئة شمولية وانخراطاً جماعياً في أفق بناء تحالف موضوعي لمواجهة هذه الظاهرة. فآفة الرشوة هي ظاهرة مجتمعية تتميز بالشمولية وتمس مختلف مكونات المجتمع، مما يضفي على المقاربة الشمولية أهميتها وجدواها، وهي المقاربة الضرورية الكفيلة باحتواء هذه الآفة والحد من تداعياتها. وثانيا، وفي ذات الوقت، لا مناص من العمل على تدعيم التنسيق والتعاون الوطني والدولي، كآليتين أساسيتين لمواجهة الامتدادات الجغرافية لرقعة الفساد، والاستفادة من الممارسات والتجارب الدولية الناجحة. وثالثا، لا بد من إعطاء المقاربة الوقائية مكانتها المتميزة عند تناول موضوع الرشوة، نظرا لوقعها العميق والجذري، باستهدافها السلوكات الفردية والجماعية من أجل تهذيبها وتقويمها وتربيتها على المبادئ والقيم التي يجب أن يقوم عليها المجتمع. ورابعا، ومن هذه المنطلقات، لا محيد عن الالتزام ببرنامج وطني شمولي خاضع للتشاور، تتكامل فيه الآليات الوقائية والزجرية والتربوية والتواصلية. حضرات السيدات والسادة؛ إن الاقتناع بهذه الأطروحات قد شكَّل عاملا أساسيا لإحداث آليات ومؤسسات بغاية تخليق الحياة العامة ببلادنا، وفي مقدمتها الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، حيث سعينا إلى أن نجعل منها إطارا لتجسيد التحالف الوطني في مواجهة آفة الفساد ولدعم المنظومة الوطنية للنزاهة، ومؤسسة اقتراحية واستشارية وتبليغية، متمتعة بإبداء آرائها بكل حرية واستقلالية، فضلا عن كونها منبرا لتنسيق التعاون الوطني والدولي في هذا المجال. أما على المستوى الاقتصادي، فيبرز جليا الدور المنوط بمجلس المنافسة الذي يعمل على تعزيز الآليات اللازمة لضمان التنافسية المفتوحة، وصيانة حرية السوق من كل أشكال الاحتكار. كما أحدثنا في نفس الاتجاه، لجنة وطنية لتحسين وتطوير مناخ الأعمال ببلادنا والوقاية من كل الممارسات الاقتصادية الشائنة، وكذا وحدة لمعالجة المعلومات المالية كآلية أساسية لمكافحة غسل الأموال والجرائم المالية. وعلى المستوى الإداري، فإن مؤسسة ديوان المظالم تساهم منذ سنوات، بفعالية في إحقاق الحق في النازلات المعروضة عليها، وفي إنصاف المواطنين والمقاولات في علاقاتهم مع مختلف الإدارات والمرافق العمومية. وارتباطا بنفس الموضوع، فإن المراقبة المالية اللاحقة والافتحاصات المدققة التي أضحت المحاكم المالية ببلادنا تقوم بها بشكل منهجي ومنتظم، لمن شأنها توطيد مبادئ الحكامة الجيدة في مجال التدبير العمومي. كما أن الإستراتيجية الرقمية الطموحة (Maroc Numeric)، التي اعتمدتها بلادنا، من شأنها تطوير الاقتصاد الرقمي والإدارة الإلكترونية وتنمية تكنولوجيات الإعلام ببلادنا، مما يساعد على تبسيط المساطر الإدارية وتقديم خدمات أكثر شفافية على الخط. وفي هذا الإطار، فإن إحداث اللجنة الوطنية لمراقبة حماية المعطيات ذات الطابع الشخصي هو مؤشر آخر على الانخراط القوي لبلادنا في المنظومة الحقوقية الدولية من أجل حماية الهوية وحقوق الإنسان، وكخطوة أساسية نحو استكمال الإطار الملائم لتكريس الثقة الرقمية ببلادنا. وفضلا عن هذا الإطار المؤسساتي، أود الإشارة إلى أن بلادنا اعتمدت تشريعا جديدا يتعلق بالتصريح الإجباري بالممتلكات، ويحدد بكل دقة، القواعد الواجب اتباعها للتصريح الإجباري بالممتلكات، وكذا الجهة المختصة بالتتبع والمراقبة، ألا وهي المحاكم المالية. ويشكل هذا الإصلاح أحد الركائز الأساسية للعمل الحكومي في مجال تخليق الحياة العامة. حضرات السيدات والسادة ؛ إن بلادنا، من خلال إحداثها هذه الآليات المؤسساتية، لتعبر عن انخراطها في الدينامية الدولية لتخليق الحياة العامة ولمكافحة الفساد، ممثلة في اتفاقية الأممالمتحدة في هذا المجال. وإذا كان معلوما أن أي تأطير مؤسساتي لهذا الورش خَلِيق بأن تواجهه صعوبات مرتبطة بشكل خاص، بالثقافات المتجذرة وبمتطلبات العمل الجماعي، فإن الأمر الذي يتعين تأكيده هو أن السياق الوطني ببلادنا يتميز بالدينامية التي يعرفها المغرب على مستوى أوراش ترسيخ الحقوق والحريات، وتعزيز مستلزمات الشفافية والتنافسية في مجال الاقتصاد والأعمال، وبانبثاق وعي متزايد وفاعل لدى المواطن والمجتمع المدني بآفة الفساد والرشوة، وكذا بوجود التزامات للمملكة المغربية تجاه المنتظم الدولي. وكل هذه معطيات وعوامل تثبت بما لا يدع مجالا للشك، أن تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد هو أمر لا رجعة فيه ولاغنى عنه، للوصول بأوراش التنمية نحو غاياتها المسطرة وأهدافها المرسومة. وفي الأخير، فإن الخلاصات والاستنتاجات التي ستتوصلون إليها في هذا اللقاء الإقليمي الهام ستشكل، مما لاشك فيه، نتاجا للتعاون الدولي في هذا المجال، وقيمة مضافة لإغناء وإثراء برامجنا الحكومية في إطار التخليق ومحاربة الفساد. السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.