شكل الخطاب الملكي بمناسبة افتتاح السنة التشريعية الرابعة من الولاية التشريعية الحالية لحظة مركزية في مسار تعاطي بلادنا مع تطورات قضية الوحدة الترابية، وهو بلا شك أصبح يشكل جزءا من المرجعية الوطنية في التعاطي مع القضية الوطنية. تمت العديد من الملاحظات والخلاصات التي يتعين الوقوف عندها انطلاقا من فحوى هذا الخطاب الملكي التاريخي:
1- إن تخصيص نص الخطاب بالكامل للقضية الوطنية الأولى يعكس حرص جلالته على تناول القضايا الاستراتيجية الكبرى، فإذا كان جلالته قد خصص خطاب افتتاح السنة التشريعية الثالثة وبالكامل لموضوع الماء، باعتباره أحد القضايا والمواضيع الاستراتيجية حيث حدد جلالته بوضوح في ذلك الخطاب رؤية واضحة للتعاطي مع إشكالية الإجهاد المائي، فإن هذا الخطاب تم تخصيصه لموضوع الصحراء المغربية سيما مع التطورات الحاسمة التي تعرفها.
2- حمل الخطاب الملكي تأكيد متجددا على وجوب الاستمرار في المنهجية التي أرساها جلالته والقائمة على الانتقال من رد الفعل إلى أخذ المبادرة، وبالطبع فإن هذه المنهجية الملكية ظهرت نتائجها المثمرة سواء على صعيد البلدان الإفريقية أو الأوروبية، فعلى المستوى الإفريقي شكلت عودة بلادنا إلى مقعدها الطبيعي في الاتحاد الإفريقي تحولا كبيرا وخطوة ملكية شجاعة ساهمت في محاصرة الخطاب الانفصالي المتهافت الذي كان يستغل هيئات الاتحاد الإفريقي للتهجم على بلادنا وعلى حقوقها التاريخية المشروعة، أما على الصعيد الأوروبي فإن المنهجية الملكية القائمة على الفعل بدل رد الفعل ظهرت نتائجها بشكل واضح في التحول التاريخي في مواقف العديد من الحكومات الأوروبية وعلى الخصوص فرنسا وإسبانيا، باعتبارهما القوتين الاستعماريتين اللتين كانتا تحتلان المغرب واللتين تعرفان خبايا هذا الملف جيدا.
3- من نافل القول التأكيد أن هذا الملف ما كان له أن يدخل مرحلة التغيير ويغادر من مرحلة التدبير، لولا الحزم الذي طبع تعاطي بلادنا، وهو ما تؤكده المقولة الملكية التي أكد عليها جلالة الملك في الخطاب الموجه إلى الأمة بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الملك والشعب "ملف الصحراء هو النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، وهو المعيار الواضح والبسيط، الذي يقيس به صدق الصداقات، ونجاعة الشراكات".
4- معلوم أن هذا الخطاب الملكي جاء أياما عقب الحكم الغريب وغير المؤسس الذي أصدرته محكمة العدل الأوروبية، ومع العلم أن بلاغ وزارة الشؤون الخارجية والتعاون، أكد بوضوح أن المغرب لم يكن طرفا في تلك القضية، وأنه غير معني بأي شكل من الأشكال به، إلا أن الخطاب الملكي وجه الشكر إلى "الدول التي تتعامل اقتصاديا واستثماريا، مع الأقاليم الجنوبية للمملكة، كجزء لا يتجزأ من التراب الوطني"، وفي هذا إشارة واضحة إلى عدم قبول بلادنا لأي تصرف دولي لا يقر بوضوح بمغربية الصحراء.
5- أكد الخطاب الملكي بوضوح على أنه ورغم الانتصارات والنجاحات التي حققتها بلادنا في هذا الملف إلا أن المرحلة المقبلة تتطلب من الجميع المزيد من التعبئة واليقظة،
وهي دعوة ملكية واضحة وصريحة لجميع مكونات الأمة وقواها الحية إلى الاضطلاع بأدوارها في الدفاع والترافع عن عدالة القضية الوطنية سيما لدى الدول القليلة التي مازالت تناصر دعاة الانفصال وداعميهم.
6- يجب أن نسجل كذلك أن الخطاب دعا إلى " الاقناع بالحجج والأدلة القانونية والسياسية والتاريخية والروحية التي تؤكد شرعية مغربية الصحراء"، وهي دعوة ملكية تعكس التعاطي العقلاني الذي ما فتئت بلادنا تنهجه في تدبير هذا النزاع المفتعل، ذلك أنه وبخلاف الخطاب الانفصالي المتهافت القائم على شعارات تعود إلى حقبة الحرب الباردة وما تلاها، فإن المغرب يتبنى خطابا عقلانيا يقوم على الإقناع والحجاج والترافع، وهو مسنود بحجج وأدلة صلبة على جميع المستويات.
7- انطلاقا من تقدير جلالته للأدوار التي تضطلع بها الدبلوماسية الحزبية والبرلمانية، فقد أفرد الخطاب الملكي فقرة كاملة لهذا الموضوع جاءت مليئة بالدلالات، فجلالة الملك أكد أولا على أهمية هذا النوع من الدبلوماسية في كسب مزيد من الاعتراف بمغربية الصحراء، وتوسيع الدعم لمبادرة الحكم الذاتي، إلا أنه وفي الآن ذاته دعا إلى مزيد من التنسيق بين المجلسين ووضع هياكل داخلية ملائمة بموارد بشرية، مؤهلة مع اعتماد معايير الكفاءة والاختصاص في اختيار الوفود، ومما لاشك فيه أن مجلسي البرلمان سينخرطان في إعمال هذه التوجيهات الملكية ، على غرار ما تم بخصوص التوجيهات الملكية السامية بوجوب اعتماد مدونة للأخلاقيات البرلمانية، وهي التوجيهات التي حملتها الرسالة الملكية السامية بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس البرلمان المغربي.
ختاما، لا يمكن أن نغفل ما حمله الخطاب الملكي من شكر وتقدير لأبناء الصحراء، وهي إشارة عميقة الدلالات، تؤكد قناعة بلادنا بأهمية الأدوار التي يقومون بها للدفاع عن عدالة القضية الوطنية ومواجهة الأطروحة الانفصالية في الميدان وعبر الانخراط في المسار الديمقراطي والتنموي الذي يرعاه جلالة الملك حفظه الله.