نظمت أخيرا كلية آداب تطوان بقاعة الندوات بمقر الكلية ، ندوة تأبينية تكريما للمفكر المغربي الكبير المرحوم محمد عابد الجابري ، بحضور نائب العميد المكلف بالشؤون البيداغوجية د. عبد العزيز الحلوي وأعضاء اللجنة المنظمة :د. محمد العبدلاوي ، د. محمد الأمين المؤدب ،د. مصطفى حنفي ، د. عبد الطيف شهبون ود. مصطفى الغاشي... فضلا عن متابعة واسعة للأساتذة والطلبة والمهتمين . أبرز د. عبد اللطيف شهبون رئيس مسلك ماستر الأدب العربي في العهد العلوي ، الذي أدار وقائع هذه الجلسة العلمية ، مكانة المفكر الراحل محمد عابد الجابري في المشهد الفكري العربي المعاصر ، مسلطا الضوء على أصالة رؤيته وعلى اجتهاداته الرصينة في تعميق وتحليل أسئلة البحث في قضايا التراث ومسألة الهوية والحداثة ونقد العقل العربي ، ومدى تأثيره الواسع بين الأجيال، في طرح القضايا والإشكالات المركزية بمنهجية الفيلسوف المبدع والمفكر النهضوي الكبير... وأشار د. عبد العزيز الحلوي نائب العميد المكلف بالشؤون البيداغوجية ،إلى أن محمد عابد الجابري صاحب مشروع فكري متناسق يقوم على أسس التنقيب في التراث ومساءلته ، والنظر في قضايا المعاصرة بما تفرضه من طموحات وتحديات، مضيفا أنه أعار اهتماما كبيرا لضبط المفاهيم وتصحيح الكثير منها ... موضحا أنه إذا كنا نرغب في تكريم الجابري ، فيجب أن نستوعب فكره ونواصل السير على خطاه وأن نلتزم بالرصانة في الفكر والإخلاص في البحث والصمود في الدفاع عن حرية الرأي. وبدوره توقف د. محمد الأمين المؤدب رئيس شعبة اللغة العربية وآدابها ، على أهمية هذه الندوة التكريمية لفقيد التراث وفقيد المنهج في قراءة هذا التراث ، مؤكدا أن اللجنة المنظمة كانت بصدد الإعداد خلال الموسم الجامعي الحالي، لاستضافة هذا المفكر الكبير ، إلا أن أقدار المنون لم تعمل على تحقيق هذه الغاية ، مضيفا أن رهاننا ضمن هذه الندوة التأبينية ،هو ضرورة استحضار الروح التناظرية واستعادة الجدل ضمن كتابات هذا المفكر المستنير، التي تظل مفتوحة على مناهج التنظير والتحليل والمساءلة، ضمن اهتمامات الأساتذة والطلبة بالجامعات المغربية خصوصا، وبالعالم العربي عموما. وما ميز هذه الندوة التأبينية / التكريمية، تقديم شريط محاضرة ،وهو وثيقة قيمة ، آثر د. عبد اللطيف شهبون أن يعمم فائدتها على الحضور ، والتي كان المفكر الراحل محمد عابد الجابري ،قد ألقاها في بداية الثمانينيات بالمكتبة العامة بمدينة تطوان بدعوة من « نادي 21 « معنونة ب: « التراث ومشكل المنهج» ، والتي شدت الحضور إلى جملة من القضايا والإشكالات الدقيقة ، وهي تناوش في فكر العقل العربي ، طارحة للعديد من الأسئلة حول النهضة والتراث والحضارة... وجاءت قراءة د. مصطفى حنفي رئيس مسلك الماستر في فلسفة التواصل في الفكر الغربي المعاصر ، لمحاضرة الشريط مركزة ، حيث توقف من خلالها على حقبة التأسيس في المشروع الفكري لمحمد عابد الجابري ، وهو ما اصطلح عليه المتدخل بالمرحلة( الجابرية) التي طبعت مرحلة الثمانينيات بطابع ثقافي خاص تفرد فيه المرحوم ، لتأتي بعدها مؤلفات كان لها حضورها اللافت والمؤثر في جدلية الفكر العربي المعاصر، مضيفا أن ما يجب التنبيه إليه في هذا الشريط ، هو كيفية انتقال الجابري في محاضرته دون أن يصرح بذلك ، من محاصرة المناهج الاستشراقية وكيفية انتقالها إلى مناهج المفكرين العرب المجايلين للجابري ، وهي المناهج التي حددها المرحوم في مؤلف: «الخطاب العربي المعاصر» . وهذا يعني ضرورة قراءة التراث في علاقة مباشرة بموضوع الخطاب العربي المعاصر . فهذا الخطاب في تقدير د. حنفي يشكل امتدادا منهجيا وإجابات على أسئلة دقيقة عالقة في كتاب:» نحن والتراث» ،سيقوم الجابري بإضاءتها وتفعيل القول فيها ، منطلقا من محاصرة المناهج التي استعملها الكتاب العرب بالجواب على السؤال الكبير ، سؤال النهضة العربية. واعتبر د. حنفي أن الخطاب العربي المعاصر ، يمثل حلقة أساسية يجب النظر إليها في علاقتها مع هذا التراث ، لتستوي الصورة العقلانية والنقدية في ثلاثية الجابري :» الخطاب العربي المعاصر»و»تكوين العقل العربي» ،و «بنية العقل العربي» و»العقل السياسي» الذي جاء كتكملة لهذا المشروع. واختتم د. حنفي شهادته قائلا: (( من حق الجابري أن يفكر بالصورة التي يفكر بها، وبالطريقة التي يرتب بها موضوعاته . ولكن من حقنا كقراء ومحاضرين أن نعيد ترتيب هذه التآليف بالصورة التي تجعلنا نقترب منها أكثر. وكان هذا اللقاء مناسبة لطرح نقاشات معمقة حول المشروع الفكري لمحمد عابد الجابري واستحضار حسه النقدي والجدالي المتطلع والمنفتح.