عرف محمد كامل عبد الصمد المعجزة في كتابه «الإعجاز العلمي في الإسلام»، بأنها - في اللغة - اسم فاعل من الإعجاز.. والإعجاز مصدر للفعل «أعجز». وعرف جلال الدين السيوطي المعجزة - شرعا ، في كتابه «الاتقان» بأنها «أمر خارق للعادة».. مقرون بالتحدي، سالم عن المعارضة». وقال ابن خلدون: «إن المعجزات هي أفعال يعجز البشر عن مثلها، فسميت بذلك معجزة، وليست من جنس مقدور العباد، وإنما تقع في غير محل قدرتم» (المقدمة ص 90). وقسم د. محمد كامل عبد الصمد المعجز ات إلى نوعين: معجزات أعطاها الله سبحانه وتعالى لرسله ليتحدوا بها قومهم، ويثبتوا أنهم جاءوا بالهدى وبالرسالات من عند الله، ويثبتوا الإيمان في قلوب الناس، ويبينوا لهم الطريق المستقيم المؤدي إلى الحياة السليمة. وهناك معجزات أخرى في الكون، لم يرد الله بها التحديد فقط، ولكنه أراد إثبات طلاقته في الكون في أنه هو الخالق، وأنه هو الموجد للأسباب والمسببات وأنه يقول: كن فيكون بلا مسببات (معجزة القرآن: محمد متولي الشعراوي (الجزء الأول). والقرآن الكريم معجزة مستمرة، تختلف عن معجزات الرسل السابقين، إنها معجزات علمية تستدعي البحث والتنقيب في الآيات، للخلوص منها إلى حقائق علمية سبقت ما قرره العلم الحديث. ولذا فليس غريبا أن يأتي القرآن الكريم بكل الموافقات والمطابقات لكل ما وصلت إليه العلوم الحديثة من نتائج، ووصل إليه العلماء بعد مئات السنين من الدراسة والبحث والتأمل، وإن كثيرا من القضايا الاجتماعية والسياسية والتشريعية والطبيعية وغيرها، جاء بها القرآن الكريم قبل أن تكون شيئا مذكورا في معارف الانسان وقت نزول القرآن الكريم، ثم ظهرت معالمها واضحة في العصر الحديث. والمقصود بالاعجاز العلمي في القرآن الكريم - حسب إبراهيم محمد سرسين - : «توسيع مدلول الآيات القرآنية، وتعميق معانيها في الوجدان والفكر الانساني، بالانتفاع بالكشوف العلمية المعاصرة في توسيع هذا المدلول، وتعميق هذه المعاني عن طريق الاستئناس بالموافقات الدقيقة، والمقارنات العميقة الملحوظة للعلماء المتخصصين، والخبراء الباحثين في مجالا الكون والحياة في شتى علومها ومعارفها» (المجلة العربية - يناير 1982). وقد اتخد القرآن من الاشارات والتلميحات إلى حقائق الكون والحياة منهجا عظيم الأثر في تثبيت الإيمان وتدعيمه، فما من آية تدعو إلى عبادة الله وتوحيده إلا وهي مقرونة في الأعم الأغلب بتوجيه الأذهان إلى تأمل آثار القدرة الإلهية في إبداع الكون وإتقان صنعه، وإجالة البصر والنظر في غرائب الخلق، وبدائع التكوين، بما يجعل المرء مشدود البصر والبصيرة بالكون كله كقوله تعالى: (أو لم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شيء وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم. فبأي حديث بعده يؤمنون ) (الأعراف: 185). وقوله تعالى: (لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون) (غافر: 57). وكما ينهل عالم الدين من القرآن، ينهل علماء العلوم التجريبية. يبحثون في إطار محدد من النظريات والقوانين، هو من سمات رجل العلم الأصيل. إن الحقيقة العلمية لا تتعارض مع الحقيقة القرآنية، فمرجع الحقيقيين هو الله الواحد الأحد، الفرد الصمد. والحقيقة الكونة والحقيقية القرآنية معا صادرتان عن خالق الكون جل جلاله