قد يَسْتَعِر الحنين في الأنفس بخيالاته النائسة بحنو طفولي، ويتمنى الانسان الذي أوغل به النأي، سواء في الزمن من حيث العمر، أو في الجغرافيا من حيث الابتعاد عن مكان سقوط الرأس... يتمنى العودة إلى منابت جذوره الأولى، ليجد أن محاولته تَلَمُّس من جديد بعض الذكريات والوجوه السحيقة، أشبه بقبض الماء؛ لكن ماذا عن هذا السفر النوسطالجي الشاق بالنسبة للمغربية «جميعة» زوجة الكاتب الفرنسي الشهير «جان ماري غوستاف لوكليزيو "j.M.G.LE Clizio الحائز على نوبل للآداب عام 2008، فقد خصص هذا الأخير مع زوجته المغربية «جْميعة» حسب المقال الذي خطه «خالد الخراز» باللغة الفرنسية (انظر: www.afrik.com) كتابا مثيرا حول سفرهما الاستقصائي، موسوما ب «ناس الغيوم "gens des nuages ، (منشورات فوليو 1999)؛ وهو سفر قادهما إلى قلب الصحراء المغربية، الصحراء الغربية، وتحديدا في الساقية الحمراء، حيث تنتمي أصول زوجة الكاتب «جميعة». إن الأسفار حسبما حفر خالد الخراز هي دائما تجارب ؛ ولكن أن يسافر المرء للعثور من جديد على جذوره، ذلكم يعيد الصور إلى موضعها في مواجهة الأسماء الأسطورية التي تصدح في الذاكرة، لأنها تخاتلنا في ذات الوقت الذي لم توطأ فيه أبدا الأماكن المستحضرة؛ إن لوكليزيو وجميعة، يجزمان في كتابهما: «أجل، نعبر بسرعة الريح البوابة التي تُبعد «جميعة» عن عالم ما قبل ولادتها... السفر، ما الذي يصنعه السفر؟... لكن أن تؤوب من جديد للعثور على الوجه القديم، والنظر العميق والرؤوم الذي يُوَشِّج الطفل بأمه، ببلاد، بواد...». ثمة سفر مُسَارِّي في هذا الحج الى الينابيع، مدفون بشكل متناقض في عمق البيداء في أماكن يستحيل بلوغها اليوم، وبقيت عشرات السنين شاقة ومحفوفة بالمخاطر؛ تقول جميعة ولوكليزيو في كتابهما «ناس الغيوم»: «هنا، كل قطعة أرض، كل فيء، كل حصاة تجري مع الريح، كل زوبعة تل إلى مسافة بعيدة، هي مألوفة . كل لحظة تمر هي إحساس، تقص حكاية»؛ ومن خطوة إلى خطوة، من كثيب لكثيب، ومن واد إلى واد.. يمتد السفر الذي التزم به «ج. م.غ. لوكليزيو وزوجته «جميعة»، ويتضاعف بالصور الفوتواغرافية الرائعة التي أنجزها «برونو باربي "Bruno barby والتي تجعل المرء يستشعر مباشرة ، المناظر الطبيعية، والانطباعات والاحساسات الموصوفة. كيف لايمكن أن تأسرنا «الطبيلة tbeila» وهي الصخرة التي كان «سي أحمد العروسي» الشيخ الصوفي، يُدَرِّس عليها مريديه، وتوجد هذه الصخرة على بعد ساعة من الوادي؛ نقرأ في الكتاب: «بالنسبة لجميعة، يعتبر المجيء الى غاية هذه الصخرة، مؤشرا على نهاية السفر. لايمكن العثور على شيء آخر... وليس بالإمكان أبدا نسيان الصخرة، ولا القُطر الأمغر المحيط بها، وأمواج الرمل، والأحجار السوداء، والشاطئ الصخري المحروق الذي يغلق الوادي من الشرق، والخط الدقيق لشجيرات الجنبية على امتداد الماء الجوفي، ولا هذه الريح، ولاهذي السماء، لا هذا الصمت». إنه لوقْع وشعور رائع، أن تلمس عالما هو في ذات الآن، ثابت وهش، يقول لوكليزيو وجميعة في كتابهما: إنهما آخر رُحَّل الأرض، متأهبان دائما للرحيل الى الأنأى، الى الخارج، هنا حيث المطر ينهمر، هنا حيث النداءات ضرورة أَلْفِيَّةَ السنين وقصوى... لاريب أننا لم نفهم إلا الجزء اليسير من يكونوا ناس الغيوم، ولم يكن لدينا شيئا نمنحهم إياه بالمقابل. ولكن تلقينا من هؤلاء فضيلة نفيسة تكمن في مثال الرجال والنساء الذين مازالوا يعيشون حريتهم على غاية من الكمال....