يكتسي رهان تعزيز آليات الحماية القانونية للمجال البيئي أهمية خاصة, باعتبارها الإطار المرجعي لأي تدبير تنموي, يرتكز على المواءمة بين متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية من جهة, وتلافي الإخلال بالتوزانات البيئية واستنزاف الموارد الطبيعية من جهة ثانية. فواقع «الهشاشة الإيكولوجية», الذي تئن تحت وطأته بلدان المعمور, بفعل التغيرات المناخية والسياسات الاقتصادية المنتهجة, التي تتجاهل المحاذير البيئية, أظهر أن حماية البيئة مسألة ذات أولوية قصوى, ليس فقط للمحافظة على الوسط الطبيعي وإطار عيش السكان, وإنما باعتبارها مكونا اقتصاديا حيويا ينبغي أخذه بعين الاعتبار في أية مقاربة تنموية. وعلى غرار عدد من البلدان التي أدركت حجم هذا الرهان, انتبه المغرب إلى الضغط المتزايد للأوراش التنموية والاقتصادية على البيئة والموارد الطبيعية, فعمد إلى تعزيز ترسانته القانوية, لاسيما في ظل ارتفاع كلفة التدهور البيئي والتي تقدر, وفقا لمعطيات رسمية, بأزيد من13 مليار درهم سنويا, أي ما يمثل7 ر3 بالمائة من الناتج الداخلي الخام, في حين تقدر تكلفة حماية البيئة ب8 ر1 بالمائة من هذا الناتج. مقاربة قانونية ترتكز على التشاور وإشراك كل الفاعلين وقد بذل المغرب جهودا مسترسلة لتغطية المجال البيئي بالقوانين الملائمة حيث تم إصدار قوانين عدة, من أهمها قانون الهواء واستصلاح البيئة والماء وتدبير النفايات المنزلية, ودراسات الآثار البيئية, كما أن هناك قوانين قيد الإعداد تهم على الخصوص الساحل والتربة. وارتكزت المقاربة القانونية, التي انتهجها المغرب في هذا المجال, على التشاور وإشراك كل الفاعلين في إعداد مشاريع النصوص مع الأخذ بعين الاعتبار مسألة تداخل المجالات في ما بينها, وكذا الجوانب المرتبطة بتطبيق النصوص ذات الصلة بالمحافظة على البيئة. وعلى امتداد السنوات الماضية, عرف الإطار القانوني الوطني المنظم للبيئة تطورا ملحوظا, وبالخصوص في ميادين النفايات ودراسات التأثير على البيئة والطاقة ومكافحة التلوثات البحرية الطارئة, مما استلزم التفكير في إعادة الهيكلة الإدارية للجهاز الوصي, قصد ملاءمتها مع المسؤوليات التي تفرضها النصوص القانونية الصادرة, وذلك بإحداث وحدات متوافقة مع اللاتمركز على المستوى الترابي, فضلا عن عصرنة مناهج وأدوات العمل, لإعطاء فعالية أكبر لتنفيذ البرامج المقررة, والعمل على إعداد وإصدار النصوص والقوانين التي تنقص المنظومة التشريعية والتنظيمية الوطنية في المجال البيئي. اهتمام موصول بمختلف الجوانب البيئية غير أن الترسانة القانونية الوطنية ورغم سعيها إلى الإحاطة بمختلف القضايا البيئية, إلا أنها تظل مع ذلك في حاجة إلى نفس جديد وإجراءات موازية لتأهيل المجال البيئي الوطني, بما يضمن الوفاء بالتزامات المغرب في علاقاته مع شركائه الدوليين, وكذا بمقتضيات الاتفاقيات الدولية والمعاهدات التي صادق عليها. وفي هذا السياق, يشكل اعتماد المجلس الوزاري, الذي ترأسه جلالة الملك محمد السادس يوم الخميس الماضي بالقصر الملكي بفاس, للنصوص المرتبطة بملاءمة القانون المتعلق بالماء وتحديد معايير جودة الهواء وحماية أنواع النباتات والحيوانات المتوحشة, بمثابة لبنة أخرى, ستعزز لا محالة الإطار القانوني المتعلق بتدبير وحماية البيئة, وذلك في أفق بلورة الميثاق الوطني الشامل للبيئة, الذي أمر جلالته بإعداده في خطابه السامي الموجه الى الأمة, بمناسبة الذكرى العاشرة لعيد العرش . ويستهدف هذا الميثاق, الحفاظ على مجالات البيئة ومحمياتها ومواردها الطبيعية, ضمن تنمية مستدامة. كما يتوخى صيانة معالمها الحضارية ومآثرها التاريخية, باعتبار البيئة رصيدا مشتركا للأمة, ومسؤولية جماعية لأجيالها الحاضرة والمقبلة. ويعكس هذا الاهتمام الملكي الموصول بالشؤون البيئية في مختلف جوانبها ومن ضمنها الجانب القانوني, مدى حضور البعد البيئي على أعلى مستويات القرار بالبلد, باعتباره العنصر الأساس في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. كما يحمل هذا القرار الملكي, في طياته, رسالة عميقة مفادها أن حماية البيئة هي شأن يهم الجميع, ويتعين أن تتعبأ له جهود كل الطاقات والفعاليات في المجتمع من تنظيمات إدارية ومهنية وعلمية وجمعوية.