مازالت فضيحة المنتخب الوطني لكرة القدم المدوية في ليبروفيل أمام منتخب الغابون واندحاره بثلاثة أهداف مقابل واحد، تلقي بظلالها على الجمهور المغربي الذي لم يستسغ بعد كيف أن منتخبا يتشكل من لاعبين يصنعون الفرحة والفرجة في الدوريات الأوروبية والخليجية فيما يصنعون في مقابلها »الفقصة« مع الفريق الوطني. كثرت التساؤلات ومعها تشتت الإجابات، بين مقتنع بإفلاس رياضي عام في المغرب (في كل الرياضات بدون استثناء) وهذه الفئة (العريضة) لم يفاجئها الإقصاء المذل لمنتخب كرة القدم، وبين متفائل بانبعاث جيل جديد قد يعيد القاطرة إلى السكة الصحيحة، وللأسف هذه الفئة قليلة جدا. عقب كل نكسة يجتهد مسؤولونا في إعطائنا أقراصا مهدئة (قد تكون مهلوسة) عبارة عن حلول ترقيعية مناسباتية تنسينا آثار الصدمة للحظة إلى حين قدوم صدمة أكبر لا تنفع معها مهدئات ولا مسكنات . فالمطلوب الآن علاج جذري بعيد عن المراهم السطحية من خلال الجلوس مع الذات ومساءلتها والبحث عن مكمن الداء الذي جعل الكرة المغربية تتقهقر وتتراجع إلى الوراء عدة سنوات. تتذكرون التصريحات التي أطلقها المدرب الفرنسي هنري ميشيل مباشرة بعد العودة من نهائيات كأس إفريقيا للأمم في غانا والتي شخص فيها علل الواقع الكروي المغربي عندما قال إن التسيير الرياضي في بلادنا عشوائي والبنيات التحتية متدهورة، فما كان جزاؤه إلا الإقالة (بتواطؤ مع بعض الصحافيين سامحهم الله). تم الإتيان بروجي لومير وقيل إنه »المهدي المنتظر« والمخلص لكرة القدم المغربية من أزماتها، بالنظر إلى ما حققه مع منتخب تونس الشقيق (فاز معه بكزس إفريقي للأمم على حساب المغرب وأهله إلى مونديال 2006 بألمانيا) وهذا بالمناسبة يحيلنا على ظاهرة غريبة وهي لماذا ينجح المدربون في تونس ويفشلون مع المغرب؟ ولكم في تجارب لومير وقبله كاسبارجاك وحاليا هومبيرطو كويلهو، الإجابة سهلة بكل تأكيد، ففي تونس هناك سياسة كروية واضحة (عارفين آش باغيين وآش خاص يدار ليه) بينما عندنا في المغرب (مازال ماعارفينش آش باغيين ولا آش خاص يدار). إذا كان القيمون على رياضتنا الوطنية بعد الهزيمة الأولى أمام الغابون في مدينة الدارالبيضاء قد غيروا جامعة كرة القدم برئاسة حسني و بعد التعادل أمام الطوغو في الرباط غيروا المدرب روجي لومير ومع كل ذلك لم تكن النتيجة سوى الفشل، والآن بعد نكسة الغابون لم لا يجرب المسؤولون تغيير اللاعبين هذه المرة ومن تم فليعاينوا النتيجة! من المؤكد أنها ستكون أفضل.... تتذكرون خسارة المنتخب الوطني سنة 1979 أمام الجزائر بخمسة أهداف لواحد في إقصائيات الألعاب الأولمبية في موسكو والتي كانت واحدة من أكبر النكسات في تاريخ كرة القدم المغربية، كشفت وقتئد أن اللاعبين الذين حملوا قميص الأسود طويلا لم يعد لهم مكان في الفريق، فما كان من السلطات العليا في البلاد إلا إعطاء الأوامر بإجراء تغيير جذري على جميع المستويات (جامعة ومدرب وخصوصا اللاعبين) وتم تشكيل منتخب جديد شاب فكانت النتيجة التألق في كأس إفريقيا للأمم 1980 في لاغوس النيجيرية وحصول الأسود على المركز الثالث والفوز بذهبية البحر المتوسط عام 1983 والمشاركة في أوليمباد لوس انجلوس 1984 و الفوز بفضية الالعاب العربية 1985 و المرور إلى الدور الثاني من بطولة كأس العالم فى المكسيك 1986 ، وكل ذلك بأموال قليلة بالمقارنة مع ما يوجد حاليا . الجميع يعلم أن جامعة كرة القدم الحالية تتوفر في خزينتها على أموال طائلة تغنيها عن سؤال »السبونسورينغ«، لكن الخطأ الذي وقعت فيه هذه الجامعة هو تنصيب اهتمامها كليا على الفريق الوطني الأول وأهملت جوهر مشاكل الكرة الحقيقية.. فالمطلوب منها الآن هو الاعتناء أكثر بالبطولة الوطنية وبالأندية المحلية وتعزيز البنية التحتية وكل ذلك سيصب في الرفع من مستوى اللاعبين المحليين وبالتالي يصب أيضا في مصلحة الفريق الوطني ليس الأول فقط وإنما جميع الفئات العمرية. الكرة الآن في مرمى الجامعة إما أن تصيب الهدف وترقى بالرياضة الشعبية الأولى في بلادنا، وإما أن تبقى دار لقمان على حالها وتنهج أساليب ترقيعية وظرفية فيصاب الجمهور المغربي هذه المرة ليس بالصدمة وإنما بالسكتة القلبية.