كان حفل تكريم المناضل السياسي والحقوقي الكبير الأستاذ محمد بن عبد الهادي القباب الذي نظمته العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان يوم الجمعة الماضي فرصة مناسبة جدا للحديث عن مرحلة مهمة ودقيقة جدا في تاريخ المغرب السياسي والحقوقي الحديث، وأجمعت التدخلات على الدور الكبير الذي قام به هذا المناضل ومن خلاله العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان في فترة كانت بالغة التأثير فيما سيأتي من تطورات لاحقة وتبين من خلال إجماع كافة التدخلات والشهادات التي قدمها ممثلون عن المنظمات الحقوقية والمعتقلون السياسيون السابقون والسياسيون الممارسون أن هذا الدور يمثل مفتاحا مهما لفك ألغاز تلك المرحلة، ومن المؤكد فإن الذين تابعوا هذا الحفل الهام وكان عددهم كثيرا يمثل جميع ألوان الطيف السياسي والحقوقي الوطني التقطوا ما يكفي من الإشارات الواضحة حول مضمون هذا الدور وأهميته في التأثير على القرارات السياسية والحقوقية التي تم اتخاذها لاحقا مهدت الطريق أمام الانفراج السياسي والحقوقي الهام الذي عرفته بلادنا. بدا واضحا وقيل هذا الكلام بوضوح كامل ان الجمعية المغربية لحقوق الإنسان تعرضت لحملة قمع عنيفة خلال تلك الفترة، وأضحى آنذاك من الصعب عليها تحريك نضالها الحقوقي، وحينما بادر الأستاذ القباب والفقيد الراحل الحيحي الذي كان يشغل منصب رئيس الجمعية إلى إنشاء لجنة التنسيق بين العصبة والجمعية فإن ذلك كان يعني توفير تغطية قانونية شرعية وسياسية لنضالات الجمعية المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان التي تمكنت فعلا من خلال هذه التغطية ممارسة نضالها الشرعي الذي حقق إضافات نوعية للحقل الحقوقي الوطني، والذي أثمر ضمن ما أثمر التوقيع على الميثاق الوطني لحقوق الإنسان بين خمسة تنظيمات حقوقية وطنية. ومن غير المقبول ولا المعقول ولا المنطقي الادعاء الآن بأن الأمر كان ينحصر في مبادرة شخصية للمناضل السياسي والحقوقي الأستاذ القباب، وإذا كان لا أحد ينكر بأن شخصية هذا الرجل مثلت محورا مهما في هذا التطور، فإن الأستاذ النقيب القباب كان آنذاك عضوا في اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، وأجهزة هذا الحزب قررت في تلك الفترة الحاسمة الانفتاح على كافة مكونات الحقلين السياسي والحقوقي والنقابي الوطني لتكثيف النضال السياسي العام في اتجاه الضغط من أجل تحقيق التغيير، حدث هذا مع مكونات الكتلة الديمقراطية ومع الكنفدرالية الديمقراطية للشغل، والانفتاح على الجمعية المغربية لحقوق الإنسان من خلال العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان كان يندرج في هذا السياق، ثم هناك قضية أخرى بالغة الأهمية في فهم ما جرى خلال تلك الفترة، ذلك أن حزب الاستقلال لا ينشغل في انفتاحه بهاجس الهيمنة على التنظيمات المدنية والسياسية، بل يركز على المساهمة في إعطاء مضمون إيجابي لعمل هذه التنظيمات، ولذلك يترك المجال أمام أطره ومناضليه فسيحا للانخراط الفكري والتنظيمي في هذه التنظيمات، وإن بدا في بعض الأحيان أن مواقف هذه التنطيمات لاتتماشى ومواقف الحزب، أو قد تتعارض معها، وهذا لم يكن في يوم من الأيام يقلقه ولا يزعجه، لذلك نأمل أن يتحرر البعض من هذه الهواجس بصفة مطلقة. إن الحزب ظل معتزا باستمرار بنضاله على الواجهة الحقوقية الذي قاده رجل اسمه محمد بن عبد الهادي القباب، الوطني الغيور. وكان الحزب ولايزال يثق ويثمن ويبارك ويحيي الإسهام العظيم لهذا المناضل الاستقلالي الفذ الذي أخلص فيما ناب به عن الحزب.