دوامات 1- في البداية يعتبر المرء أن في توالي الأيام وتصرم الليالي، أمرا طبيعيا، لكن بعد ما تكثر الحكاية وتصير متكررة، لا يعود التوالي يشكل تراكما بقدر ما يصير ( التراكم) تضخما، ثم يتحول التضخم إلى مزيد من الإنغمار تحت الأمواج العاتية للزمن. 2-وفيما كان الإنسان يجد في الديمومة فقط (من غير صيرورة)، أمرا مخلا بتوازن الكون، في المقبرة تصير الديمومة حتى وان كانت مقرونة بالصيرورة أمرا ناقصا و لا يكفي، ما دام ينتهي لنفس المصير. 3-في المقبرة يتعطل التفكير، ويجد المرء في المواصلة، مهما كانت تحركها من أهداف، مشقة عارمة ولا تعوض المجهود المبذول، كما يجد في التراجع خرقا عديم المعنى، دعك من الاستئناف وعلى أي نحو كان. 4- في المقبرة يعرف أن الأحداث الأساسية تمت مسبقا ومن غير استشارته، حتى ان كان هو المعني الأول، ويعرف أن ذلك ليس عادلا وبكل المقاييس. 5- في المقبرة يعرف أنه لو خير، لرفض، مغمض العينين، وبلا أدنى تردد. 6- في المقبرة يخطر له أنه إن هو أتى فلمعصية اقترفها أحد أجداده وأنه كمين دبرته مصادفات شيطانية. 7- في المقبرة يعرف بأن الساعة تحركت من البداية، وأنه لم» يتكيف» إلا في لحظات السهو، بحيث لم يعد يدري فيما إذا كان السهو هو الأصح أم هو الوعي. 8- في المقبرة يعرف أن كل من يبتدئ فلا مفر من أن ينتهي، وأنه إذا انكسرت القيثارة انتهى النغم. 9-في المقبرة يعرف أن الموت هو جزء من الحياة وأن عليه أن يقبل الموت ان هو قبل الحياة، وإن كانت الحياة تستدعي الموت فإن الموت يشكل انتهاء للحياة. 10- صحيح أن الدنيا هي «متاع الغرور». قد يكون هناك من قال العكس، لكن ما هو ذنب من أقر بذلك؟ استعجال 1- ما يحدث عادة ليس مجرد استعجال، بل هو إسراع، وهو لا يحصل إلا في أمكنة لا تزيد مساحتها عن 120 سنتمتر ، وتتحدد السرعة فيها في نسبة أقل، لكنه تحديد أكثر عرضة للإختراق وبسرعات تتجاوز ال 200 كلم في الساعة. 2- وهو مكان ضيق ومن الصغر بحيث لا يحتاج أصلا إلى سيارة، وفوق ذلك هو لا يتناسب مع أية سرعة، لكنك تجد ركابا متلهفين للوصول، كأنما لقضاء أغراض لجوجة وأكثر إلحاحا، ومارة لا يتمكنون من قطع هذه الجادة إلى الجادة الأخرى في خضم مواكب السيارات التي تتجاوز هذه اللحظة إلى اللحظة السابقة. 3- زمجرة أبواق السيارات المحتجة على سيارة متلكئة حتى بعد اشتعال الضوء الأحمر، بحيث ينقلب العالم إلى مهرجان من العويل ولا تعود تعرف لماذا كل هذه الإستعجال في مكان لا يتحرك الزمن فيه ولا تفصله مسافة. صفوف 1-عموما، لا تقام الصفوف إلا من أجل أن تخترق. 2- لكن أحيانا كثيرة، تدخل ولا تجد صفا، الكل يتجمهر أمام الكونتوار ويتدافعون بالمناكب والسواعد والأقدام، بعضهم يصعد فوق الأكتاف ويتقدم الجميع ويؤدي الدور المنوط به كاملا أمامهم ? وهم هناك بالدخل أو فوق، ولا غبار عليهم... 3-كل يوم تدخل المئات من الكائنات، محملة بأوراقها الكثيرة وتغادرها بأوراقها وهي مختومة وموقعة. غضب قد تكون قوتك (أوسمها ما شئت)، هي في مدى قدرتك في أن تتغلب على انفعالاتك، وفي قدرتك على أن تستدرك نفسك وليس في أن تسمح لها بالسيطرة عليك، كما تكمن في مدى استعدادك لطي الصفحة، لا لفتحها، ومواجهة العنف بالعنف. فلست مطالبا بإيذاء من آذاك ولا بإنزال الضرر به، لأنك لست في معركة، أو في وضع يطالبك بالإنتصار، ثم إن التعامل الجيد هو الذي تخرج منه وقد كسب الجميع، ومن ثم فإنه لا بأس أن تنصت للآخرين وأن تستجيب لهم، وأن تتدبر الحالة وآفاقها بحيث لا تفقدك السيطرة على نفسك عندما يوجه إليك منهم لوم أو رفض أو استهانة ، لذلك فمن الأليق أن تتعلم أبجديات الحوار وفن التفاوض وكفاءة الوصول إلى حلول وسطى، وأن تضع نفسك في محل الآخرين وأن تراعي مشاعرهم فمن لا يأبه بمشاعر الناس ليس لبقا ولا ذكيا، وأن تستحضر الأفكار التي تحتمل أنها ساورتهم وطرائقهم في العيش وأساليبهم في التخاطب. والواقع أن الغضب هو ضريبة من ضرائب التعايش مع أناس مختلفين عنا في الأهواء والميول، فإن غضبت فقد لا تستطيع أن تتخلص من المستنقع الذي زج بك الغضب فيه، وأن نعرف أن نهدئ انفعالاتنا والتي أثارها فينا إلا بالانحدار إلى مستويات مهولة من العدوانية. قد يعمل الإنفعال أحيانا على تعديل النتائج السلبية التي أثارها الغضب فينا،غير أن الدروس النفسية تبين لنا أن الأضرار التي تحدث أثناء الإنفعال تستهدف الشخص المنفعل ذاته أكثر مما تمس الشخص الذي أثار انفعالنا. غفران لكي يتوقف الشر يلزم إبطال الرغبة في الانتقام، وأن نكف حتى عن المطالبة بضرورة إلقاء القبض ،وأن نتوقف حتى عن المناداة بعدم الإفلات من العقاب أو التمسك بلزوم معاقبة الجلادين.. لأن ذلك يوقعنا في الحلقة المفرغة من الفعل المتشنج ورد الفعل الأكثر تشنجا، ومن أجل أن يحدث تجاوز لكل هذا فلا بد من فهم آلية الشر، ولقد حاولوا أن يفهموه بتوظيف مفهوم الغفران، غير أن من وظف هذا المفهوم عزله عن سياقه النفسي والثقافي والتاريخي، ووضعه في أرضيات زمن تفنن في انتهاك حقوق الإنسان. إن السؤال الأساسي الذي يواجهه أي مجتمع ارتكبت فيه فظائع مماثلة، هو كيف يمكن له أن يتخلص من الشر، ومن المشاعر الرهيبة التي يخلفها في نفوسنا : الجواب التقليدي الذي قدمه الإنسان البدائي هو الإنتقام، الذي لم يتغير في إطار القانون المعاصر (العقاب)، في حين أن المطلوب هو تجاوز التمسك بالقضية حرفيا، فالقصاص هو أمر بسيط وأولي،.. وإن حصل (الانتقام) فهو يوقعنا في الحلقة الجهنمية من ارتكاب الجريمة والعقاب عليها، ماذا لو استعضنا عن العقاب باستبدال مفهوم الغفران بمفهوم الشفقة (إذ أننا حين نتفحص مفهوم الغفران نجده في حاجة إلى سخاء داخلي وكفاءة لا سبيل إليها، فضلا عن أنه فعل فردي في حين أن الشفقة فعل جماعي)... لكن المطلوب في الحالتين هو فهم الشر، وذلك يقتضي ألا نختزل الكائن الإنساني في الجريمة التي ارتكبها، فالفكر المجرد لا يرى عادة في القاتل إلا فعل القتل الذي يعوقه عن رؤية ما تبقى من إنسانيته.. أما الفهم، فهو يدفعك إلى إدراك الأسباب التي بدت للقاتل منطقية وجديرة ببذل المجهود كاملا، إذ لا يمكن أن تكون أوهاما كل الأفكار التي بدت (استبدت) بعقل القاتل وأدت به إلى القتل، بسبب عماء البصيرة وغياب قدرته على النقد، بسبب التأثير القوي لبعض الأفكار و التصورات أو المعتقدات ، التي جعلته يتصور أنه يساهم في تحرير الكائن البشري عبر الفتك بالضحية، كما تجعله يستسلم لقناعاته ويعتبرها مقنعة للجميع. إجماع كل جريمة تبدأ بالإجماع على عدم الاعتراف. مجهود رب حاجة تبذل في سبيلها كل الجهد المطلوب، فلا يقبل منك. وجود ممتلئ ونابض بالحيوية والانتماء، وفيه جدارة وتأصل تجعل الإنسان يتآلف مع الدنيا.