سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الخطابان الملكيان في ذكرى عيد العرش وثورة الملك والشعب يشكلان مرجعية أساسية وقاعدة صلبة للعمل الحكومي الوزير الأول عباس الفاسي في كلمته بمجلس الحكومة
ترأس الوزيرالأول السيد عباس الفاسي أمس الخميس مجلسا للحكومة استهله بعرض جاء فيه:
بسم الله الرحمن الرحيم السيدات والسادة أعضاء الحكومة؛ إننا نعقد اليوم أول اجتماع لمجلس الحكومة بعد الفترة الصيفية، متمنيا أن تكونوا قد أخذتم قسطا من الراحة رغم قصر مدتها، سيما وأنه تنتظرنا قضايا وملفات هامة خاصة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية. وقبل كل شيء، أود أن أذكر في بداية هذه الكلمة بنبأ حزين وهو وفاة الأمين العام للحكومة الأستاذ عبد الصادق الربيع تغمده الله بواسع رحمته وأسكنه فسيح جناته. فقد كان الراحل، وبشهادة الجميع، خبيرا بدواليب الإدارة وبتدبير الشأن العام، وفقيها متضلعا في القانون قل نظيره، وكان ذاكرة حقوقية قوية، وموسوعة قانونية. وقد جسد مثالا نموذجيا في الإخلاص للعرش والوطن. كما عرف عنه نكران الذات والتفاني في العمل وظل يمارس مهامه إلى آخر رمق من حياته. إن وفاته، كما قال جلالة الملك حفظه الله، لا تعد خسارة فادحة فحسب، وإنما رزءا جسيما بالنسبة لجلالته ولحكومة المملكة. وقد قرر جلالة الملك تعيين الأستاذ إدريس الضحاك أمينا عاما جديدا للحكومة، وأتقدم إلى الأستاذ الضحاك، باسمي الشخصي وباسمكم جميعا، بأحر التهاني على الثقة المولوية الغالية التي حظي بها. ويجسد هذا التعيين تقديرا للمسار المهني لرجل مشهود له بكفاءته القانونية العالية وخبرته الطويلة التي برهن عنها دوما خلال توليه العديد من مناصب المسؤولية السامية. وإنني لعلي يقين بأنه سينكب على دراسة مختلف النصوص التشريعية والتنظيمية المعروضة على الأمانة العامة للحكومة، لما عرف عنه من حزم وحنكة كبيرة ودراية عالية في الشؤون القانونية، مما سيكون له الوقع الإيجابي على منظومتنا القانونية وعلى مردودية العمل الحكومي، داعيا له بكامل التوفيق في مهامه الجديدة. الأولويات والرهانات الكبرى ويأتي عقد مجلسنا الحكومي هذا بعد احتفائنا بالذكرى التاسعة لاعتلاء صاحب الجلالة الملك محمد السادس أيده الله ونصره عرش أسلافه المنعمين، وبذكرى ثورة الملك والشعب وعيد الشباب المجيد، وهي فرصة سانحة لاستحضار مضامين الخطابين المولويين الساميين ل 30 يوليوز 2008 و20 غشت 2008. ويشكل هذان الخطابان المتكاملان مرجعية أساسية وقاعدة صلبة للعمل الحكومي، حدد جلالته حفظه الله من خلالهما الأولويات والرهانات الكبرى، وأعطى توجيهاته النيرة للحكومة، للعمل على رفع مختلف التحديات التي تواجه بلادنا. وفي هذا السياق، تظل مسألة تحصين الوحدة الترابية للمملكة في مقدمة الأولويات. ونسجل باعتزاز كبير التأييد الدولي المتنامي للمبادرة المغربية للتفاوض حول نظام الحكم الذاتي، في الأقاليم الجنوبية، لتمكين سكانها من تدبير شؤونهم بأنفسهم، في إطار وحدة المغرب الترابية وسيادته الوطنية. ونؤكد مجددا تجند الحكومة وتعبئتها وراء جلالة الملك لحماية وحدتنا الترابية وإنهاء النزاع المفتعل، بحل سياسي وواقعي ونهائي يؤكد أحقية المملكة في سيادتها على الأقاليم الجنوبية. ويأتي إصلاح القضاء في صدارة الأوراش الإصلاحية، وقد أكد جلالته حرصه على تحديثه وصيانة استقلاله وتخليقه ليس فقط لإحقاق الحقوق، وإنما أيضا لتوفير مناخ الثقة والأمن القضائي كمحفزين على التنمية والاستثمار. ومن جملة أوراش المرحلة المقبلة التي أكدها جلالته إقامة المؤسسة الدستورية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي الذي سيصبح الإطار الملائم للحوار الاجتماعي، وحسن تفعيل المخطط الاستعجالي لمنظومتنا التربوية، الذي سبق للحكومة أن عرضته على جلالة الملك، من أجل إعادة الاعتبار وترسيخ الثقة في المدرسة العمومية المغربية والتغلب على الاختلالات التي تواجهها. إعطاء دفعة قوية لتعميم وإلزامية التعليم الأساسي ومحاربة الانقطاع عن الدراسة ويقترن البدء في تنفيذ هذا المخطط الاستعجالي، بإطلاق جلالة الملك العملية الوطنية لمنح الكتب والأدوات المدرسية، لمليون طفل محتاج، التي رصد لها مبلغ 204 مليون درهم، بهدف دعم الأسر المعوزة، في مواجهتها تكاليف الدخول المدرسي المقبل وإعطاء دفعة قوية لتعميم وإلزامية التعليم الأساسي ومحاربة الانقطاع عن الدراسة وهي مساهمة وازنة في تدعيم القدرة الشرائية لعشرات الآلاف من الأسر. وتهم أوراش الإصلاح أيضا اعتماد نهج للحكامة الترابية المحلية يقوم على النهوض باللامركزية والجهوية الموسعة واللاتمركز، وتحديث الفلاحة لكسب رهان الإنتاجية والأمن الغذائي، مع تمديد العمل بالنظام الجبائي الفلاحي الحالي إلى نهاية سنة 2013، وبلورة تصور ضريبي ملائم ومتدرج للقطاع الزراعي يراعي الأوضاع الاجتماعية الهشة للفلاحين الصغار، يتم اعتماده والعمل به ابتداء من القانون المالي لسنة 2014، واعتماد استراتيجية مضبوطة لرفع تحدي ندرة المياه، وانتهاج سياسة تجمع بين التدبير العقلاني للمنتوجات الطاقية واعتماد الاقتصاد في استهلاكها مع تنويع مصادرها، إضافة إلى اعتماد استراتيجية جديدة في المجال الصناعي والخدماتي والتكنولوجيات الحديثة. الحياة المعيشية للمواطن وكما تعلمون، فقد حمل الخطابان الساميان، بصمة اجتماعية واضحة للإصلاحات العميقة الجارية في عدة قطاعات أساسية ذات الصلة بالحياة المعيشية للمواطن. وفي هذا الإطار، أذكر بما قاله جلالته حفظه الله من ضرورة توطيد المكانة المركزية لمؤسسة الأسرة وتعزيز دور المجتمع المدني للنهوض بالتكافل الاجتماعي، وتوسيع الطبقة الوسطى كقوة محركة للإنتاج والإبداع، وذلك بجعلها هدفا استراتيجيا في كافة السياسات العمومية. لذا، فإن الحكومة مطالبة منذ الآن بالتفكير في الموضوع، بتنسيق مع مختلف المتدخلين، والانكباب على تحديد منهجية عمل تأخذ في الاعتبار إدراج هذا المعطى في مختلف سياساتنا العمومية، لتوسيع الطبقة الوسطى، لتشكل، كما قال جلالته، قاعدة عريضة وعمادا للاستقرار ببلادنا ومرتكزا لمجتمع متوازن ومتضامن. وسنخصص قريبا إن شاء الله جلسة خاصة لدراسة هذا الموضوع من مختلف جوانبه. واستكمالا لمقومات الدعم الاجتماعي، وتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وضبط الأسعار، ومحاربة الرشوة، فقد دعا جلالته الحكومة، كما تعلمون، إلى تسريع وتيرة اعتماد مدونة حماية المستهلك، والتطبيق الحازم لقانون حرية الأسعار والمنافسة، وتفعيل مجلس المنافسة، إضافة إلى تنصيب الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة. وستوفر الحكومة كل الدعم الضروري لقيام الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ومجلس المنافسة بمهامهما. كما تلتزم الحكومة، بمواصلة تخليق الحياة العامة وبالانخراط في محاربة كل الظواهر السلبية التي نبه إليها جلالة الملك، وفي مقدمتها المضاربات في الأسعار واستغلال اقتصاد الريع والامتيازات الزبونية ونهب المال العام بالاختلاس والارتشاء واستغلال النفوذ والغش الضريبي. تلكم هي بعض القضايا الكبرى والتوجهات النيرة التي جاءت في الخطابين المولويين الساميين، والتي حدد من خلالهما حفظه الله الأوراش المصيرية التي تستدعي من الحكومة ومن كافة القوى الحية ببلادنا تعبئة شاملة وتجندا كاملا وراء عاهل البلاد. وبهذه المناسبة، أدعو السيدات والسادة أعضاء الحكومة، إلى جانب الملفات القطاعية التي يسهرون على تتبعها في إطار برنامج العمل الحكومي، إلى الانكباب، كل فيما يخصه، على تعميق دراسة التعليمات المولوية السامية، على أن نقوم في مرحلة مقبلة قريبة، إن شاء الله، بوضع الإطارات المثلى، وتحديد البرامج والمشاريع بهدف بلورة الإجراءات العملية الكفيلة بتحقيق الأهداف والتوجهات والمبادرات التي أعلن عنها صاحب الجلالة حفظه الله. السيدات والسادة أعضاء الحكومة، لابد من التذكير هنا بما استهل به جلالته خطاب العرش من قدرة بلادنا على مواجهة التحديات والرهانات المطروحة عليها في سياق ظرفية دولية صعبة طبعتها تقلبات الاقتصاد العالمي المتجلية في الارتفاع غير المسبوق لأسعار الطاقة والمواد الغذائية الأساسية؛ وقد استطاعت بلادنا، والحمد لله، مواجهة هذه الإكراهات بفضل نجاعة الأوراش الكبرى والمشاريع التنموية الاقتصادية والاجتماعية التي يقودها صاحب الجلالة، مما مكنها من الحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية والمالية، وخلق أقطاب جهوية للتنمية، وتحسين المؤشرات الاجتماعية. مقاومة تقلبات الأسعار وقد اعتبر بلدنا، بشهادة مؤسسات مالية دولية، من الدول القلائل التي تمكنت اقتصادياتها من مقاومة تقلبات الأسعار بفضل الإصلاحات الهيكلية والتسريع من وتيرتها. ويتعين علينا جميعا استحضار بعض المؤشرات والأرقام التي تعرفونها، والتي نلمس من خلالها التطور الإيجابي الذي تعرفه بلادنا في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية، إذ ارتفعت نسبة نمو القطاعات غير الفلاحية إلى حوالي 6,5 % سنة 2007 مع تواصل التحكم في وتيرة التضخم. كما ارتفعت نسبة النمو وتنوعت مصادره ببروز قطاعات واعدة كما هو الشأن بالنسبة للبريد والمواصلات، والبناء والأشغال العمومية والسياحة والصناعة والتجارة والأنشطة المالية والتأمينات والمهن الجديدة المرتبطة بترحيل الخدمات. كما تم حصر عجز الخزينة في حدود 3 % من الناتج الداخلي الإجمالي في المتوسط. وقد عرفت المؤشرات الاجتماعية تحسنا ملموسا حيث انخفضت نسبة البطالة على المستوى الوطني إلى 9,1 % خلال الفصل الثاني من سنة 2008، كما انخفضت نسبة الفقر بصفة ملحوظة من 15,3 % سنة 2001 إلى 9 % سنة 2007. وسجلت الاستثمارات ببلادنا انتعاشا هاما بفضل انتهاج سياسة اقتصادية تتمحور حول الحفاظ على استقرار الإطار الماكرو اقتصادي وتحسين مناخ الاستثمار وتطوير جيل جديد من البرامج التعاقدية القطاعية. وهكذا، ارتفعت نسبة الاستثمارات ما بين 2002 و2007 من 25 % إلى 31 % من الناتج الداخلي الخام. ومنذ الولاية الحكومية الحالية إلى اليوم، تمت دراسة 117 مشروع استثماري، صودق منها على 43 اتفاقية استثمار بمبلغ يفوق 40 مليار درهم ستمكن، بحول الله، من إحداث حوالي 20 ألف منصب شغل. وسنعمل من خلال قانون المالية لسنة 2009، على توفير نمو مستدام يرتكز على تكثيف الاستثمارات والتشغيل يهدف إلى تحقيق رقي اجتماعي لفائدة كل شرائح السكان وتعزيز التماسك الاجتماعي والتوازن الجهوي، إضافة إلى تسريع وتيرة إنجاز الأوراش الكبرى وتحديث التدبير العمومي. وحفاظا على القدرة الشرائية للمواطنين، سنواصل سياسة موازنية ونقدية لحصر نسبة التضخم في حدود ضيقة تلافيا لالتهاب الأسعار، ونحن الآن بصدد التهيء لإدخال إصلاح شمولي وبنيوي على نظام المقاصة في إطار مقاربة تشاركية مع جميع الفاعلين المعنيين. المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وبالإضافة إلى المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، سيساهم برنامج تحدي الألفية، الذي أرسينا أخيرا هياكله، في دفع عجلة النمو وتقليص الفقر في المناطق المعوزة المستهدفة. كما سنعمل على توسيع ولوج خدمات الصحة والشروع في تفعيل المساعدة الطبية لفائدة ذوي الدخل المحدود. وقامت الحكومة بمجهود كبير دعما للقدرة الشرائية للموظفين والأجراء في إطار الحوار الاجتماعي، وتم تخصيص أكثر من 16 مليار درهم لتحسين دخل الموظفين. وكما التزمنا بذلك سابقا، ستستأنف الحكومة قريبا الحوار الاجتماعي مع مختلف الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في نطاق منهجية محكمة وجدول أعمال محدد. ومهما كان تحسن هذه المؤشرات، كما قال صاحب الجلالة حفظه الله في خطاب العرش، «فإنه لا ينبغي أن تحجب عنا أن الطريق ما يزال شاقا وطويلا لتحقيق طموحنا الكبير في الرفع من معدلات التشغيل باعتباره يشكل الحماية الاجتماعية الحقيقية لمواطنينا ولشبابنا على الخصوص. ولن يتأتى ذلك إلا بالرفع من وتيرة النمو والتوزيع العادل وتحرير المبادرات الخلاقة المدرة للثروات ولفرص العمل» (انتهى كلام جلالة الملك). ونؤكد في هذا الشأن حرص الحكومة على إيلاء عناية خاصة لقضية حاملي الشهادات العليا الباحثين عن عمل وتمكينهم في ميزانية السنة المقبلة، من المناصب التي تناسب مؤهلاتهم وتسمح بها إمكانيات الوظيفة العمومية. ولا تفوتني هذه المناسبة، أمام الظروف الدولية الصعبة وما قد ينتج عنها من تفاقم الضغوطات على المالية العمومية، أن أؤكد من جديد ضرورة الاستعمال الأمثل للموارد المتوفرة وتفعيل سياسة ترشيد النفقات من خلال تخفيض نمط عيش الإدارة ومواصلة محاربة التبذير. وأؤكد أن ما تحقق من نتائج إيجابية في مسيرة عملنا، جاء بفضل ثقة جلالة الملك وبفضل تماسك الهيئة الحكومية وتضامنها وعملها بروح الفريق الواحد وهو ما يحفزنا على استلهام هذه الروح والعمل بها في المرحلة المقبلة، لتحقيق المزيد من أوراش الإصلاح وخدمة بلادنا تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك أيده الله ونصره. وأخيرا، قبل أن نشرع في دراسة النقط المسجلة في جدول أعمال مجلسنا هذا، أتقدم إليكم بأحر التهاني بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك الكريم. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته