فرصة لتجديد العلاقة بين الإنسان وجذوره الروحية في ليلة امتزج فيها التنوع والجمال الروحي، وفي حالة اجتماعية ناضجة تعكس التجانس والتعايش، هكذا عبر سكان مدينة سلا خلال مهرجان السماع والتراث الصوفي، الذي افتتح مساء يوم الجمعة 18 أكتوبر 2024 فعالياته بمقاطعة باب مريسة والتي من المنتظر أن تستمر إلى غاية 27 أكتوبر 2024. في حالة راقية بلغها الحضور وأبرز فيها المشترك في الانتماء الوطني وثمن خلالها ثراء الإختلاف، هذا ما ميز مهرجان سلا من خلال إحياء التراث الصوفي، باعتباره تراثا روحيا كبيرا ورأسمالا رمزيا لا يستهان به، تتجاوز قيمته الوظيفة التاريخية أو الاجتماعية أو النفسية، إلى النظر إليه باعتباره مقوما أساسا من مقومات الهوية المغربية الأصيلة، وخاصة في بعدها الديني. فالتصوف مظهرا قويا من مظاهر التراث الروحي للمغاربة، وفي المدن العتيقة الزاخرة بزواياها، حال مدينة سلا، حيث شكل وجوده في المغرب حقيقة تاريخية، دليلها سمة التصوف في التدين الشعبي المغربي، فلم يقتصر وجوده على مظاهر التدين، بل امتدت آثاره في ميادين كثيرة، كأسماء المدن والأبواب، وأسلوب الحياة بشكل عام. حيث يلاحظ أن الشخصية المغربية روحية بطبيعتها.. ولذلك لم يكن التصوف أمرا مفاجئا في سيرورة التاريخ الديني والاجتماعي للمغاربة، ومن ثم لا غرابة أن ينال التصوف في المغرب حظوة عالية ومكانة متميزة، بسبب السمات التي طبعته. كما لا يمكن الحديث عن التراث الصوفي دون إدراجه ضمن خانة صيانة الهوية الدينية الوطنية، ولعل الميراث الصوفي الزاخر الذي يميز مدينة سلا عن سواها، عتبة مضيئة مشرقة يدلف منها إلى صرح الهوية الدينية والوطنية، فيهدف هذا المهرجان إلى تقوية روابط ساكنة سلا بجذورها التاريخية وميراثها الأخلاقي من أجل تعزيز الأمن والاستقرار وتحقيق التنمية المستدامة التي تطمح إليها جميعا، خصوصا بعد إنجاز البرنامج التأهيلي الملكي الكبير للمدينة العتيقة 2019 -2023، الذي أعطى انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس، هذا البرنامج أعطى أولوية قصوى للحفاظ على هوية المدينة العتيقة ومعالمها الأصيلة، وتأهيل وإعادة الاعتبار لنسيجها العتيق وجعلها مكونا تراثيا قادرا على الجذب السياحي والثقافي. وهو ما يعرض ضرورة الاعتناء بالتراث المغربي والمحافظة عليه وتثمينه، وإيلائه العناية القصوى التي يستحقها، بهدف إيقاظ الهمم وإحياء المثل السامية والقيم النبيلة التي يجسد، حتى تسمو بالإنسان وترتقي بسلوكه إلى مراتب أعلى رقعة فتجعل منه مواطنا صادقا يتشوق للصلاح والإخلاص للوطن.