صفاء العقيدة الإسلامية ونقاء التوحيد أهم وأعظم ما جاء به الإسلام، إذ صحح العقائد، وحرر العقل الإنساني من الأوهام والخرافات. لكن لئن كان نور الإسلام قد أضاء دياجير الجاهلية الأولى، فإن جاهلية جديدة ما لبثت أن أطلت برأسها، تحمل أساطير قديمة - جديدة، وخرافات بالية في قالب حديث، وأوهاما أكل عليها الدهر وشرب في حلة عصرية! ومن ذلك ما يسمونه بالأبراج أو «برجك»، وهي مجرد خزعبلات يختلط فيها الكذب بالتدجيل، والضحك على الذقون بالتضليل، والسخافات بالتخييل فمثلا تفتح المذياع فتجد المذيع يقول: «برج الحوت: تنتظرك تجربة مهمة هذا اليوم. اعتن بأعمالك بنفسك، تجنب القلق. كل الحوت فإنه مفيد لصحتك»! أليس هذا ضحكا على الذقون؟! ثم تسمعه يقول: «برج الدّلو: انفراج في علاقاتك ومالٌ في انتظارك. لا تتسرع. اهتم بالأسرة». تُرى مَن الذي أخبر هذا المذيع أو من هيّأ له هذه «التنجيمات» بهذه الأمور التي يقول إنها «سوف تقع» ولا أحد يعلم ما «سوف يقع» إلا الله وحده. قال سبحانه: «لا يعلم أحد الغيب إلا الله»، وقال: «إن الله عنده علم الساعة، وينزّل الغيث، ويعلم ما في الأرحام، وما تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت، إن الله عليم خبير» [سورة لقمان: 33]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: « لا يعلم ما في غد إلا الله» وذلك في سياق ذكره صلى الله عليه وسلم لمفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله عز وجل. لقد تقدم العلم، وتأخر العقل البشري من هذه الناحية! تقدمت المدنية، وتقهقرت الأفكار والمعتقدات والتصورات! فبينما يعيش الإنسان في عصر الثورة التكنولوجية والمعلوماتية، والآفاق العلمية العظيمة، إذا بمثل هذه الخرافات تنتشر بين الناس، لا عموم الناس فقط بل حتى بين العلماء أو بعضهم على الأقل، وكيف لا يقع هذا ومروجوها الذين يريدون القضاء على العقيدة الصحيحة، عقيدة التوحيد الخالص، يسعون ليل نهار إلى هذه الغاية؟! فهم يعلمون أن التوحيد هو الأساس المكين المتين الذي بنيت عليه خير أمة أخرجت للناس، فإذا نسفوا هذا الأساس في عقول وقلوب أبنائها، سهل عليهم القضاء على الأخلاق، والثقافة، والحضارة، والمستقبل، وتمكنوا من الحيلولة بين نور التوحيد وأساطير الوهم وخرافات الشرك التي تسود العالم المتقدم نفسه حيث العلم في وادِ، والمعتقدات في واد آخر. إذ لا يجمع بين العلم والإيمان إلا دين الإسلام. ومما يزيد الطين بلة أن يحمل بعض أبناء أمتنا نفس معاول العدو فيساهمون في هدم القلعة الأخيرة: قلعة التوحيد، التي هي القلعة الأولى في نفس الوقت، والتي ما تحصنت بها الأمة إلا كان النصر والتمكين حليفيها. يجب ألا ينساق المسلم وراء موضات الجهالة دون تمييز ولا نقد، فيردد ما يروج من خزعبلات الأبراج وما إليها، والله تعالى يقول له: ( لا يعلم أحد الغيب إلا الله). ويقول على لسان رسوله الكريم: (ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء. إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يومنون).