واقع حال المرأة المغربية لم يُحقق القفزة النوعية التي بَشَّرَ بها دستور 2011 مؤشرات كثيرة تبعث على التَوَجُّس من عودة بعض مظاهر التراجع 60 في المائة من الفتيات العالم القروي عاجزات عن الاندماج الاقتصادي والاجتماعي كلما تفاقمت الفوارق الاجتماعية والمجالية كُلما كان وقعُها على المرأةِ أكثرَ حِدَّةً الوعي النسائي مكون مُتجذر في الرصيد الفكري والنضالي والسياسي لحزب الاستقلال العناية بقضايا المرأة المغربية جزء لا يتجزأ من القضية التنموية في شموليتها والتقائية أبعادها وأهدافها لا يُمكن تحقيقُ القطائع دون أن تكون المرأةُ طرفا وفاعلا ومستفيدا من ثمار النموذج التنموي الجديد
ترأس الدكتور نزار بركة الأمين العام لحزب الاستقلال، يوم أمس السبت 28 شتنبر 2019 بمدينة الجديدة، أشغال الدورة الرابعة العادية للجنة المركزية للحزب، بحضور وازن لأعضاء اللجنة التنفيذية والمركزي والمركزية للحزب.
اجتماع اللجنة المركزية لحزب الاستقلال بالجديدة برئاسة الدكتور نزار بركة
وتميزت هذه المحطة التنظيمية الهامة، بالعرض السياسي للأخ الأمين العام للحزب حول “المرأة المغربية والمناصفة”، وكذا تقديم تقرير أعدته لجنة “المناصفة وتكافؤ الفرص” المنبثقة عن اللجنة المركزية للحزب تلته الأخت منيرة الرحوي رئيسة اللجنة، تحت عنوان “المناصفة وتكافؤ الفرص بالمغرب.. المسارات الممكنة والتحديات المطروحة“. وياتي تنظيم هذه الدورة بعاصمة دكالة في اطار توجه يرمي منه حزب الاستقلال إلى القرب النضالي من هموم المواطن، وخيارا استراتيجيا جديدا للنهوض بالأداء الحزبي،سواء على مستوى دينامية التنظيم، أو على مستوى المواقف التي يتم التعبير عنها في عدد من المناسبات، وهو ما يتجسد في كل دورة من دورات اللجنة المركزية، حيث يتم تقديم ومناقشة تقرير موضوعاتي من إنجاز إحدى اللجان الدائمة، في قضية من القضايا ذات الأهمية والراهنية في الساحة الوطنية، وتكون محط انشغال المواطنين. اجتماع اللجنة المركزية لحزب الاستقلال بالجديدة برئاسة الدكتور نزار بركة
انسداد آفاق الارتقاء الاجتماعي أمام الفتيات يكرس التوريث الجيلي للفقر أوضح الدكتور نزار بركة أن واقع حال المرأة المغربية لم يُحقق القفزة النوعية التي بَشَّرَ بها دستور 2011، وناضلت من أجلها أجيال من الفعاليات الوطنية والديمقراطية والحقوقية منذ الاستقلال إلى اليوم؛وذلك رغم التنصيص الدستوري على المساواة بين الرجل والمرأة، في الحقوق والواجبات، ومحاربة كل أشكال التمييز في مختلف مناحي الحياة، وكذلك إقرار مبدإ السعي إلى المناصفة في أفق المساواة كتمييز إيجابي لتدارك النواقص المتراكمة خلال عقود.
وأضاف الاخ الأمين العام المغرب لم ينجح بعد في تحقيق التقدم الذي يطمح إليه الجميع فيما يتعلق بأوضاع المرأة رغم الإرادة السياسية والجهود المبذولة، اذ أن هناك اليوم مؤشرات كثيرة تبعث على القلق والتَوَجُّس من عودة بعض مظاهر النكوص والتراجع، لا سيما أمام استمرار أمية النساء بنسبة 46 في المائة، واستمرار ظاهرة الهدر والانقطاع الدراسي، وهو ما يشكل حاجزا أمام 60 في المائة من الفتيات في العالم القروي من الاندماج الاقتصادي والاجتماعي. زد على هذا التقهقر المُمَنهج لمساهمة المرأة في الساكنة النشيطة، اذ لا تتعدى نسبتهم المائوية عن 22 في المائة،أما في مجال سوق الشغل،فإن بطالة النساء هي ضعف بطالة الرجال.
وتأسف الدكتور نزار لانسداد آفاق الارتقاء الاجتماعي أمام الفتيات، مما يكرس التوريث الجيلي للفقر بأكثر من 7 مرات مقارنة مع الرجل الذي ينتمي إلى الأسرة الواحدة، لا سيما في العالم القروي،بالاضافة إلى عودة ذهنيات وممارسات إقصائية للمرأة من الحياة العامة بمختلف مجالاتها، والمساهمة الفاعلة في المشروع المجتمعي المشترك. ولعل هذه المرجعية المضادة،يضيف الأخ الأمين العام، هي الأساس الذي يتغذى منه العنف المتزايد الذي تعاني منه المرأة بتجلياته المتعددة: جسديا ورمزيا واجتماعيا واقتصاديا، ولا سيما في الفضاء العام، وفي شبكات التواصل الاجتماعية، وفي وسائل الإعلام. جانب من الحضور أثناء أشغال اللجنة المركزية لحزب الاستقلال جانب من الحضور أثناء أشغال اللجنة المركزية لحزب الاستقلال
العالم القروي في مقدمة المجالات الترابية التي طَالَها الإقصاءُ والتهميش واستطرد المتدخل أن هذه المؤشرات السلبية أصبحت محطَ إجماع، وتردد باستمرار في السنوات الأخيرة، من دون جدوى، ومن دون أن تجدَ الإنصات والتفاعل الضَرُورِيَيْن من قبل الحكومة والسلطات العمومية، لتحصين المكتسبات وتجاوز الاختلالات والنواقص التي تعتري واقع المرأة المغربية بتداعياتها على المجتمع بِرُمَّتِه.
وأشار الأخ الأمين العام إلى أن العالم القروي يبقى في مقدمة المجالات الترابية التي طَالَها الإقصاءُ والتهميش في ظل النموذج التنموي الحالي الذي بلغ مداه، بل الاكثر من هذا فإن المرأة تظل الضحية الأولى لهذا النموذج .مضيفا أنه كلما تفاقمت الفوارق الاجتماعية والمجالية، وضَاقَتْ هوامشُ الحريات والمبادرة والعيش المشترك، وتَرَاخَتْ روابطُ التماسك الاجتماعي، كُلما كان وقعُها على المرأةِ أكثرَ حِدَّةً وحَيْفًا وظُلْمًا في التمتع بحقوقها كاملةً كما يضمنُها الدستور، وفي الولوج إلى الخدمات الأساسية من الصحة والتعليم والشغل والقضاء، وغيرها من مقومات الحياة الآمنة والكريمة.
ليخلص الأخ الامين العام في هذا السياق، إلى أن كلُّ إطالةٍ وتمطيط في عمر النموذج التنموي الحالي المَأزوم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، لن يزيدَ وضع المرأة المغربية إلا تدهورا وتعقيدا، لا سيما بموازاة مع بروز أفكار وممارسات حَدِّيَة لا تأخذ بعين الاعتبار تنوع المجتمع المغربي في ظل المشروع المشترك، بل وتشجع على التقاطبات والشروخ القِيمية والهوياتية.
اجتماع اللجنة المركزية لحزب الاستقلال بالجديدة برئاسة الدكتور نزار بركة حزب الاستقلال كان له السبق في اعتماد مبدإ المُحاصَصة والتمييز الإيجابي
وقال الدكتور نزار إنه عند الوقوف إلى جانب إحقاق حقوق المرأة المغربية، والنهوض بأوضاعها، وتمكينها من المواطنة الكاملة وغير المنقوصة، فان الأمر لا ينطلق من باب الوعي الطارئ أو التقليعة السياسية، أو لمواكبة شكليات التغيير على المستوى الوطني والدولي. مبرزا أن الوعي النسائي هو مكون مُتجذر في الرصيد الفكري والنضالي والسياسي لحزب الاستقلال، ومرجعية أساسية في أدبياته ووثائقه وتنظيماته المركزية والمحلية والقطاعية.
مستحضرا في هذا السياق حظوة قضايا المرأة بنصيب وافر من فكر الزعيم علال الفاسي، والتي كانت حاضرة بقوة في مختلف إنتاجاته الفقهية والقانونية والأدبية والسياسية،و داعيًا إلى تحريرها من قيود العادات والتقاليد البالية. ومن ذلك قوله في كتاب “النقد الذاتي”: “إني لأَعتقدُ أنه لا حياةَ لأمتنا ولأمةٍ على وجه الأرض ما دامتِ المرأةُ محرومةً من حقوقها وممنوعةً من أداء واجبِها”.
هذه القناعة الراسخة لدى الزعيم علال، وداخل البيت الاستقلالي،يقول الأخ الأمين العام، تمت ترجمتُها من خلال إدماج المناضلة الاستقلالية في الأجهزة التقريرية والتنفيذية للحزب، والسبق في اعتماد مبدإ المُحاصَصة والتمييز الإيجابي، فضلا عن المكانة المتميزة التي تحظى بها منظمة المرأة الاستقلالية، منذ أكثر من 30 سنة، في اتخاذ الموقف والقرار الحزبي، وفي مأسسة الترافع حول قضايا المرأة في المنظومة الحزبية ككل؛ والمساهمة باسم حزب الاستقلال في المعارك النسائية الكبرى التي عرفَتْهَا البلاد، إلى جانب باقي القوى النسائية الوطنية والديمقراطية والفعاليات الحقوقية، فيما يتعلق بالتمثيلية السياسية للنساء، وإصلاح مدونة الأحوال الشخصية والأسرة، والمُراجعات الدستورية والمجتمعية بخصوص دسترة المساواة والمناصفة وغيرها. اجتماع اللجنة المركزية لحزب الاستقلال بالجديدة برئاسة الدكتور نزار بركة جانب من الحضور أثناء أشغال اللجنة المركزية لحزب الاستقلال
المرأة المغربية معنية ومدعوة إلى المساهمة الفاعلة في بلورة هذه التعاقدات الجديدة
وأكد الدكتور نزار بركة أن العناية بقضايا المرأة المغربية والنهوض بأوضاعها، لم يعد شأنا حقوقيا فحسب، أو محورا إضافيا ضمن التدابير المواكبة لاستراتيجيات التنمية، أو واجهة لتلميع صورة المغرب في الخارج، وإنما هو اليوم جزء لا يتجزأ من القضية التنموية في شموليتها والتقائية أبعادها وأهدافها،ولهذا أدرجه حزب الاستقلال ضمن تصوره للنموذج التنموي الجديد، ومن ذلك اعتبار المرأة في صلب هذا النموذج المنشود، وأنه لا يُمكن تحقيقُ القطائع والانتقالات التي يتطلع إليها للخروج من الأزمة، دون أن تكون المرأةُ طرفا وفاعلا ومستفيدا من ثمار هذا النموذج التنموي الجديد.
وشدد الاخ الأمين العام على انه لا بد من تأمين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة المتمدرسة والزوجة والأم وربة الأسرة، بما يقتضيه الأمر من حماية قانونية، وآليات مؤسساتية لمحاربة كل أشكل التمييز والصور النمطية المُسيئة، وبرامج تنموية لإنصاف النساء في وضعية هشاشة، ولا سيما في العالم القروي،وضرورة التمكين السياسي للمرأة الفاعلة وتقوية حضورها في صناعة القرار ومساهمتها في مجهود التنمية.
وسجل الدكتور نزار أن المرأة المغربية معنية ومدعوة إلى المساهمة الفاعلة في بلورة هذه التعاقدات الجديدة في أعقاب الحوار الوطني حول النموذج التنموي، لاستشراف مغرب المستقبل، وهي التعاقدات التي أكد عليها “منتدى التفكير التعادلي” الذي نظمه حزب الاستقلال أخيرا في إطار تصور شمولي ومتكامل الأبعاد. تعاقد من أجل تكريس الديمقراطية وتقوية دولة القانون والمؤسسات، ومواطنة مبنية على القيم والواجبات والمنافع المشاركة،وتعاقد من أجل تقوية التماسك المجتمعي، وتحرير الطاقات. اجتماع اللجنة المركزية لحزب الاستقلال بالجديدة برئاسة الدكتور نزار بركة يتدارس لموضوع «المرأة والمناصفة» اجتماع اللجنة المركزية لحزب الاستقلال بالجديدة برئاسة الدكتور نزار بركة
ضرورة التفاعل مع حاجيات المرأة ولا سيما الأكثر خصاصا وشدد الأخ الأمين العام على ضرورة المساهمة في تأطير المرأة المغربية، في المدن والعالم القروي، والتفاعل مع حاجياتها وانتظاراتها، والقرب من مختلف فئاتها ولا سيما الأكثر خصاصا، وتعزيز مشاركة المرأة في الحياة السياسية والشأن العام بالتمثيلية المنصفة لها وإسماع صوتها داخل المؤسسات، وتوسيع مشاركتها في آليات الديمقراطية التشاركية، والمساهمة في تأطير وإغناء النقاشات العمومية حول الحقوق والحريات ذات الصلة بوضعية المرأة، وفق مبادئ الحوار المدني البناء، وبالارتكاز على المرجعية الدستورية، وقيم التعادلية الاقتصادية والاجتماعية، التي تستهدف المصالح الفضلى للمرأة والأسرة المغربية، وكذا المساهمة في برامج تمدرس الفتيات وتقوية قدراتهن، وبرامج محو الأمية والأمية الوظيفية، مع إعطاء الأولوية لفتيات ونساء العالم القروي،وعبر برامج تطوير القدرات والمهارات والفرصة الثانية لتيْسير ولوج المرأة إلى سوق العمل، وتقوية نشاطها وقابلية التشغيل لديها، وولوج الفتيات إلى مجموع مسالك التكوين المتوفّرة، والترافع من أجل توسيع قاعدة الولوج إلى التعليم الأولي للمساهمة في تحرير طاقات النساء-الأمهات، بحيث ستمكنهم من الاندماج في الحياة المهنية، والرفع من مساهمة المرأة في الساكنة النشيطة وبالتالي في دورة التنمية، والترافع من أجل وضع استراتيجية مندمِجة للاعتراف بعمل النساء عموما، ولا سيما العمل المنزلي وفي الوسط القروي، وتثمينه وتعويضه التعويض العادل،والترافع من أجل اعتماد “المشاركة في المُمتلكات المكتسبة” كقاعدة ممكنة في إطار العلاقة الزوجية،وضرورة مُواكبة المقاولة النسائية بالترافع والقوة الاقتراحية والمبادرة التشريعية من أجل تطوير وتوسيع ولوج المرأة إلى التمويل، ولا سيما بالنسبة لمؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني التي تتميز بمشاركة مهمة للمرأة في أنشطتها المدرة للدخل، والسعي نحو تغيير العقليات والممارسات لتسهيل تفعيل المقتضيات القانونية الجديدة حول المساواة في المجال العقاري بين الرجل والمرأة فيما يخص الأراضي الجماعية والسلالية، باعتباره إنجاز كبيرحقق بفضل نضالات الحركة النسائية الوطنية، لكنه يحتاج إلى مواكبة ثقافية وميدانية من أجل إنجاحه.
جانب من الحضور أثناء أشغال اللجنة المركزية لحزب الاستقلال