أكد أحمد ولد سويلم قيادي البوليساريو العائد أخيرا إلى أرض الوطن أن الحرب في الصحراء انتهت ولن تعود، والتلويح بها مجرد دعاية إعلامية، مضيفا أن تعمير منطقة تيفاريتي هو مجرد دعاية استفزازية لأن تعميرها معناه، نقل المحتجزين من تندوف إلى هذه المنطقة، وهو ما لن تقبله الجزائر لأن وجود المحتجزين في تندوف هو الورقة الوحيدة في يدها. واعتبر أحمد ولد سويلم أن خيار الحكم الذاتي أربك البوليساريو خصوصا بعد الترحيب الذي لقيه دوليا في الوقت الذي لم يقدم فيه الطرف الآخر أي جديد. س: عدت الآن إلى أرض الوطن بعد سنوات من الغياب، هل فكرت في العودة قبل هذا التاريخ؟ ج: أولا وقبل كل شيء أريد أن أنوه بحزب الاستقلال الذي ظل متشبثا بالفكر الوحدوي وكان سباقا للمناداة باستكمال الوحدة الترابية، وردا على سؤالكم أريد أن أقول إن الأشياء تأتي بأوانها وعندما تكون الظروف مواتية. وهنا أقول إن هناك موقفين، موقف شخصي وهو لم يكن يلزمني إلا وحدي، وهناك موقف جماعي، ويتعلق بالشعور بالمسؤولية. فكما تعلمون نحن ساهمنا في ترحيل عدد كبير من الصحراويين إلى مخيمات الحمادة، وهذه المسؤولية كانت تقتضي التضحية مع هؤلاء، وكان الرجوع قبل الأوان تخليا عن أهلنا الذين رحلناهم وذلك رغم أننا اكتشفنا منذ وقت مبكر الخطأ الذي ارتكبناه، وحيث أننا لم نجد ما كنا نتصوره وتغيرت الأمور وزج بنا في مغامرة لا تخدم لا الصحراويين ولا الوطن المغرب. وكان لزاما ألا نعود ونترك هؤلاء الذين رحلناهم للمجهول، وعندما اقتنعت أنني أستطيع أن أخدم أهلي المغاربة المحتجزين في تندوف في وطني المغرب أكثر من بقائي معهم، قررت العودة إلى الوطن، بل إنني قلت ذلك علنا في المؤتمر الأخير للبوليساريو وأردت بذلك أن أكسر الحاجز النفسي لدى الصحراويين حتى يستطيعوا البوح بهذه الرغبة. ولا أخفيكم أنه عشية المؤتمر جاءني قادة من البوليساريو وقالوا لي إذا أردت العودة إلى المغرب فعُد ولكن لا تقل ذلك علنا وتخلط لنا الأوراق. إلا أنني تشبثت بموقفي وصرحت برغبتي في العودة وها أنا قد عدت والحمد لله. في البداية اتخذنا قرارات متسرعة > س: ما هو حجم هذه المسؤولية، هل شعرتم بارتكاب خطأ؟ ج: الكل تحمل المسؤولية في ظروف معينة اتسمت بعدم المعرفة والتسرع في اتخاذ القرارات. نحن كشبان كنا نناضل من أجل جلاء الاستعمار، إلا أنه وقعت أخطاء ووقع سوء فهم وهذا الخلط كبر. وفي هذه الوضعية أصبح الصحراويون ضحية سهلة لمسارات أخرى وهو أننا أصبحنا أداة في أيادي أجنبية. وهنا تظهر استقامة من عادوا بعد أن عرفوا أن القضية قد حرفت، وأظن أن فكرة جلالة الملك المغفور له الحسن الثاني «إن الوطن غفور رحيم » مكنتنا من مراجعة الذات، ثم جاءت بعد ذلك فكرة الحكم الذاتي الموسع لسكان الأقاليم الجنوبية تحت السيادة المغربية ففتحت الأمل أمام المحتجزين في تندوف وذلك بإمكانية العودة إلى الوطن للعيش في حرية كاملة. > س: ما هو الشيء الذي كان على المغرب أن يفهمه سنة 1975؟ ج: إننا في البداية لم نكن انفصاليين، كنا فقط نكافح من أجل إخراج المستعمر إلا أنه وقع سوء فهم جعل أيادي أخرى تتدخل في هذه المشكلة وتحرف الهدف عن مساره وتخلق من يشايعون أطروحة الانفصال. وهذا ما فهم في وقت متأخر، مما جعل البعض يظن أن الوقت قد فات في حين شعر البعض الاخر أنه يمكن تصحيح هذا الوضع وذلك بالعودة إلى أرض الوطن للمساهمة في خدمة قضية الوحدة الترابية من داخل المغرب. على المغرب أن يعرًّف أكثر بما يقوم به من مجهودات تنموية في الصحراء > س: هناك شباب صحراويون كثيرون ازدادوا في المخيمات وهم لا يعرفون الكثير عن وطنهم المغرب كيف نقنع هؤلاء بالعودة؟ ج: أظن أن البلاد تقوم بمجهود وتحدي مهم في هذا الباب إلا أن الأمر يتطلب مجهودا مضاعفا مع هؤلاء الشباب الذين تربوا في حالة نفسية وفي أجواء مشحونة بالاديولوجية المعادية للوطن وللوحدة الترابية. وأكبر مجهود هو الاستمرار في سياسة النماء والانفتاح الديمقراطي في الأقاليم الجنوبية حين يشعر الشباب الصحراوي بالخوف من العودة إلى أرض الوطن. > س: الشعب المغربي يتحمل تضحيات كبيرة مادية ومعنوية في سبيل الوحدة الترابية وفي سبيل رفاه سكان الأقاليم الجنوبية ألا تظنون أن هذا المجهود يجب أن يثمن؟ ج: أظن أن إحدى الطامات الكبرى التي يعاني منها المغرب هي عدم الترويج الكافي لما يقوم به من مجهود. فالمحتجزون في تندوف يتلقون يوميا رسائل واضحة عما يشهده المغرب من نماء اقتصادي وانفتاح سياسي إلا أن هناك مجهودات لا تظهر ولا يعرفها هؤلاء الصحراويون المحتجزون في تندوف وهذا ما يجب أن ينقل لهم. وهنا أشير إلى البداية الشجاعة للقناة الجهوية للتلفزة بالعيون، التي أصبحت في الواقع سابقة إعلامية تحظى بتتبع الصحراويين من سكان الأقاليم الجنوبية وعلى الأخص المحتجزون في تندوف حيث يطلعون من خلالها على ما يجري في أرض الوطن ومن خلال ما يشاهدون يستطيعون الحكم والمقارنة، ولعل هذا النجاح الذي حققته القناة هو ما دفع بانفصاليي البوليساريو إلى الهرولة لإنشاء محطة تلفزية. المغرب يؤدي ضريبة انفتاحه الاعلامي > س: ألا تلاحظون أن المغرب يؤدي ضريبة انفتاحه الإعلامي حيث أن الصحف والمنظمات والأحزاب تقول ما تشاء في الوقت الذي تلتقط فيه الجهات المعادية للمغرب الأشياء السلبية التي تذكر وتضخمها؟ ج: هذا منطقي والانفتاح إيجابي إلا أنه لايجب أن ننتظر من الخصم أن ينوه بما هو ايجابي عندنا بل هو دائما سيختار أي شيء مهما كان بسيطا لاستغلاله ضدنا. > س: ألا ترون أن الدبلوماسية المغربية تغيرت في السنين الأخيرة وأن بعض الدول التي كانت تساعد البوليساريو بدأت تغير مواقفها، ثم ما هو الخطاب الذي يمكن ان توجهه لتلك الدول؟ ج: يمكن أن أقول أن الكثير من تلك الدول تساعد شعبا موجوداً في المخيمات، وكل شيء مرتبط بهذه الوضعية، وعلينا نحن المغاربة أن نعمل على إزالة هذه الوضعية بتشجيع مواطنينا على العودة الى بلدهم، وحينما تنتهي هذه الوضعية لن نجد تلك الدول من تساعد، ولن يبقى لمن يتاجرين بمأساة محتجزين تندوف أية ورقة في يدهم. > س:ألا يمكن القول أن هناك تناقضا في الوقت الذي ينادي فيه المغرب المنظمات الدولية بمساعدة المحتجزين على العودة لايلقى أية استجابة؟ ج: أقول لك تناقضا أكبر من هذا وهو أن الجزائر في الوقت الذي تدعي فيه وحدة المغرب العربي تعمل في الواقع على تفتيته بمحاولة خلق كيان مصطنع صغير. > س: هل يمكن أن تصبح منطقة الحمادة مسرحا لاضطرابات غير محسوبة؟ ج: في الواقع هناك أمور كثيرة تقع جنوبالجزائر حيث تحدث اشتباكات بين مهربين وعناصر أخرى وبين القوات الجزائرية، وفي الوقت الحالي مازال البوليساريو غير متورط إلا أن هذه الوضعية لن تدوم فمع سوء الحالة الاجتماعية لابد أن الكثير ممن تسد أمامهم الأبواب سيلجأون الى انشطة أخرى من بينها حمل السلاح لهذه الأغراض. > س: إلى أي حد يمكن للجزائر أن تستمر في احتضان البوليساريو، ألن يأتي وقت يصبح عبئا أمنيا وماديا عليها؟ ج: هذا المشكل أصبح يزداد تفاقما وخطورة بحيث كلما طال الوقت زادت القوة البشرية، فردة الفعل يمكن أن تبدأ داخلية بتصفية الحسابات وستصبح الجزائر هي جرثومة المنطقة وسيكون عليها إذاك ان تختار، فالصحراويون بدأوا يكسرون طوق الصمت، إلا أنهم لايستطعون العودة لأنهم متخوفون وليس في أيديهم أية ضمانات وهذا ما يجب العمل في اتجاهه أي المزيد من التحسيس والتوعية بما يضمنه الوطن لمن يريدون العودة. قادة البوليساريو أصبحوا متجاوزين > س: انتم تعرفون أن الشباب الجديد في الحمادة غريب عن منطق القبيلة: كيف يستطيع البوليساريو مواجهة هذا الوضع الجديد؟ ج: من المفارقات أن البولساريو كان يدعو في السابق الى إنهاء العقلية القبلية، إلا أنه وفي الوقت الحاضر ومع بروز أجيال لاتعرف القبلية عاد مسؤولو البوليساريو لإحيائها لأنها أصبحت مبرر وجوده، بل إنه أصبح يحارب كل فكر جديد مبني على العلم وعلى المعرفة ، لأن قيادات البوليساريو كما تعرفون مستواهم التعليمي متواضع لذلك فهم يخافون على وضعهم من الأجيال الجديدة المتعلمة. تعمير تيفاريتي مجرد دعاية إعلامية لأن الجزائر لن تسمح بذلك > س: اريد أن أطرح عليك سؤالا من ثلاثة محاور: حجم رهان البوليساريو على تيفاريتي. دعاية الحرب - وفرص نجاح المفاوضات المرتقبة فيما يخص السؤال الأول المتعلق برهان تيفاريتي أظن البوليساريو جر المغرب الى ساحة استفزازية مجانية وفارغة. فقد ادعى البوليساريو أنه سيعمر ما يسميه بالمناطق المحررة، وهذا يستدعي ترحيل اللاجئين من تندوف الى هناك وهو الشيء الذي لن تقبله الجزائر لان سلاحها الوحيد هو بقاء الصحراويين في تندوف وهذا الموضوع كان عملية دعائية لاغير وفيما يخص الحرب أقول إن الحرب انتهت ولن تعود لأن البوليساريو لم تعد له الوسائل المادية والبشرية لشن الحرب كما أن الجزائر لم تعد مستعدة لتمويله، كما أن الظروف الدولية لم تعد تسمح بذلك . أما المفاوضات فإنها فقط لربح الوقت ولن تكون لها نتائج لان البولساريو لايريد حلا ولم يقدم جديدا. > س: كيف استقبل البوليساريو الحكم الذاتي خصوصا وأن الأممالمتحدة لن تفرض حلا على الأطراف وأن البوليساريو ظل متشبثا بخيار الاستفتاء الذي لم يعد مقبولا؟. ج: هذا الاقتراح أربك البولساريو خصوصا وأن العديد من الدول اعتبرته قاعدة لمفاوضات جديدة في ظل عدم تقديم أي جديد من البوليساريو كما أن هذا الاقتراح فتح باب الأمل أمام المحتجزين في تندوف في العودة الى الوطن وأن البولساريو لم يقدم جديدا ومازال يرفع الخطاب الشمولي الذي لم يعد مقبولا خصوصا من طرف المنتظم الدولي. وفي الأخير أقول إن الصحراويين يعرفون الآن مصلحتهم والتي تتجلى في العودة الى الوطن. وفي تصوري أن هذا الحكم الذاتي هو حكم يسير فيه سكان الاقاليم الجنوبية شؤونهم بأنفسهم فيما تتولي الدولة مهامها السيادية. ويبقى علينا ان نخلص الصحراويين المحتجزين في تندوف من قبضة الجزائر وهذا هو الرهان.