تحتفل تونس اليوم 20 مارس الجاري بالذكرى الرابعة والخمسين لاستقلالها. وقد بادر هذا البلد المغاربي الشقيق، الذي تجمعه بالمغرب علاقات أخوة وتعاون متينة، بالانخراط في مسيرة إصلاحية تنموية منذ استقلاله سنة 1956. وتدعم هذا التوجه بتولي سيادة الرئيس زين العابدين بن علي مقاليد الحكم يوم 7 نوفمبر 1987 ليفتح عهدا جديدا في تاريخ البلاد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وقد قطعت تونس بفضل هذه الإصلاحات أشواطا كبيرة على درب الرقي والتقدم حيث تم تعزيز بنائها الديمقراطي وتركيز اقتصاد متين ومتطور يستجيب لتطلعات مجتمع حديث ومتماسك ومتوازن. وقد حصدت تونس أفضل المراتب في تقييم وكالات الترقيم والتصنيف الدولية مما يدل على نجاح استراتيجية التنمية التي اعتمدها هذا البلد المتوسطي الجميل في شتى الميادين حيث يتمتع بأحد أفضل مستويات النمو الاقتصادي في العالم العربي. وتصنفها تقارير منظمة الأممالمتحدة ضمن البلدان العشرين الأوائل في العالم من حيث استدامة النمو الاقتصادي والاجتماعي. وصنف التقرير العالمي السنوي 2008/2009 لمنتدى دافوس الاقتصادي حول التنافسية الاقتصادية تونس في المرتبة الأولى مغاربيا وإفريقيا والرابعة في العالم العربي. كما تبوأت المرتبة 35 في المؤشر العام للقدرة التنافسية للاقتصاد على الصعيد العالمي وذلك من أصل 134 بلدا. وتحصلت تونس على المرتبة 31 من جملة 131 بلدا وفقا لتقرير منتدى دافوس العالمي لسنة 2008 في مجال تطوير البنية الأساسية من طرقات وموانئ وسكك حديدية ومناطق لوجستية. وواكب هذه الانجازات الاقتصادية المتميزة سياسة اجتماعية متوازنة قوامها أنسنة المنظومة الاقتصادية وتلازم البعدين الاقتصادي والاجتماعي كخيار أساسي في العمل التنموي. إذ أولى سيادة الرئيس زين العابدين بن علي أهمية قصوى للبعد الاجتماعي للتنمية معتبرا أن كسب رهان التنمية البشرية هو هدفه الأسمى وكرس كل إمكانات الدولة قصد مزيد تحسين مؤشراتها في هذا الإطار. وتجلى ذلك بالخصوص من خلال ارتكاز استراتيجية التنمية على ضمان جملة من الحقوق الأساسية مثل الحق في التعليم و الحق في التشغيل والحق في الصحة والحق في بيئة سليمة والحق في الضمان الاجتماعي وحقوق المرأة والأسرة. وقد حققت تونس في كل هذه المجالات جملة من المؤشرات التي جعلتها محل تقدير عديد الهيئات الدولية المختصة اذ تتصدر تونس قائمة الدول العربية التي تتمتع بمستوى عيش جيد، حسب التصنيف السنوي لمرصد جودة الحياة في العالم "انترناشيونال ليفينغ" بفضل الجهود التي بذلتها لتحسين نوعية الحياة والارتقاء بظروف العيش. ويستند هذا التصنيف إلى جملة من المعايير المتعلقة بكلفة العيش ونسق النمو الاقتصادي والحريات والصحة والبنية الاساسية والبيئة والمستوى الثقافي ودرجة الترفيه والسلامة والمناخ. وتمكنت تونس بقيادة الرئيس بن علي من تحقيق المعادلة الصعبة، في ظل متطلبات العولمة، بين تأهيل الاقتصاد الوطني ودعم قدرته التنافسية، من جهة، وتوفير أسباب التقدم الاجتماعي لجميع المواطنين دون أي إقصاء، من جهة أخرى. ويعتبر الجانب الاجتماعي للتنمية أبرز مكوّنات المخططات التنموية في تونس منذ سنة 1987 وذلك لما يكفله من أسباب التوازن والأمن والاستقرار في المجتمع .اذ أثبتت التجربة التونسية أن العناية بالتنمية البشرية هي السبيل الأوحد للقضاء على بذور التطرف والارهاب وأن مقاومة الفكر الظلامي تتم أساسا عبر تعميم التعليم وتطويره وتحرير المرأة ومقاومة الفقر. إن المتمعن في تركيبة المجتمع التونسي يكشف بلا جدال انسجامها حيث تحتل ضمنها شريحة الطبقة الوسطى مكانة أساسية اذ تفوق نسبة المنتمين إلى هذه الشريحة 82 % من مجموع السكّان. وهي ثمرة للخيارات الأساسية لسياسات التنمية والتي ركزت على دعمها والرفع من نسبتها من خلال مختلف المخططات التنموية وبرامج النهوض الاقتصادي والاجتماعي ومختلف القوانين ذات البعد الاجتماعي. وتسعى السياسة الاجتماعية التونسية إلى دعم مقوّمات الارتقاء الاجتماعي لكافة الفئات والشرائح المكوّنة للمجتمع وسدّ منابع الفقر والأميّة والإعاقة ومقاومة مختلف مظاهر التهميش الاجتماعي عبر حماية الفئات الضعيفة وإدماجها اجتماعيا واقتصاديا. وفي هذا السياق، يعمل المخطط الحادي عشر للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بتونس (2007 _ 2011) على مزيد دعم الطبقة الوسطى وتعزيز مكاسبها باعتبار دورها في ترسيخ مقومات التنمية الشاملة. وتدل مؤشرات كثيرة على تحسن مستوى عيش السكان. إذ ارتفع معدل مؤمل الحياة من 68.9 سنة في 1987 الى 74.6 سنة في 2008. كما نجحت سياسة التنظيم العائلي التي اعتمدتها الدولة في تخفيض المعدل السنوي للنمو السكاني من 2.34 % سنة 1987 الى 1.09 % سنة 2008. من جهة أخرى عرفت نسبة الفقر تراجعا ملحوظا إذ لم تتعدّى 3,8 % سنة 2007 بعد أن كانت 7,7 %. سنة 1987. وتضاعف الدخل الفردي أكثر من 4 مرات خلال الفترة من 1987 إلى 2007. كما ارتفعت نسبة الأسر المالكة لمساكنها إلى أكثر من %80 وتراجعت المساكن البدائية من 7,5 %. سنة 1987 إلى 0,69 %. سنة 2007. وقد تأتى لتونس تحقيق هذه الانجازات الرائدة بفضل سياسة متوازنة قوامها تركيز منظومة فعالة لمقاومة الفقر عبر للتضامن والنهوض الاجتماعي وعناية فائقة بمجالات التعليم والصحة والبيئة والتشغيل والضمان الاجتماعي.