هل يكفي - فقط - أن تحب الأم ابنتها وتخاف عليها ثم تترك الأمور تسير قانعة بهذا الاحساس الغريزي وحده؟ أو يجب أن يكون الحب والخوف مفتاحين لسلوك واع وعلاقة إيجابية بين الطرفين؟ وماذا يقول التربويون وعلماء النفس عن مرحلة المرهقة ودور الأم فيها ؟ أول مشرط علمي للظاهرة كان عبر علم الاجتماع؛ حيث يؤكد علماء الاجتماع أن الفتاة في جميع مراحل حياتها تتأثر بوالدتها، إذ إنها تحاكيها في كل شيء وتعتبرها مرجعيتها في جميع شؤونها وخصوصياتها، هذا بصفة عامة أما مرحلة المراهقة تحديدا فهي مرحلة حرجة تمر فيها الفتاة بتغيرات وبالتالي فإن علاقتها بأمها يجب أن تكون دائما حذرة ومتوازنة، أي تكون أسس التعامل فيها صحيحة بمعنى أن تدرك الأم خطورة المرحلة التي تمر بها ابنتها وتراقبها بدون أن تشعرها بذلك وإن وجدت خطأ فيمكن معالجته بطريقة الإيحاء غير المباشر أو بضرب المثل والقدوة حتى لاتجنح الفتاة وينبغي أن تعتمد الأم منهج الصراحة والمكاشفة مع ابنتها. وفي هذا الإطار ينبغي أن يكون لدي الأم وعي كاف بدورها كأم ودراية واعية ومدققة لفترة المراهقة وما يصاحبها من تغيرات، فالأم يجب أن تقيم علاقة صداقة مع ابنتها، تكون الأم فيها المثل الأعلى والقدوة الحسنة ومن ثم تصبح حكيمة في التعامل مع ابنتها فتكون رقيقة ولينة في الأوقات التي تقتضي ذلك وتكون حازمة وشديدة في أوقات أخرى، ويمكن للأم أن تحكي لابنتها سيرة بعض النماذج التي تعالج مشكلة ابنتها إن وجدت بطريقة غير مباشرة. بينما يرى علما التحليل النفسي ضرورة الاهتمام بالخصائص الجسمية الظاهرية للمراهقة والتي تتسم بالنضج والخصائص النفسية العقلية لها التي لم يكتمل نضجها بعد حيث تتسم سلوكياتها بالاندفاع ومحاولة إثبات الذات والخجل من التغيرات التي تحدث على شكلها وتقلد أمها في جميع سلوكياتها وهناك تذبذب وتردد في عواطفها.. فعواطفها لم تنضج بعد فهي تغضب بسرعة وتصفو بسرعة وتميل لتكوين صداقات مع الجنس الآخر ويبدأ ما يسمى بقصص الحب، ومن هنا تحدث المشاكل فالأم يجب أن تتسم بالنضج والتفهم وسعة الأفق وتستوعب أي سلوك يصدر عن ابنتها فلو أخطأت الابنة فلا داعي للعقاب الشديد المباشر حتى لاتنفر منها. ويحذرون كذلك الأم من انشغالها عن الأبناء والطباع الحادة التي تخلو من العاطفة والتفرقة بين الأبناء أو الغيرة المرضية بين الأم وابنتها والعنف مع الأبناء أو كثرة الخلافات الزوجية أمامهم لأن كل ذلك يحول دون تكوين علاقة صداقة وحب وتفاهم بينهما. ولكي تكسب الأم ود ابنتها يجب أن يكون هناك تقارب بينهما وتبادل للرأي والمشورة فتقدم الأم لابنتها الخبرات التي تعدها أما للمستقبل ويجب أن تتعرف الأم على صديقات ابنتها وأسرهن وتعطي للابنة قدرا من حرية الاختيار وإذا حدث خلاف تتناقش معها بود وتقنعها بأسلوب منطقي وتشركها معها في الأعمال المنزلية وتشاركها في هوايتها. امتصاص ماذا إذا لم تفطم الأم ابنتها قد ينتج عن حالة عدم التوافق النفسي مع الأم بعض الآثار التي تتمثل في البحث عن أم بديلة قد لاتحسن الابنة اختيارها وقد تصاب بإحباطات كثيرة تؤدي إلى الاكتئاب نتيجة للحرمان العاطفي. كما يمكن أن تنحرف المراهقة أخلاقيا ويصبح لديها دوافع عدوانية تجاه نفسها والأخرين وقد يترتب - أيضا - على عدم التوافق إصابة الفتاة بأمراض نفسية جسمانية مثل: الربو والأمراض الجلدية والتوتر المستمر. وإذا تفاقمت هذه الحالة من عدم الانسجام قد تهرب البنت من المنزل وتتعاطى المخدرات وتصبح شخصية غير سوية في المجتمع. بتعريف فترة المراهقة ليوضح أنها الفترة التي يحدث فيها التغير البيولوجي والهرموني والجسماني الذي يصاحب الفتي أو الفتاة فيحدث نوع من التغيير أو التحول من دون حدوث نمو للقدرات العقلية ويصاحب هذه المرحلة اندفاع في السلوك والتصرف في محاولة لإثبات الذات من خلال المظهر والتقليد والمحاكاة وبالتالي قد يحدث نوع من التباعد والحوار غير السوي بين الأم وابنتها. وعن دور الأم في هذه المرحلة اثبتت التجارب أنه منوط بالأم التوجيه السوي وامتصاص الغضب بدون أذى نفسي وتشجيع طاقات الفتاة وإمكاناتها ومساعدتها على تحقيق ذاتها من خلال الإبداع والثقافة والدوافع الانسانية الطيبة ومنحها الأمان النفسي والاجتماعي إضافة إلى ضرورة أن يكون لديها احساس ووعي وإدراك بخطورة هذه المرحلة التي ينبغي توجيه قدرات الفتيات فيها نحو أشياء مفيدة لاستخراج القدرات الكامنة داخل الفتاة في ظل تقارب نفسي واجتماعي وصحي. شهادات عن داخل العيادة النفسية تقول مراهقة: أنا أكره أمي بالرغم من أنها تحضر لي كل ما أريد، لأني أعلن أنها لا تحبني ولكن تشتري لي اشياء لتقوم بتعويضي عن غيابها وانشغالها، لأن كل ما يهمها هو مستقبلها الوظيفي وطموحها وتنافسها مع زميلاتها. وعندما فوجئت بالدورة الشهرية لأول مرة لم أجدها بجانبي لتطمئنني وتفعل كما تفعل كل أم في هذا الموقف، صادفت بنات منحرفات في المدرسة أردن أن يجذبنني إلى طريقهن ولم أجدها بجانبي وعندما أجد أما تحتضن ابنتها أو تربت على شعرها أغير وأتضايق وأرجع ناقمة على أمي. هذا النموذج، فالأم هي التي شائع الآن أما في الماضي فقد كانت الأم بجوار ابنتها لا يشغلها عنها تطلعات مادية وطموحات وظيفية، فالأم هي التي توجه البنات في مثل هذه الحالات بالمحافظة على النظافة وعدم الإهمال في الصحة أو الإتيان بحركات عنيفة أو أعمال منزلية كثيرة في فترة الدورة كذلك معرفة ما تعاني منه البنت من آلام فالأمر سر تعرفه الأم فقط ولذلك تصنع المشروبات الساخنة وتدفىء البنت وتحنو عليها وهنا تنضج البنت بشكل سوي ولا تنعكس عليها آثار نفسية فيما بعد. أما الآن وكما يؤكد أطباء النساء: فإن هناك حالات مرضية بين المتعلمات يندى لها الجبين وتدعو للإشفاق وتفوق التحمل عند بعضهن، لأن البنت لم تلق العناية اللازمة من الأم ولم تجد النصيحة السليمة ولا الاهتمام. افتقاد الثقافة التربوية إن أهمية وجود الأم بصورة مكثفة في حياة الابنة المراهقة معناه : إن المراهقة فترة حرجة في حياة كل إنسان ويجب على الأم أن تحتوي ابنتها وتقترب منها وتصبح صديقة ودودة لها حتى تحميها من تيارات الفساد، الصداقة تحمي البنت وتحمي الأم من أن تفقد ابنتها. وإذا بحثنا عن أسباب فتور العلاقة بين الأم وابنتها فأحيانا نجد أن الأم نفسها كانت ابنة مهملة ولذلك تهمل ابنتها لأن فاقد الشيء لايعطيه. وأحيانا يحدث العكس الأم التي كانت مهملة وهي فتاة إذا كان بناؤها النفسي سليما فنجدها تعطي حنانا بكثرة وتعويض في بناتها ما افتقدته وهي صغيرة. ويمكن أن يكون السبب الأكبر هو افتقاد الثقافة التربوية فنجد الأم متعملة تعليما عاليا ولا تعرف أي شيء عن أصول التربية والتعامل مع الأبناء. إن فترة المراهقة فترة حرجة يشعر فيها المراهق بالحزن والكآبة والرغبة في التمرد والتغيير فإذا كانت الأم متفهمة وقريبة من ابنتها مرت هذه المرحلة بسلام وإن كانت بعيدة عن ابنتها وقاسية ستتحول العلاقة بينهما إلى صراع وقد تفقد كل منهما الأخرى إلا أن المرأة العاملة عادة تكون متعلمة وخروجها لمجال العمل يكسبها خبرات وآراء وتجارب واتجاهات مما يوسع أفقها ويفيدها في تربية أولادها والاهتمام بهم خاصة من ناحية التربية الدينية والقيمية.