أورد ريجيس دوبري حكاية طريفة عن تأثير الصورة في كتابه الهام « الميديلوجيا « ، تقول الحكاية أن إمبراطورا صينيا طلب أحد من أبرز الرسامين في عهده ،رسم شلال في غرفة نومه ..قام الرسام بالمطلوب على درجة كبيرة من الدقة، لكن بعد أيام طلب الإمبراطور إزالة الرسم من الجدار، وعندما سؤل عن السبب قال أن صوت الماء الهادر في الشلال يمنع عنه النوم...هذه الحكاية تدل بصفة قطعية على أهمية الصورة وحجم التأثير الذي تخلقه لدى المتلقي. الأحداث الأخيرة في العيون كشفت من جديد أهمية الصورة ليس في التواصل فقط بل في الحرب والدعاية، وقد كانت وكالة الأنباء الإسبانية واحدة من وسائل الإعلام التي اشتغلت طيلة الأسابيع الأخيرة ككتيبة حربية في المغرب وما عاد هناك فرق بين صفة صحافي وجاسوس أو عميل، وما عاد هناك فرق بين وسائل الإعلام الرسمية وباقي منشورات/ مدفعية الإعلام الاسباني الذي ذرف كثيرا من دموع التماسيح ليهضم استمرار حفاظ المغرب على وحدته رغم كل المؤامرات الخارجية والداخلية ...وكالة الأنباء الاسبانية الرسمية « إيفي « كانت رئيسة الجوقة/ العصابة، تقول على نفسها في موقعها الإلكتروني :» تحتل وكالة الأنباء الاسبانية المرتبة الأولى بين الوكالات التي تبث باللغة الاسبانية، والرابعة عالميا، و تشهد لها مسيرتها التي جاوزت الستين عاما بالحياد والكفاءة و المصداقية و سرعة نقل الحدث... إننا نعد خدماتنا الإخبارية بقمة الاحتراف و الحيادية و بإتقان خاص طوال 24 ساعة وبصورة متواصلة على مدى 365 يوما في السنة من خلال 3000 صحفي يسعون وراء الخبر، سواء كان مهما أو ثانويا، في أي مكان في العالم. النصوص الإخبارية هي أهم عنصر في الإنتاج الإخباري لوكالة «إفي» حيث تمثل 67 % من مجموع المعلومات ألتي نقوم بتوزيعها يوميا حول العالم. «، الواقع يقول إن كل هذا الكلام يمكن أن يكون صحيحا فقط بإضافة عبارة صغيرة نقترحها عليهم وهي: باستثناء المغرب، قبل أيام كتبت عن إسبانيا العارية وقلت «فالمغاربة وحدهم يستطيعون إيقاظ ديكتاتورية فرانكو في المسئولين الاسبانيين.. إسبانيا التي قطعت أشواطا طويلة على درب الديمقراطية بعد سنوات من الحكم الديكتاتوري للراحل فرانكو، لا تفوت أية فرصة للكشف عن وجهها العنصري ونزعتها الغريزية نحو العداء لكل ما يمثل للمغرب بصلة سواء كان أرضا أو إنسانا...» ، وكالة الأنباء الإسبانية قامت بتوزيع صورة على نطاق واسع لأطفال صغار مصابين بجروح في الرأس يتلقون العلاج في أحد المستشفيات قالت إنهم لضحايا «قمع الأمن المغربي»، الحقيقة هي أن تلك الصورة هي لأطفال غزة المصابين في قصف إسرائيلي في عام 2006، عادت «إيفي» للاعتذار والاعتراف بأنها أخطأت ، جميل أن تقوم رابعة وكالة عالمية للأنباء بالاعتذار عن تسرب صورة لا علاقة لها بالموضوع الذي تتابعه ، لكن الحقيقة غير ذلك تماما فلم نسمع عن عقوبات وتوقيفات وفصل للمتسببين في خطأ مهني جسيم كذلك الخطأ، بل الأخطر من ذلك أن وسيلة إعلام إسبانية أخرى و«بالصدفة» أيضا وقعت في نفس الخطأ الجسيم، حيث قامت قناة «أنتينا 3» بنشر صور جريمة للحق العام وقعت بالدار البيضاء على أساس أنها صور عن «جرائم حرب» قامت بها القوات العمومية في الصحراء، الصورة المستعملة سبق وأن نشرت على صدر الصفحة الأولى لجريدة الأحداث المغربية منذ شهور ...فجأة أصيب الإعلام الاسباني بصدأ في المهنية وتسوس في الحياد وسعار في الموضوعية، ما ارتكبه الإعلام الإسباني من تزوير وإخلال بقواعد المهنية، يجب أن يكون له شوط ثاني في المحاكم الاسبانية والأوربية سواء بالنسبة للدولة المغربية أو أفراد الأسرة البيضاوية التي أبت قناة «أنتينا 3» إلا أن تنكأ جراحها، هذا دون الحديث عن الاستعمال البغيض لصور ضحايا الهمجية الصهيونية وإسقاطها على أحداث العيون بكل ما يحمله ذلك من خلفيات تتجاوز الخطأ المهني إلى التحريض ، وهنا يجب أن تعمل مثلا الجمعية المغربية لمساندة كفاح الشعب الفلسطيني على مقاضاة وكالة «إيفي» على توظيفها شهداء القضية الفلسطينية في خدمة خطها التحريري العنصري اتجاه قضايا الشعب المغربي. قلنا سابقا أن اسبانيا تشكل خطرا أكبر من الجزائر على المغرب، الجزائر بلد متخلف وديكتاتوري وغارق في مشاكله الاجتماعية والأمنية وفاقد لكل مصداقية أمام الرأي العام الدولي سواء في الحريات العامة أو في الديمقراطية وحقوق الإنسان والعداء فيها للمغرب مسألة نظام سياسي ونخب عسكرية وسياسية، الشعب الجزائري أول ضحاياها الذي لا يعتبر قضية الصحراء مسالة وطنية ولا يحمل أية مشاعر سلبية معلبة جاهزة ضد المغرب، الخطر كل الخطر هو من إسبانيا التي لا يمكن أن ننفي عنها الطابع الديمقراطي والقدرة على التأثير بحكم موقعها الأوربي ونفوذها الثقافي والحضاري في أمريكا اللاتينية وحقد مواطنيها الفطري على كل ما يتصل بالمغرب في استحضار لاشعوري جماعي لفترات من التاريخ المشترك وخاصة عندما كانت إسبانية «مقاطعة» تابعة للمغرب ..الحقد في إسبانيا اتجاه المغرب هو حقد رأي عام أما في الجزائر فهو حقد نظام سياسي، إسبانيا اليوم تستعمل من قبل الجزائر لضرب مصالح المغرب، والجزائر تعلم جيدا أن أخبار تصدر عن وسائل إعلام إسبانية تضمن انتشارا واسعا في العالم فهي صادرة عن وسائل إعلام في دولة ديمقراطية ..وهي بذلك تكون قد انتقلت من منهجية الحرب بالوكالة التي قامت بها مجموعة البوليساريو إلى الحرب بالوكالات وفي مقدمتها وكالة «إيفي» وباقي وسائل الإعلام الإسبانية. الجزائر وعدد من الدول في المنطقة تستعمل كل الوسائل لاستعمال وتوظيف وسائل الإعلام ذات التأثير، وفي سبيل ذلك لا تدخر جهدا من خلال مخابراتها على توفير الكثير من الإمكانيات المادية للصحفيين ورؤساء التحرير ومديري النشر لاستمالتهم لوجهة نظر الجزائر في عدد من القضايا، الحقيقة أنها ناجحة في ذلك فرغم القمع والتخلف وانعدام الأمن والديكتاتورية المطلقة وتخلف البنيات الاقتصادية والمالية والفساد الإداري والمالي الفاضح في عدد من مؤسساتها الاقتصادية، فإننا لانسمع أي شئ عما يحدث في الجزائر، السؤال هو لماذا ينجحون هم ونفشل نحن؟ إننا نعيش عجزا فاضحا في القدرة على تسويق ليس صورة افتراضية عن المغرب، بل فقط الصورة الحقيقية فهي بسلبياتها وإيجابياتها قادرة على خدمة مصالح المغرب ...الحرب قذرة تستعمل فيها جميع الوسائل ، فهل نريد فعلا أن نكسب الحرب؟ مجرد سؤال [email protected]