خلال حفل تقديم وتوقيع كتاب السارد وتوأم الروح: أقيم الخميس الماضي بالمعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته 27 بالرباط، حفل تقديم وتوقيع كتاب الناقد الأكاديمي، محمد الداهي، "السارد وتوأم الروح من التمثيل إلى الاصطناع" الصادر عن المركز الثقافي والمتوج بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها السادسة عشرة، فرع الفنون والدراسات النقدية لعام 2022، وذلك برواق وزارة الشباب والثقافة والتواصل. وعلى هامش هذا اللقاء الفكري الذي شهد حضورا متميزا، قدم الدكتور إدريس الخضراوي، أستاذ الدراسات الثقافية والأدب ما بعد الكولونيالي بكلية اللغة العربية في جامعة القاضي عياض بمراكش، شهادة في حق مؤلَّف الناقد محمد الداهي، الذي يتميز حسبه بمجموعة من التحولات التي طرأت إن على مستوى مفهوم الأدب في الثقافة العربية، أو على مستوى النقد الذي يسائل الأعمال الأدبية ويحاورها، مؤكدا على أن الكتاب يشكل لحظة مهمة في سياق مشروع نقدي اهتم فيه الباح3 محمد الداهي بمساءلة السيرة الذاتية وتحولاتها الفنية والفكرية. وقال الخضراوي، إن "الكتاب يعتبر امتدادا لمشروع الناقد محمد الداهي الذي بدأه منذ أواخر التسعينات، حيث أخذ على عاتقه بلورة تصور مختلف للتفكير في السيرة الذاتية، لذلك فإن تتويجه بجائزة الشيخ زايد للكتاب، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك على أهمية التجربة التي راكمها الداهي في إطار النقد المغربي والعربي". وبالإضافة إلى المساحة التي يشترطها صاحب الكتاب للوعي بالسيرة الذاتية، يرى أستاذ الدراسات الثقافية والأدب ما بعد الكولونيالي، أن هناك مقومات وخصائص أخرى تجعل من المؤلَّف لحظة مهمة في إطار النقد المغربي والعربي، وتبرز من خلال مستويين أساسيين: الأول منهجي، فبالعودة إلى مكانة الدكتور محمد الداهي في السيميائيات المغربية والعربية، والإسهامات الكثيرة التي جاد بها على هذا الحقل العلمي، مثل "سيميائية الكلام الروائي"، "الحقيقة الملتبسة"، "السارد وتوأم الروح، من التمثيل إلى الاصطناع" وصولا إلى عمله الحديث "متعة الإخفاق في المشروع التخييلي لعبد الله العروي"، يدرك المهتم لماذا فضل الداهي الاعتماد على هذا المنهج باعتباره أفقا معرفيا وفكريا للتفكير في نصوص السيرة الذاتية. وتابع الخضراوي في إطار تنشيطه وتقديمه لهذا الحفل، "أن الأستاذ الداهي لم يغلق على نفسه بل وسع من تصوره بالاستفادة من أهم التيارات النقدية والمعرفية التي تحظى اليوم باهتمام مختلف الدارسين والباحثين حول العالم، على غرار حقل الدراسات الثقافية ودراسات ما بعد الكولونيالية"، وهو ما جعل الكتاب يتمحور حول شعرية الذاكرة. أما المستوى الثاني المتمثل في متن الكتاب، فقد أوضح ذ. الخضراوي أن المؤلِّف ارتأى الاشتغال على مدونة سيرة ذاتية واسعة تعود إلى التراث العربي، مثل سيرة ابن خلدون والكتابات الذاتية في الأدب العربي المعاصر، مشيرا في الوقت نفسه، إلى أن الداهي انفتح أيضا على أعمال ونصوص السيرة الذاتية في الثقافة الغربية، خاصة فرنسا، "وهو ما يحيلنا على الرؤية المقارنة التي يتميز بها تصور صاحب الكتاب، لذلك يمكن القول إن المؤلَّف يشكل رغبة مهمة وأساسية في سياق الأعمال والدراسات التي تسعى لتوسيع التفكير في مجال السيرة الذاتية". ومن بين النقط المهمة التي وقف عندها الباحث إدريس الخضراوي في كتاب السارد وتوأم الروح، المنطقة البينية، باعتبارها الموقع الذي يلتبس فيه السارد بتوائمه أو قرائنه، وهو ما يحيلنا حسب المتحدث دائما "إلى قضية أساسية نلمسها في السيرة الذاتية المعاصرة، وهي أن النقاد فطنوا إلى أي مدى عندما تستعيد الذات الأحداث التي وقعت في الماضي، فإنها لا تستطيع استعادتها بالكامل، لأن الذاكرة انتقائية بطبيعتها"، وهنا يؤدي التخييل دورا أساسيا لملء تشققات الذاكرة، حيث إن كتاب السيرة الذاتية المعاصرة أدركوا أنه يمكن الاقتراب أكثر من حياتهم الخاصة في حقيقتها كلما استطاعوا إعمال التخييل بشكل أفضل.