الافتتاحية.. لا بد من اتخاذ تدابير استباقية قبل فوات الأوان لم تعد التداعيات المترتبة عن ظروف مناخية غير مناسبة خافية على أحد، ويتأكد تدريجيا أننا نتجه نحو موسم جاف، أو حتى إذا لم يكن كذلك، فهو موسم عرف خصاصا كبيرا في الأمطار وما يترتب عن ذلك بالنسبة للفلاحة والأنشطة المرتبطة بها وبالماء بمختلف استعمالاته في الحياة. إن الأوساط الفلاحية خصوصًا بالنسبة للفلاحين الصغار والمتوسطين تواجه ظروفًا بالغة القسوة بسبب العوامل المناخية التي ذكرناها، فالمحصول الزراعي لم تكتمل شروط نضوج، وسيكون مصير الجزء الغالب منه التلف، ولوحظ في العديد من مناطق المغرب أنه تم الاستغناء عن الحقول والأراضي المزروعة بالحبوب، كما أن المواشي تواجه نقصا كبيرا وفظيعا في الكلأ والأعلاف، واستغلت بعض الأوساط هذه الظروف الصعبة لتمارس أبشع أساليب الانتهازية، والاستغلال وإذ رفعت أسعار التبن والأعلاف إلى مستويات خيالية جدا، وتكفي الإشارة في هذا الصدد إلى أن الفلاح الصغير والمتوسط شرعا في الاستغناء عن الماشية بأبخس الأثمان، لأنه لا قدرة لهما على تكاليف أعلافها. إضافة إلى كل ذلك، فإن أنشطة كثيرة أخرى مرتبطة بالفلاحة ستعرف المصير نفسه، خصوصًا ما يتعلق بالنقل والتسويق والتخزين وغير ذلك، وبالتالي فإننا أمام ظروف ليست طبيعية، بل هي استثنائية بجميع المقاييس، تتطلب اهتمامًا خاصًا و استثنائيًا بدوره، ولعل هذا ما يفسر ويبرر دعوة قيادة حزب الاستقلال الحكومة "إلى الإسراع باتخاذ كافة التدابير الاستباقية الضرورية الكفيلة بتوفير الماء الصالح للشرب للمواطنين، ومياه السقي وعلف الماشية بأثمنة مناسبة لفائدة صغار الفلاحين والكسابة، ومحاربة مختلف أشكال الزبونية والمضاربة التي تستشري في مثل هذه المناسبات، مع تقديم الدعم المادي والتقني للفلاحين الصغار والمتوسطين للتخفيف من أي آثارمحتملة" و في هذه الدعوة إشارة واضحة إلى ضرورة تحمل الحكومة مسؤوليتها في هذا الصدد، لأن المتضررين هم مواطنون مغاربة والمصلحة الوطنية بصفة عامة. والحقيقة كان بودنا أن نختبر في مثل هذه الظروف رزمة من الوعود والالتزامات التي كانت الحكومة قد أطلقت لها العنان فيما يتعلق بالإصلاحات في القطاع الفلاحي، ونخص بالذكر في هذا الصدد نظام التأمين الفلاحي الذي كانت الحكومة قد وعدت بتعميمه على جميع الفلاحين، لكن يتضح اليوم، وفي هذه الظروف الصعبة والدقيقة أن هذا الالتزام لم يتحقق، وأن الفلاح الصغير والمتوسط سيتحملان لوحدهما التكلفة الغالية لسوء المؤشرات المناخية على الموسم الفلاحي، بمعنى أن هذا الاختبار يؤكد الفشل الحكومي على هذا المستوى. وحينما تدعو قيادة حزب الاستقلال إلى إعمال النظرة الاستباقية في شأن ما يرتقب من تداعيات سلبية على الفلاحين الصغار والمتوسطين وعلى مياه الشرب و السقي، فلأن التداعيات قادمة لا محالة، وقد بدأت في التجلي، ونخاف كل الخوف أن تكتفي الحكومة، في الظروف الراهنة، بالتفرج والمتابعة عن بعد لتخرج عن صمتها بعد فوات الأوان بتدابير هامشية ليست ذات جدوى، بل لا بد من التعجيل بتهيئة هذه التدابير من الآن والتي تهم بصفة خاصة الفلاح الصغير والمتوسط من خلال الدعم المادي والعيني والإعفاء من القروض البنكية و الدعم اللوجستيكي والتقني للتقليل من آثار ومضاعفات التداعيات. إن الأمر في حقيقته يتعلق بخطة إنقاذ بعدما تبينت معالم ومؤشرات أزمة حقيقية، ومن الخطير على البلاد وعلى الاستقرار العام، أن يترك الفلاح والعالم القروي لوحدهما يواجهان ظروفًا بالغة الصعوبة والخطورة، ومن حق الحكومة عليهما إيلاؤهما ما يجب من عناية واهتمام لمساعدتهما على اجتياز هذه الظروف الطارئة. العلم