افتتاحية ملحق "العلم الثقافي" ليوم الخميس 27 يونيو 2024 1 لا أعْجبُ إلا ممَّن يُنادي بِمُقاطعة موازين، ويشْتدُّ عجبي من كل حزين، يعتبر تنظيم هذا المهرجان في ظرفية عصيبة اقتصاديا، تعبيراً صارخاً عن اختلال الموازين !
أو ليس الغناء حتى الذي تجاوز ما بعد الحداثة إلى تكنولوجيا الثُّغاء، يُرقِّقُ النَّفس ويطرْد هواجس اليأس الناتجة عن فُقدان الفلْس، لنُكن إيجابيين أيُّها المُفْلِسون في التعامُل مع أموالنا نحن الشَّعب، كيف نُعطيها دون مقابل ولا نحضر غفيرا لنسْترِدها ولو بالجيوب الباطنية للآذان، حُجُّوا غفيرا لِمنصّات الغناء المبْثوثة في الرباط أو سلا، ما أروع أضواءها يجري من تحتها نهر أبي رقراق، إنّها حدائق غَنَّاء، وليست مشانق تنتظر من يمُدُّ عنقه أطول من أذنه كعبّاد الشمس، مع الإعتذار لحمار الحكيم ولوْ أصْدر أنْكر الأصوات !
صحيح أنّ بعض الغناء أشبه بالثغاء، ويدخل من أذْن ليخرج من أخرى دون أنْ يستقرَّ في بطن، ولكنها أموالنا أيُّها الشعب، يجب أن نستردَّها آهةً..آهة.. ورقصةً..رقصة، الغناء أيضا أخْذٌ وعطاء، فلا نترك أموالنا الصَّعبة في عُمْلتها، تستقِر بدون مقابل في جيوب وأرْصدة هؤلاء النجوم، عليْنا بقبَسٍ من هؤلاء السّاطعين، هم الشمس التي تطلع لتنير ليلنا إلى آخر السهرة، ونحن دون موازين ننطفئ في الدَّقّة والحين !
على العموم هذا رأيي، ومن لم يُعْجبه فَليأْخُذ من آخر كبْش ذُبِح في العيد قرنيه، ويَنطح الحائط!
2 فِراس عبد المجيد شاعرٌ وفنان تشكيلي عراقي مَجيد، لا أعتقدهُ مات وأياديه البيضاء مطبوعةٌ في قلوب مُحبِّيه، أقام بيننا في المغرب، وما زال مُقيماً في الذاكرة والفؤاد بما أسْداه من خدمات ثقافية جيلا بعد جيل، كان أوّل من جعل كلماتي الأولى ترى النّور على صفحات جريدة، بل ومصحوبة بصُورتي السّاخرة من العالم، لقد أشْعَرنا فراس زمنئذ في بداية التسعينيات، أننا شُعراءٌ حقيقيون، ومنحنا الثقة لنقتحم أعتى المنابر في المشرق والمغرب، هل حقّاً مات الرجل الطيب، فراس الذي مهَّد لخطواتنا الأولى بأقوى أساس، لا أعتقد.. ولو هاجمتني الشاهدة باسمه محفوراً على رأس اللحد.
نَمْ قرير القلب في رحمة الله أيها الكبير.
3 لا داعي أن يُداهِن بعضُنا بعضاً، على طريقة من يتناوبون على حكِّ الأظْهُر في الحمّام، يكْفي مَنْ أزْلقتهُم الأيّام من أعيُننا دون ماء وصابون !
4 مع اقتراب المُونديال الذي لن نكون فيه لاعبين فقط، بل من الحاضنين بِكُلِّ قُدرتنا الاستيعابية على العناق، بدأت بعض واجهات مُدننا تكْتسي حُلّة سياحية محْفوفةً بالجمال، وهذا طبعاً مَبْعث فخر، بدأ صخب الأوْراش في الطرقات، يُطيِّر بأزيزه اليومي الطيور من الأعشاش، بدأ البحث عن كل مُؤشِّر مُتعثِّر في سُلم الفقر، لِنفْح جيوبه بخمسمائة درهم، ألم تر كيف تمنح الحكومة هذا الدعم الأعْجف الهزيل بيد، ولكن ليس لمُدّة طويلة أبْعد من بقّالَيْن في درب الفقراء، بل سُرعان ما يعود الدّعْم الهزيل لأهل الجُود والكرم بأكثر من يد، وذلك بالنَّفْخ غير المعقول في الأسْعار، والاستمرار على هذا الوضع دون تدارُكه بحُلول اقتصادية حكيمة، سيزيد بصورة أبْشع في اتِّساع طبقة المَسْحوقين حَدَّ انعدام الأمْن والجوع، الأجْدر أنْ يُرافق ترميم البنية التحتية للبلد وواجهاتها البرّاقة، إصلاح تلك البنية أسفل منها في الحضيض، هناك حيث تكادُ تلتصِق البطون بالضُّلوع !
5 يَهْربُ الوقتُ مِنّا ونهْربُ منهُ ولكن إلى حتْفنا !
6 أشَدُّ ما يجعل المَعِدة تُغيِّر مكانها وتنفجر بالغثيان، ذلك المُثقف البخْس الذي يتغيَّر في الموقف حسب المصلحة، فلا يفْتأ وهو المُتشدِّقُ دائما بشِعارت المبدأ، يسْبقُ النباح إلى عَضِّ أو نهْش كل الأيادي، حتى اليد التي أخْرَسَتْه ذات يوم بقُلامة عظْم، ويَشتدُّ نُباح هذا المُثقّفُ العالمي الذي لا يتجاوز في صيته أقرب مَحَل، عساه يُلفت انتباه الموتى لوجوده أمّا الأحياء فقد علموا أنه لئيم، وبِمُجرد المُناداة عليه باللغة التي تفهمها القِطط، ينطُّ مُهرْوِلاً دون نسيان التَّمطُّط بغنج ودلال، ناسياً كل نُباحه بالأمس، عجبي لِمَنْ يستطيع بجرّة مَرْهَم، أنْ يمحو أثر عضّات مثل هؤلاء النّكرات، على طريقة كلام اللّيل يَمْحوه النهار !