أكد الدكتور عبد الهادي التازي، عضو أكاديمية المملكة المغربية، على أهمية الرحلة التي قام بها ابن بطوطة إلى الصين، مبرزا أنها ساهمت في توثيق التاريخ الصيني في العهد الوسيط. وأوضح الدكتور التازي في محاضرة ألقاها أخيرا بجامعة الدراسات الدولية بشنغهاي حول " دور الرحالة المغربي ابن بطوطة في تقديم الصين للعالم العربي والعالم الغربي " أن رحلة ابن بطوطة ساهمت في " توثيق صفحة من صفحات التاريخ الصيني في العهد الوسيط " معتبرا أن هذه الرحلة " لم ينصفها الباحثون والمؤرخون، مما جعلها بحق تاريخا أهمله التاريخ ". وقال الدكتور التازي " إن أهم جزء في رحلة ابن بطوطة هي السفارة العظيمة التي ذهبت من بلاد الصين إلى بلاد الهند في العصر الوسيط، تلك السفارة التي استأثر بذكر تفاصيلها هذا الرحالة دون سائر المؤرخين من مختلف جهات العالم. وأردف قائلا " إن هذه السفارة أثارت انتباهي لما كان يصحبها من تحف وهدايا وما تضمنته من رجال كبار، مما كان يذكرني في بعض ما قرأته من السفارات الضخمة التي كانت ترد على عواصم المغرب أو عواصم المشرق من شتى جهات الدنيا ". وأبرز الدكتور التازي أن لائحة الهدايا التي أرسلها ملك الصين إلى سلطان الهند تبرز ما بلغ إليه الرفاه في المنطقة على ذلك العهد، مشيرا إلى أنه " عندما نقرأ ما كتبه ابن بطوطة عن الصين نؤمن بماضي الصين المجيد : الموسيقى، العملة الورقية، البنيات التحتية... ". كما أشار إلى أن هذه السفارة تبرز أيضا هيمنة ومركزية اللغة العربية في البلاطين الهندي والصيني، مما يعني أن البلاطين معا كانا يستعملان اللغة العربية إلى جانب اللغات المحلية المنتشرة في المنطقة. ويرى الكاتب والمؤرخ المغربي، الذي حظي بتكريم كبير خصه به الطلبة المغاربة والصينيين، أن هذه المعلومة " ذات دلالة حضارية عالية تعطينا فكرة عما نراه اليوم من ازدهار اللغة العربية في الصين". وتابع قائلا إن هذه السفارة تعتبر " حجة قانونية رائعة " على ما كان التعامل عليه بين الدولة الإسلامية والدولة المجاورة، الأمر الذي يجعل هذه السفارة في صدر السفارات الكبرى التي تقدم مبادئ ممارسة العلاقات الثنائية بين الصين والهند. كما أبرز أن أهمية هذه السفارة تتجلى أيضا في المراسلات الدبلوماسية التي تتضمنها، ومنها مراسلة سلطان الهند إلى ملك الصين التي قال فيها ردا على طلب ملك الصين بناء كنيسة في منطقة ضمتها الهند من الصين، " إن هذا المطلب لا يجوز في ملة الإسلام إسعافه، ولا يباح بناء كنيسة بأرض المسلمين إلا لمن يعطي الجزية، فإن رضيت بإعطائها أبحنا لك بناءه، والسلام على من اتبع الهدى". وشدد الأستاذ التازي على أهمية المعلومات التي جاءت في رحلة ابن بطوطة في موضوع تاريخ العلاقات الدولية، داعيا الباحثين والمهتمين بتاريخ الصين إلى مزيد من الاهتمام بهذه السفارة. كما لفت الانتباه إلى ضرورة الاهتمام بالمعلومات التي ترد في رحلة ابن بطوطة، "فهي مكتوبة من لدن شخصية عاشت الأحداث، ولا سيما منها المعلومات التي تتصل بالعلاقات الدولية، وفي صدرها السفارة العظمى التي بعثت بها الصين في العصور الوسطى إلى جارتها الهند، والتي أهملتها المصادر المتداولة بيننا". ومعلوم أن الدكتور التازي أنجز بحثا حول رحلة ابن بطوطة في خمسة مجلدات قامت بطبعها أكاديمية المملكة المغربية عام 1997، وترجمها إلى اللغة الصينية، في ألف صفحة، المستعرب الصيني لي غوانكبين. يذكر أن ابن بطوطة راح سفيرا للصين عن سلطان الهند عام 1342، وكانت مناسبة ليكتب عن الصين ويكون هو السباق إلى تقديم بلاد الصين للعالم العربي ومن خلاله لبقية العالم، بعد أن ترجمت الرحلة إلى أكثر من خمسين لغة، وأصبحت تعتبر اليوم أقدم رحلة في تاريخ البشرية جمعاء.