استضافت أخيرا الثانوية الفلاحية بمدينة الفقيه بن صالح( المغرب ) ، بقاعة العروض ،الأستاذ والباحث محجوب عرفاوي الذي تقدم بورقة في موضوع ( العولمة والهوية الثقافية) ، رفقة الطالب محمد أمكار المساهم بدوره في نفس العنوان بورقة سماها ب " العولمة وآلياتها". قدم الأستاذ عبد الغني فوزي في البدء كلمة تأطيرية لهذا اللقاء تؤكد أن العولمة موضوع متشابك ، ومتعدد الجوانب كمفهوم اقتصادي له آلياته وشروطه التي اكتسحت العالم ، قصد تحويله إلى سوق منمطة وواحدة على المقاس . فامتد التأثير إلى ما هو ثقافي، بالسعي إلى فرض نموذج ثقافي واحد قد يغطي على الخصوصيات الثقافية. وبالتالي نتساءل : هل يمكن الحديث اليوم عن عولمة ثقافية مهددة للهويات والخصوصيات ؟. في هذا الإطار تقدم الأستاذ محجوب عرفاوي بورقة بعنوان " العولمة والهوية الثقافية " ، مبديا في البداية حيرة الباحث في التناول لهذا الموضوع متعدد المفاصل والميادين المتداخلة، وعليه سعى العارض إلى شرح بعض المفاهيم أولا ، من ذلك العولمة ، فعولمة العالم يعني تنميطه ، والهوية التي تضمن الخصوصية ، ولو المتعددة الداخل، وكذا الثقافة والتي تعني ، وإن تعددت التعاريف ، مجموع القيم والعطاءات وأشكال الإنتاج المادي والرمزي أيضا ، فلكل قوم طريقته وخصوصيته في الحياة والوجود بالمعنى الأنثربلوجي للكلمة . مؤكدا هنا الأستاذ العارض على الفجوة بين العالمين : الشمال والجنوب. ثم انتقل الأستاذ عرفاوي إلى ثقافة العولمة ، مركزا فيها على الصورة كسلاح في يد العولمة ، ويظهر ذلك على مستوى السينما والنموذج الهوليودي ، وعلى مستوى الأكل والوجبات السريعة والحلاقة...وبالتالي فالغايات من ذلك كثيرة ، منها تسليع الإنسان من خلال تشبعه بقيم السوق والفردانية الاستهلاكية . ليخلص المحاضر إلى أن طبيعة العلاقة بين العولمة والهوية موسومة بالتضاد . وهو ما يقتضي كما يؤكد عرفاوي هنا إعادة النظر في مواثيق وإعلانات لا تحترم الإنسان وحقوقه كما تدعي . وهذا يثبت أن الهوية تدافع عن الاختلاف والحوارالمتكافىء ،في حين العولمة تغزو العالم الآن بكيفية شمولية . والمطلوب الآن، هو التسلح بفكر نقدي يعيد الاعتبار للخصوصيات الثقافية ، دون منطق الأفضلية أو السقوط تحت إغراءات العولمة التي تشمل كل الميادين . كما تقدم الطالب محمد أمكار بورقة في الموضوع عنونها ب " العولمة وآلياتها "، وقد تناول فيها المفهوم ومساره التاريخي ، إذ ظهرت العولمة حديثا بعد سيادة القطب الواحد كحلقة من الرأسمالية تنهض على آليات اقتصادية وسياسية وثقافية تتحرك بفعل مؤسسات مالية فاعلة . وبالتالي كانت للعولمة تأثيرات عديدة ، ليتوقف الطالب أمكار على ما يتعلق بما هو ثقافي كتوغل النموذج الغربي في بلدان الجنوب من خلال الأنترنيت الذي تم التعامل معه بشكل سلبي ، وسيادة ثقافة التسطيح والتأثر السريع بالموجات الغنائية.. . كأن الأمر يتعلق باستهلاك ثقافي ، على غرار ما هو اقتصادي . بعد عرض الورقتين الهامتين ، تطرق الحضور المتكون من تلاميذ المؤسسة وضيوف متشكلين من أساتذة في التعليم والمحاماة ،و خصوصا التلاميذ، إلى جوانب دقيقة في الموضوع ، بحكم اندراج الموضوع ضمن مقررهم كتأثير العولمة على الطفل ، والصراع الذي لم تتحدد ملامحه بين العولمة والهوية ، والتهديد المباشر للهويات إذا لم تستشعر الخطر المحدق . الشيء الذي يقتضي البحث عن الوسائل، لطرح حلول عاجلة عوض التفرج على المشهد...كما أغنى الأساتذة الحاضرون النقاش الدائرمن خلال تأزيم الأسئلة أكثر، وفتحها على آفاق ومرجعيات، فالأستاذ الطيب بوعبيد تطرق بتفصيل في مداخلته لمفهوم أمركة العالم من خلال أفعال مقنعة تجاه الشعوب ، تمرر من خلالها ثقافة وقيم . وبالتالي تمرير العولمة كما يقول المتدخل بتكلفة أقل . كما تقدم المحامون الحاضرون بتدخلات عميقة أثارت العديد من الأسئلة التي ظلت عالقة ومفتوحة كأي انغلاق وانفتاح يمكن الحديث عنه الآن في ظل العولمة ؟ هل يمكن العودة والإقرار مع الباحث المستقبلي مهدي المنجرة بأن العولمة مظهر من مظاهر الحرب على العالم ؟ ، هذا فضلا عن سيادة ثقافة العنف العالمي التي امتدت للأطفال ولو على ظهور الدمى . ساهم النقاش على أشده وكله ، في تفكيك العناصر المشكلة للعولمة كواقع لا يمكن القفز عنه ؛بل ينبغي فهمه وتفكيكه . والبقية تأتي ، لأن النقاش لم ينته..نظرا لطبيعة الموضوع المتعدد والشائك إلى حد الالتباس. متابعة: عبد الغني فوزي