إخفاق محادثات عباس أولمرت، في إحراز أي تقدّم، كان من باب تحصيل الحاصل. النتيجة معروفة سلفاً. ليس فقط لأن السوابق تؤيد مثل هذا التوقع، بل أيضاً وأساساً لأن إسرائيل لم تتخل بعد عن وهم أن بإمكانها إقناع قيادة فلسطينية، كائنا من كانت، بقبول حل أو تسوية، من دون القدس. كما لأنها لم تغادر سياسة التعجيز في المفاوضات. وإذا كانت هي أصلاً محكومة بمثل هذا النهج وليست جاهزة، حتى اللحظة، للتخلي عنه، فإن الأزمة الوطنية الفلسطينية المستحكمة، توفر لها ذخيرة إضافية للتمادي في الالتفاف على المفاوضات وتفريغها من المحتوى؛ تمهيداً لدفنها على جرعات، خاصة وأن هناك لا حسيب ولا رقيب على تملّصها من الالتزامات التي تعهدت بها، والتي كان آخرها في أنابوليس. الإدارة الأميركية، التي رعت الاتفاقيات ووعدت بإنجاز تسوية قبل العام الجاري تقوم على فكرة الدولتين التي أطلقتها ووضعت خرائط الطريق لها؛ تبدو غير معنية، أو كأنها لا ترى ولا تسمع. بل هي توفر الغطاء، ليس فقط لتحايلات إسرائيل على عملية السلام ومفاوضاتها؛ بل أيضاً لتجاوزاتها وعدوانيتها الصارخة، التي تكفل نسف وتعطيل كل فرص واحتمالات السلام، من أساسه، وتحديداً تماديها في بناء المستوطنات. آخر التقارير الإسرائيلية، ذكر أن النشاط الاستيطاني تضاعف حجمه، منذ أوائل العام الجاري وحتى اليوم. واشنطن اكتفت بجولات الوزيرة رايس إلى المنطقة. وفي كل زيارة تتكرّر المعزوفة نفسها إزاء موضوع الاستيطان. في قاموس إدارة الرئيس بوش لم يكن هناك ما تجاوز القول بأن المستوطنات لا تساعد عملية السلام، أو أنها تعرقلها. فقط لا غير! وفي زيارتها الأخيرة ، تردّد أنها طرحت صيغة لاتفاق انتقالي مؤقت، مع تأجيل موضوع القدس، بغطاء دولي. على هذه الخلفية فشل لقاء الرئيس عباس وأولمرت، وكان من الطبيعي أن ينتهي كذلك. الوزيرة الأميركية تعرف تماماً، كما يدرك أولمرت، بأن القدس مدخل إجباري لأي اختراق في المفاوضات. كلاهما يدرك أن كامب دافيد عام 2000 انتهى إلى الفشل، بسبب رفض إسرائيل ولوج هذا المدخل. العودة إلى ذات العقدة، من خلال طرح ترحيل وضع المدينة إلى وقت لاحق تحت اغلاف دوليب، ليس سوى إمعان في التعجيز. مطالبة باللامقبول، لتبرير تفريغ المفاوضات وإغراقها في المراوحة القاتلة. استيطان متواصل، مع انسداد الأفق أمام المفاوضات؛ وصفة مؤكّدة لاغتيال احتمالات السلام بالموت البطيء. إدارة الرئيس بوش ما عاد لديها سوى بيع الأوهام. من الأساس لم تكن عازمة. أولمرت يعد هو الآخر أيامه القليلة الباقية في الحكم. فضائحه قضت عليه. إسرائيل ليست في صدد السعي إلى السلام، طالما هي مرتاحة لما هي فيه. السؤال يبقى برسم الساحة الفلسطينية: ماذا هي فاعلة بأزمتها الداخلية؟.