في ظل التضارب بين ما تم الإعلان عنه ومضمون المحضر الرسمي بعد الضجة الإعلامية التي أثيرت حول إلغاء نتائج مباراة توظيف أستاذ التعليم العالي مساعد، تخصص القانون الخاص، بكلية الحقوق بمكناس، بمقتضى القرار الذي وقعته صاحبة السعادة مديرة الموارد البشرية خريجة كلية الآداب، بتفويض من وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، بحجة أن أحد أعضائها حاصل على الدكتوراه في الشريعة، وما أثاره ذلك من لغط منقطع النظير على مستوى الوسط الجامعي، لكونه يعتبر سابقة فريدة من نوعها، إذ لم يسبق أن ألغيت نتائج أي مباراة توظيف شارك فيها العضو المذكور، على امتداد مساره المهني، أو غيره من الحاصلين على الدكتوراه في الشريعة، المعينين بكليات الحقوق بالمغرب، ارتأينا من أجل تنوير الرأي العام الوطني، تسليط مزيد من الضوء على هذا الموضوع الفريد في إطار مقاربة شمولية، من شأنها أن تسعف في تقديم إجابات شافية، عن سؤالين جوهريين: هل قرار الإلغاء يتعلق فعلا بصفة العضو المذكور من كونه حاصلا على الدكتوراه في الشريعة، أم أن الأمر يتعلق بتلك المباراة المشؤومة وما تخفي وراءها من خبايا وأسرار مكنونة، مما يستوجب فتح تحقيق عاجل بشأن ملابساتها ؟.
لتحديد الجواب الأكثر احتمالا، سنقوم في هذا المقال الوجيز بمناقشة كل السيناريوهات الممكنة مع القارئ الكريم والرأي العام، تصحيحا للأفهام وإزالة ما شابها من مظاهر اللبس والإبهام، هل الحاصلون على الدكتوراه في الشريعة، المعينون سواء في كلية الحقوق أو كلية الشريعة نفسهافعلا ليسوا متخصصين في القانون، ومن تم ليس لهم الحق قانونا في تدريس مواد قانونية، ولا في عضوية لجان توظيف أساتذة التعليم العالي مساعدين في تخصص القانون الخاص ؟، وهل قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر الصادر بتاريخ 04/07/1997، تحت رقم 97/1125، بتحديد إجراءات تنظيم المباراة الخاصة بتوظيف أساتذة التعليم العالي المساعدين، (منشور بالجريدة الرسمية، عدد 4522، بتاريخ 2 أكتوبر 1997، ص: 3855)، فيه ما يمكن اعتماده سندا قانونيامعتبرا لتبرير إلغاء نتائج المباراة بجرة قلم من صاحبة السعادة مديرة الموارد البشرية، المفوض لها بذلك من طرف معالي الوزير؟.
أولا: مدى حق الحاصلين على الدكتوراه في الشريعة في تدريس مواد قانونية،أو في عضوية لجان توظيف أساتذة التعليم العالي مساعدين في تخصص القانون الخاص: محاولة في التوضيح.
لا يوجد نص قانوني على الإطلاق يمنع الحاصلين على الدكتوراه في الشريعة، المعينين بإحدى المؤسسات الجامعية من تدريس مواد قانونية، بل على العكس من ذلك يوجد نص جاحظ ينطق صراحة وبأعلى صوت أن لهم كل الحق في ذلك، حسبنا هنا الاستدلال بالمادة 10 من القانون التنظيمي رقم 106.13 المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة (منشور بالجريدة الرسمية عدد 6456، بتاريخ 14 أبريل 2016، ص: 3160)، التي تنص على أنه:"يعفى من المباراة المترشحون الحاصلون على شهادة دكتوراه الدولة في القانون أو الشريعة، أو شهادة الدكتوراه في القانون أو الشريعة، أو ما يعادلهما طبقا للمقتضيات التنظيمية الجاري بها العمل، الذين لا تتجاوز سنهم عند تقديم الطلب خمسا وخمسين (55) سن، والمنتمون إلى بعض فئات المهنيين والموظفين التالي بيانهم:
- الأساتذة الباحثون الذين مارسوا مهنة التدريس الجامعي في فرع من فروع القانون لمدة لا تقل عن عشر (10) سنوات..."؛
ووجه الاستدلال بهذا النص كما هو واضح يبرز من زاويتين:
أولاهما: إن تسوية المشرع بين الحاصل على الدكتوراه في القانون والحاصل على الدكتوراه في الشريعة في ممارسة صنعة القضاء، وإعفاؤهما معا من اجتياز المباراة بهذا الشكل الصريح، يشكل دليلا قاطعا وبرهانا ساطعا على أنه يفترض فيهما معا دون أي تمييزبينهما وجود الكفاءة القانونية اللازمة والتكوين القانوني المطلوب، ويعترف لهمامعا بمؤهلاتهما العلمية في الحقل القانوني التي تسمح لهما بممارسة صنعة القضاء بلا شك ولا مراء، مما لا يحتاج الأمر معها إلى اختبارهم وامتحانهم؛
ثانيهما: إن اشتراط المشرع ممارسة مهنة التدريس الجامعي في فرع من فروع القانون لمدة لا تقل على عشر سنوات، دون تخصيص ذلك بحملة الدكتوراه في القانون، دليل قاطع على أن حملة الدكتوراه في الشريعة لهم الحق أيضا في تدريس المواد القانونية.
وأساس ذلك كما لا يخفى، هو أن جميع المواد القانونية التي تدرس في كليات الحقوق هي نفسها تدرس في كلية الشريعة، وبذات الغلاف الزمني، على يد أساتذة القانون، بعضهم يجمع بين الأستاذية ومهنة المحاماة، مما يضفي على تكوين خريجي كلية الشريعة الطابع القانوني، من ذلك مادة المدخل لدراسة القانون، القانون المدني (النظرية العامة للالتزامات، والعقود المسماة)، الحقوق العينية والتحفيظ العقاري، قانون الأسرة، القانون الدولي الخاص، القانون الجنائي العام، القانون الجنائي الخاص، القانون الاجتماعي، القانون التجاري، قانون المسطرة المدنية، قانون المسطرة الجنائية، التوثيق العدلي، التوثيق العصري، القانون الدستوري والنظم السياسية، القانون الإداري..، فكيف يعقل منطقا وطبعا أن يتم تدريسهم هذه الترسانة من المواد القانونية ثم لا يعترف لهم في نهاية المطاف بتكوينهم القانوني، سؤال نوجهه إلى من يجهل الحقيقة، ويجاهر بالعداء المجاني لهم، ويناهض فكرة أن الأستاذ الجامعي خريج كلية الشريعة قادر على تدريس القانون، لعله يفيدنا بجواب لا نعرفه.
ومن جهة أخرى، فإن هذا التكوين القانوني الواضح، هو الذي يسمح بقبولخريجي كلية الشريعة لاجتياز مباراة المنتدبين القضائيين، وأيضالاجتياز مباريات الملحقين القضائيين، شأنهم في ذلك شأن خريجي كليات الحقوق، وهذا يؤكد مرة أخرى بما لا يحتاج إلى نقاش الطبيعة القانونية لتكوينهم، وإلا لما تم السماح لهم باجتياز المباريات المذكورة، وقد أبانوا فعلا على مستوى الممارسة عن علو كعبهم ومستوى كفاءتهم، بدليل أن أكبر قامات المحاكم المغربية وعلى رأسها محكمة النقض بالمغرب هم قضاة تخرجوا من كلية الشريعة وارتووا من عبابها، بل إن منهم من تقلدوا مهاما من الأهمية بمكان، فبعضهم رؤساء محاكم، وبعضهم وكلاء عامون بمحاكم الاستئناف، وبعضهم نواب وكيل الملك، وبعضهم قضاة للتحقيق، والأمثلة كثيرة، حسبنا منها ما ذكرناه، وإلا فهو مجرد غيض من فيض.
وإذا ثبت ذلك، فإن حق الأستاذ الجامعي (الحاصل على الدكتوراه في الشريعة) في أن يكون عضوا بلجنة مباريات توظيف أساتذة التعليم العالي مساعدين في القانون الخاص، هي من مستلزمات حقه المشروع في تدريس المواد القانونية التي لها علاقة بتكوينه القانوني.
ثانيا: مدى سلامة الاحتجاج بقرار 97 لإلغاء نتائج المباراة: محاولة في التقييم.
إن صاحبة السعادة مديرة الموارد البشرية بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، وهي توقع بأياديها الناعمة قرار إلغاء نتائج المباراة بجرة قلم، في ضرب صارخ لحق المترشح الناجح، وقمع رهيب لحلمه السرمدي في ولوج مجال الأستاذية، مستندة في ذلك إلى قرار 97، لم تستفد من تجربة لها سابقة ألغت فيها مباراة مماثلة، لنفس العلة، قامت لها الدنيا ولم تقعد، إلى درجة تدخل معها السيد رئيس الحكومة السابق لتصحيح الوضع، وها هي سعادتها تعيد الكرة مرة أخرى، ولعلها نسيت أو تناست الضجة السابقة، ونحن هنا نذكرها بماضيها التليد، لعل الذكرى تنفعها، من خلال إبراز بعض مظاهر التعسف والشطط التي أبانت عنها في استعمال التفويض الممنوح لها من السيد معالي الوزير، وذلك من زاويتين اثنتين: إحداهما قانونية، وثانيهما واقعية.
- من زاوية التحليل القانوني، فإن قراءة السيدة المديرة صاحبة السعادة للمادة 5 من قرار 97 الذي استندت عليه في تبرير جرة قلمها، الملغية للمباراة، لم تكن قراءة سليمة ولا واعية، لأن المادة 5 لا تفهم بشكل صحيح ما لم تقرأ بمعية المواد التي قبلها، فالمادة 3 من ذات القرار تنص على أنه:"يمكن للمترشحين المتوافرة فيهم الشروط المطلوبة (أي الحصول على شهادة الدكتوراه حسب المادة 2 من نفس القرار) أن يقدموا طلبات ترشيحهم في التخصص المطابق لتكوينهم بأية مؤسسة جامعية تنظم المباراة المذكورة"، وبناء عليهفتكوين:"الأحوال الشخصية والتبرعات"، الذي كان مفتوحا بكلية الشريعة، يسمح لصاحبه بتقديم طلب ترشيحه في تخصص القانون الخاص، بأي مؤسسة جامعية، سواء كانت كلية الحقوق أو كلية الشريعة نفسها، لكون قانون الأسرة جزءا لا يتجزأ منه، وبالتالي فإن مقتضيات الفقرة الأولى من المادة 5 من القرار الوزيري المستند عليه، التي تنص على أنه:"تتألف لجنة مباراة توظيف أساتذة التعليم العالي المساعدين من خمسة أعضاء رسميين، كلهم أساتذة للتعليم العالي ينتمون لميدان المناصب المتبارى في شأنها، عضوان منهم غير تابعين للمؤسسة المعنية"، هي من متممات المادة 3، مما يعني أن التعليل الوزيري المبني على كون أحد أعضاء لجنة المباراة حاصل على الدكتوراهفي الشريعة، لا يصلح بأي شكل من الأشكال أن يكون مسوغا لإلغاء نتائج المباراة.
ولعل من التطبيقات القضائية القريبة من ذلك، ما قضت به المحكمة الإدارية بفاس، من أن حصول الأستاذ المعين بكلية الحقوق بناء على شهادة جامعية من كلية الشريعة، لا تحول دون تمتعه بنفس امتيازات أساتذة القانون الخاص، بما في ذلك الحق في تقديم ملف التأهيل الجامعي بنفس المؤسسة المعين بها، مادام تخصصه مطابقا لأحد التخصصات التي تدرس فيها. (يراجع الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بفاس، بتاريخ 17/7/2007، تحت عدد 728/2007، في الملف عدد 185 غ/2007، لفائدة ذ. عمرو لمزرع الأستاذ بكلية الحقوق بفاس، ضد عميد الكلية).
- أما من زاوية التحليل الواقعي، فإن مما يدل على عدم صحة سند الإلغاءهو عدم قناعة الوزارة نفسها بما رأته مسوغا كافيا لنسف نتائج المباراة المشؤومة،بدليل أنها لم تلغ نتائج أي مباراة سبق أن كان الأستاذ المذكور عضوا في لجنتها، على امتداد 17 سنة من مساره المهني، ولم تقم بذات الشيء بالنسبة لجل مباريات التوظيف التي شارك أو يشارك في عضويتها من هم على شاكلته بمختلف المؤسسات الجامعية بمملكتنا السعيدة، ولا أدل على ذلك من مبارتين حديثتي العهد لتوظيف أساتذة التعليم العالي مساعدين في تخصص القانون الخاص، تم الإعلان عن نتائجهما مؤخرا، إحداهما بالكلية متعددة التخصصات بتازة (دورة 30 نونبر 2021)، والثانية بالكلية متعددة التخصصات بالرشيدية (دورة 07 شتنبر 2021)، حيث ترأس لجنة المباراة الأولى أستاذ حاصل على الدكتوراه في الشريعة، وشاركت في عضوية لجنة المباراة الثانية أستاذة خريجة دار الحديث الحسنية، إذ لم يثر مطلقا موضوع صفة أي منهما، لإلغاء نتائج المبارتين، وللرأي العام الواعي بالأمور أن يفهم ما يختبئ بين السطور.
ومن جهة أخرى، كيف يعقل أن يكون الأستاذ الذي ألغيت المباراة لكونه حاصلاعلى الدكتوراه في الشريعة معينا بقرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر في منصب القانون الخاص، وحاصلا على شهادة التأهيل الجامعي من كلية الحقوق بوجدة، وناجحا في مباراة الانتقال من أستاذ مؤهل إلى أستاذ التعليم العالي في منصب القانون الخاص التي نظمتها جامعة سيدي محمد بن عبدالله، ثم بجرة قلم من صاحبة الفهم الناعميصدر قرار آخر من الوزارة الوصية يمحو كل ذلك ؟، وفي ضوء هذا التناقض الغريب بين القرارين نتساءل مع ثلة من الأساتذة الباحثين في حيرة شديدة: ما هو الوضع القانوني الذي سيتخذه الأستاذالمذكور بمؤسسته ؟، هل يستمر في أداء مهامه من تدريس للمواد القانونية، وتأطير لبحوث الماستر والإجازة والدكتوراه، فيكون بذلك منتحلا لصفة أستاذ القانون الخاص حسب القرار الناسخ، في تحد صارخ لمقتضيات القانون الجنائي ؟، أم يتوقف عن كل ذلك، فيكون مخلا بواجبه المهني حسب القرار المنسوخ ؟، تساؤلان جوهريان مطروحان ننتظر من السيد معالي الوزير المحترم،أو من صاحبة الفهم الناعم مديرة الموارد البشرية، الإجابة الشافية عنهما، على وجه السرعة، وقفا لنزيف الاضطرابات والنزاعات التي تعيشها المؤسسة على إثر ملابسات الإلغاء، قبل أن يتطور الوضع في اتجاه الاستنجاد بعدالة السلطة القضائية للحسم فيها، وإرجاع الأمور إلى نصابها، أو التكتل في إطار تنسيقية وطنية تضم جميع الأساتذة الجامعيين الحاصلين على الدكتوراه في الشريعة، المعينين بكليات الحقوق بالمغرب.