يعد نظام اقتصاد الريع أحد السياسات غير العادلة في توزيع ثروات البلاد على المحظوظين من المقربين أو من غيرهم؛الذين تربطهم صلة وطيدة ما بالنظام السياسي القائم أو بالجهاز الحكومي السائد؛ولقد عمل المغرب بنظام الريع منذ عقود عديدة من الزمن؛وهو ما يناقض قواعد الدستور المغربي شكلا وجوهرا؛ولم تعد تقبله قواعد الانفتاح الديموقراطي وسياسة الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي التي دشنها جلالة الملك منذ توليه العرش في العشرية الأخيرة؛حيث كيف يستقيم النداء بعقلنة وترشيد صرف المال العام وبمبدأ المساواة فيما بين المواطنين والحث على مبدأ تكافؤ الفرص من جهة؛مع مسألة التمييز في توزيع خيرات البلاد على فئة لم تبذل جهدا من أجل استحقاقه. وإن حزب الاستقلال منذ دفاعه عن استرجاع الوطن من أيدي غاصبيه وهو يحارب سياسة الريع التي عمل بها الاستعمار الفرنسي لصالح أعيان القبائل والعملاء و الخونة؛وهو ما تعرض مناضلوه في ذلك للاعتقال والتعذيب؛وواصل نضاله بعد الاستقلال مطالبا بالحد من سياسة الريع تجاه أذناب الاستعمار وصنيعه ممن اصطفوا مع النظام في مواجهة كل من حزب الاستقلال والحركات السياسية الوطنية المناضلة من اجل دمقرطة البلاد. ولقد بدا واضحا محاربة نظام الريع في التصريح الحكومي الذي تقدم به الوزير الأول الأستاذ عباس الفاسي أمام البرلمان؛وحثه كل الوزراء بالعمل على محاربة سياسة الامتيازات في مختلف القطاعات؛وهو ما يحاول الوزارء الالتزام به؛ومن بينهم وزير التجهيز والنقل الأستاذ كريم غلاب على مستويات عديدة كرخص المقالع والنقل البري والبحري والجوي ونقل البضائع؛وهو ما ليس يسيرا؛ حيث أن الأمر يتطلب بعض الوقت للتغلب على أصحاب المصالح المستفيدين المحاربين لكل سياسة إصلاحية في هذا المجال ؛مما يقتضي الأمر معه تكثيف جهود الجميع لمكافحة هذا السرطان الريعي المتجذر. ويعد النقل السري على الطرقات أحد أنواع النقل الطرقي الذي نعايشه يوميا في مختلف مناطق المغرب؛وينشط بشكل كبير بالمناطق النائية للمغرب العميق وعر التضاريس؛الذي ليس به أنواع النقل المتقدمة من طائرات وقطارات وحافلات وطرامواي وموانئ وطرق سيارة وغيرها؛بل به فقط نقل مزدوج متخلف إضافة إلى العربات والدواب؛مما يستحق معه مغاربة هذه المناطق نقلا منظما ومؤمنا يصون آدميتهم وهويتهم ويحفظ كرامتهم ويحصن مواطنتهم. وإن النقل السري كلما برز بهذه المناطق إلا وحاربه رجال الدرك؛من منطلق افتقاده للمشروعية القانونية؛إلا أن هذه اللامشروعية تسترجع مصداقيتها «القانونية» بطرق غير قانونية مع رجال المراقبة الطرقية؛بإكراههم على دفع ذعائر مالية ؛كان من الأحرى صبها في خزينة الدولة عوض تسليمها إلى هؤلاء الأخيرين؛وخاصة أيام الأسواق الأسبوعية والمناسبات؛رغم ما يشكله هذا النقل من خطورة على حياة المواطنين؛من منطلق كون السيارات المستعملة هي مركبات مهترئة لا تتوافر فيها أدنى مقومات السلامة؛مما تساهم معه في رفع نسبة حوادث السير. إن وزارة التجهيز والنقل أوقفت العمل بالتسليم الاعتباطي لرخص النقل المزدوج بالعالم القروي؛حيث تشترط شروطا موضوعية في المطالبين بهذه الرخص؛قصد التغلب على سياسة الريع الممنهجة المفيدة للمقربين والمحظوظين؛وذلك باشتراط التزام المعني بالأمر باستغلالها بصفة شخصية دون استئجارها أوتفويتها إلى الغير تحت طائلة الإلغاء والسحب. وإن التزام الوزير الاستقلالي الوصي على قطاع النقل بهذا النهج الاقتصادي والاجتماعي العادل هو ما جعل الوزارة تتراجع بشك كبير عن التسليم العشوائي لرخص النقل المزدوج؛رغم آلاف الطلبات المقدمة إلى الولاة والعمال بمختلف أقاليم؛وتعد حصيلة الوزارة اليوم إيجابية؛حيث لم تمنح لحد الآن سوى 2667 رخصة وطنيا ؛45 بالمائة منها مستغلة بينما الباقي غير مستغل؛وهي نسبة ضعيفة جدا مقارنة مع عدد رخص العقود الأربعة السابقة؛حيث لم تسلم الوزارة سوى 16 رخصة سنة 2008 و41 رخصة خلال هذه السنة؛بعدما كان بالمئات في الثمانينات والتسعينات. إن وزارة الداخلية بصفتها طرفا معنيا ومسئولا هي ملزمة بدورها بالسير في هذا التوجه الإصلاحي لرخص النقل المزدوج؛حيث على الولاة والعمال التريث في توزيع هذه الرخص بعد معرفة حصيلة ما تقوم به وزارة التجهيز والنقل من دراسات علمية لهذا النوع من النقل الطرقي؛حيث أن قرابة ثلثي الخطوط المستغلة هي من جهة غير مربحة؛ومن جهة ثانية هي رخص ريعية لا تستغل من طرف أصحابها؛ولكونها غير مربحة فإن السائقين يتجهون بشكل غير قانوني إلى منافسة زملائهم ذوي سيارات الأجرة الكبيرة في الطرق الوطنية.؛وهو ما يخلق المزيد من مشاكل النقل العمومي ويضاعف من نسبة حوادث السير؛وهذا ما تعتكف عليه وزارة التجهيز والنقل من أجل وضع حد له على مختلف المستويات بما فيه مستوى مدونة السير الجديدة.